المقالات

الوحدة وسلامة المناهج، لمن الاولوية؟

2311 2016-04-21


الوحدة مبدأ عظيم يمنح الجماعة والبلاد قوة عظيمة.. وسلامة المنهج مبدأ عظيم يضع الجماعة والبلاد على الطريق القويم.. وكلاهما ركنان اساسيان لبناء اية امة.. لكن لا الوحدة لها اطارات واحدة وثابتة، ولا العدالة والمناهج السليمة من المتيسر الوصول اليها دائماً، فما كان صحيحاً بالامس قد يكون خاطئاً اليوم.

تعاني جميع الكتل السياسية اليوم من انقسامات خطيرة، ليس في وحدتها فقط، بل في البحث عن سلامة مناهجها وخططها ورؤاها.  وهو امر صحيح بين القوى الكردستانية التي تمر بمرحلة صعبة في تقرير مستقبلها، وفي الوصول الى فهم مشترك في حكومة الاقليم، وفي علاقة الاقليم وقواه السياسية ببقية القوى العراقية وببغداد. وهو صحيح ايضاً بين القوى "السنية" وحماية نفسها من مظالم "داعش"، وعلاقتها ببقية المكونات والدولة والسلطة، ومنع تهميشها وعزلها والتلاعب بمقدراتها، وامتداداتها العربية، خصوصاً بلدان الجوار. وهو صحيح ايضاً بين القوى "الشيعية" التي تسعى للاحتفاظ بوحدتها ولو الشكلية، ولابقاء دورها النافذ في الدولة والسلطة، وللدفاع عن واقعها باعتبارها الاغلبية السكانية للبلاد، ولحماية نفسها من انقضاض الخصوم عليها، وتهميشها واضطهادها مجدداً، ولدرء الانقسام والتنافس الداخلي بين تياراتها وقياداتها.. ذلك كله دون الكلام عن بقية الكتل وطبيعة علاقاتها الداخلية او في علاقاتها بالاخرين. فالجميع يتخوف من انه دون الوحدة ولو الشكلية بين قواه، فان اوضاعه ستكون اصعب مع بقية الشركاء. رغم ان الحياة تعلمنا انه دون تبني المناهج الصحيحة، فان اعظم اشكال الوحدة ستتفكك. فمرتكز الوحدة الاساس وطنياً وعلى صعيد كل جماعة هو النجاح.. وللنجاح شروط ومتطلبات ان لم تتوفر فالفشل سيكون النتيجة الحتمية التي لا يريد احد تحمل نتائجها، وهو ما يحصل.

ان الازمة الحالية –ان تركنا المطامح والمناورات والاغراض الشخصية- هي تراكم هذه الازمات داخل كل كتلة، وعلى الصعيد الوطني. ويبدو ان الواقع يدفع الى ما تم الكلام به مراراً من اهمية تشكيل اغلبية برلمانية سياسية عابرة للمكونات. هدفها ازالة مخاوف المكونات فيما بينها، والانتقال بالبلاد من "الديمقراطية التوافقية" التي ادت دوراً في المرحلة الماضية، واصبحت معرقلة الان، الى "ديمقراطية الاغلبية السياسية العابرة للمكونات"، حيث الاولوية التفاف اطراف من مختلف المكونات حول المناهج وليس على اساس الهويات فقط. فنتحول من نظام المحاصصة الى نظام "الاغلبية والاقلية السياسية"، التي تجد جميع الهويات مكانها حسب برامجها الوطنية والمحلية. وسيتكامل هذا النظام مع تأسيس "مجلس الاتحاد"، وتعزيز السلطات والصلاحيات الفيدرالية واللامركزية التي باتت تتمتع بها الحكومات المحلية، والذي يلتقي كله والمباني الدستورية.

يبدو هذا الكلام بسيطاً لكنه صعب ومعقد على ارض الواقع وفي الظروف العراقية والاقليمية المحيطة. ومن لم تقنعه هذه الازمة فستقنعه ازمات قادمة. فالظروف الحالية والمستقبلية تدفع لتحقيقه، فان سرنا بهذا الاتجاه، فسنقلل كثيراً من سياسات التمترس والانكفاء داخل الكتلة الواحدة بكل الخلفيات الطائفية او الاثنية. وان التطورات الاخيرة تشير الى انهيار المعادلات السابقة سواء في مفهوم الوحدة او مفهوم المناهج التي طبقت خلال اكثر من عقد. وان قسر المعايشة بين اطراف متناقضة في مناهجها باتت مهددة لوحدة الوطن وليس وحدة الكتل او المكونات فقط. وانه لابد من الذهاب للامر الطبيعي وتطبيق المباني الدستورية القادرة على بناء وحدة ارقى، باطر جديدة تجمعها، وبسياسات ومناهج لا تخفي الاختلاف، وتعترف وتحمي حق الاخر. لتبني الدولة والحكومة سياسات اكثر فاعلية وجدية ووضوح، تتبارى والشعب يقرر، بدون اغطية من الوحدة الشكلية. الامر يبدو صعباً، لكنه اتٍ لا محالة. بخلافه ستبقى الكتل والمكونات منكفئة على نفسها.. تقاتل كل منها من مواقع الانقسام فيما بينها ومع شركائها في الوطن، وسنستمر باعادة انتاج الفشل والطائفية والمحاصصة وكل الامراض المرافقة، ان لم نخرج الى معادلة جديدة بولادة متدرجة وطبيعية، فان لم نفعل فستاتي الولادة مفاجئة وقيصرية.

لاشك ان مشاكل جديدة ستبرز في مواجهة هذا التطور الجذري في مباني العمل السياسي.. وهذا امر طبيعي، فلكل مرحلة مشاكلها التي ان لم نتصدَ لحلها في وقتها، فستاتي ازمة كالازمة الحالية وتفرض علينا "حلولها"، لكن بعد ان نكون قد دفعنا اثماناً باهضة.

عادل عبد المهدي
 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك