المقالات

أَلْضَحِيَّةُ وَالجَلّاد

1254 2015-04-20

طبعاً، لا أَقصدُ بذلك الثّنائيّة الأزليّة المعروفة [واحد ضحيّة والآخر جلّاد] فتلك معادلة طبيعيّة في حياة البشر منذ ان قتلَ قابيلُ هابيلَ، انّما أردت ان اطرح سؤالاً، قد يكون غريباً بعض الشيء، ثم اجيب عليه، وهو؛
هل يُمكن ان يؤدّي واحدٌ فقط، فرداً كان ام مجتمعاً، الدورَين في آن واحد؟ بمعنى آخر؛ هل يمكن ان يكون الانسان جلّادُ نفسه وضحيّتها في نفس الوقت؟!.

الجواب؛ وبلا تردّد، نعم، فانا أَجزم ان ذلك ممكن الحصول، كيف؟!. لن اذهبَ بعيداً حتّى لا أُتّهم بالسّلبيّة، مثلاً، او اليأس والقنوط او السّعي لتثبيط العزائم، والعياذُ بالله، انّما سأحومُ حول (نهج البلاغة) فقط للامام أمير المؤمنين (ع) أَستنطقهُ واستفسر منه واستلَّ منه الأسباب والأجوبة.
يقول عليه السلام {وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن}.

إِنَّهُ خلاصةً وافيةً لاجتماع مفهوم (الضّحيّة والجلّاد) في واحدٍ فقط، والذي اشرتُ اليه آنفا، فعندما يُفسِدُ مجتمعٌ ما الرأي الجمعي، يكون جلّادَ نفسه وضحيّتها في آن واحدٍ، فكيف يَكُونُ ذلك؟.

اولاً؛ إشاعة الاكاذيب ونشر الافتراءات والمساهمة في مضاعفة آثار الحرب النفسيّة التي يشنّها العدو.
انّه مجتمعٌ يقود معركة التسقيط ضِدّ نفسهِ!.

ثانياً؛ تشتّت الاهواء في اللّحظات الحرجة، وغياب او تغييب القواسم والمساحات المشتركة.
فهو مجتمعٌ عاجزٌ عن حلّ مشاكله بالحوار والمصالح المشتركة والمتبادلة، وانما يلجأ دائماً لحل ابسط مشاكله وخلافاته الى (آخر الدواء) الا وهو (الكيّ) لعجزه عن المرور بايّة حلول اخرى!.

ثالثاً؛ غياب الاولويّات بشكلٍ مهول ومُرعب ومُخيف، لدرجة طغيان التوافه والأمور الثّانويّة على تفكيره واهتماماته.

رابعاً؛ الجهل المُطبَق في معرفة المصالح والمفاسد. انّ من أسوء المجتمعات هو المجتمع الذي لا يميّز مصالحه ولا يعرفها، فتراهُ يفرّط بها من دون ان يشعر بذلك.

خامساً؛ الاتّجار بالكلام، دبلوماسياً او بالثرثرة في المجتمع.

فبينما يقول تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} الا انّ مثل هذا المجتمع مشغولٌ بالقيل والقال، بل انّ شغلهُ هو الكلام من دون عمل او إنجاز ام انتاج.

يَقُولُ امير المؤمنين (ع) {وقَدْ أَرْعَدُوا وَأبْرَقُوا، وَمَعَ هذَيْنِ الاَْمْرَيْنِ الفَشَلُ، وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ، وَلا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ}.

سادساً؛ تحكّم السّلبيّة وطغيانها وإِشاعتها في المجتمع. فالمجتمع الجلّاد مصابٌ باليأس والقنوط، وكذلك باللّاأبالية لفرط سلبيّته.

سابعاً؛ التّفريط بالنّجاحات، فالمجتمع الجلّاد يحوّل النجاحات الى فشل والانتصارات الى هزائم، اما غيرهُ فبالعكس، يحوّل الفشل الى نجاح والهزيمة الى انتصار، انّهُ يقلب النتائج لصالحه دائماً وأبداً.

ثامناً؛ التفاخر بالتّضحيات من دون حساب المنجز ابداً، والناجح ليس هو الذي يفتخر بتضحياته وأنّما هو الذي يفتخر بمنجَزه.
ان المجتمع الناجح هو الذي يتفاخر بالمنجز وبما وفّر من وقت وتضحية، اما المجتمع الفاشل فهو الذي يتفاخر بالدم، كرمز للتضحية، من دون ان ينتبه الى ما ينجزه هذا الدّم وما يوفّر عليه من وقت وتضحيات.

تاسعاً؛ تحطيم النّاجح والتّبرير للفاشل. هو يلوم الناجح والمتفوق على نجاحه، بدلاً من ان يلوم الفاشل على فشلهِ، بل انّه منشغلٌ بالتبرير للفاشل دائماً.
عاشراً؛ تكرار التاريخ يومياً من دون الانتباه اليه ابداً، ولذلك يكرر ويجتر ويستنسخ محاولاته دائماً.

حادي عشر؛ تضييع الفرص، لانه لم ينتبه لها أساساً.

ثاني عشر؛ ربما، حضور كلّ شيء في المجتمع الا الحكمة، لذلك لا ترى المجتمع الجلّاد {إِلاَّ مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً} على حدِّ وصف امير المؤمنين (ع).

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك