المقالات

في الطّريقِ الى كربلاء () السّنةُ الثّانية

1296 2014-12-01


هالني العام الماضي، وانا أشارك زوار سيد الشهداء الامام الحسين (ع) في مسيرة الاربعين، جهل الجيل الجديد بانتفاضة صفر عام ضد نظام الطاغية الذليل صدام حسين.
فلقد تعمّدتُ السؤال من أكبر عددٍ ممكن من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ( الى ) عاماً عمّا اذا كانوا قد سمعوا شيئاً او يعرفون شيئاً عن تلك الانتفاضة الباسلة التي اطلقتْ شرارتها مدينة النجف الأشرف، إثْرَ قرار النظام البوليسي منع مسيرة الاربعين الى كربلاء المقدسة، لتصل الانتفاضة أوجها في الطريق العام بين مدينتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، قبل ان يصل المنتفضون الثائرون الى حرمِ ابي الأحرار الامام الحسين (ع) بعد خلّفوا وراءهم عدداً من الشهداء الذين واجهوا رصاص ازلام النظام بصدورهم العارية في خان الربع وخان النص بالاضافة الى عدد من الجرحى، يرفعون معهم القميص المضمّخ بدمِ الشهادة القاني لاحد هؤلاء الشهداء الابرار.
لم يُجبني احدٌ بما يشفي الغليل، فكلّهم تقريباً أبدوا استغراباً من أسئلتي، اذ لم يسمع احدٌ منهم شيئاً لا عن الانتفاضة ولا عن شهدائها ولا اي شيء يتعلّق بها.
وان لا يعرف الشبابُ شيئاً عن تاريخه القريب الذي وُلد منه حاضرهُ، فتلك مصيبة، فالجاهل بماضيه القريب والذي لا يعرف تاريخه المعاصر، لا يقدّر حاضرهُ ولا يعمل شيئاً لمستقبله أبداً، ولذلك نلاحظ ان الامم الرّاقية تهتم بتفاصيل تاريخها وأحداثه، خاصة التي تدخل في صناعة حاضره بشكل مباشر.
فهنا في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، فانّ تاريخ البلاد، والذي لم يتجاوز القرنين من الزمن، يُدرّس بتفاصيله في كل المراحل التعليمية، الأولية منها والجامعية، ليعرف المواطن على وجه التحديد من الذي صنع له هذا الحاضر؟ وكيف؟ وبالتالي ما الذي يجب عليه فعله ليصنع المستقبل له وللجيل الجديد.
تساءلتُ مع نفسي؛ تُرى: لماذا لا يعرف هؤلاء شيئاً عن الانتفاضة على الرّغم من انها هزّت وقتها أركان النظام وارعبتهُ فأُجبِرَ على إنزال كل ما يمتلك من قوات برّية (اكثر من آلاف دبابة) وطائرات ليطوّق بها مدينة كربلاء المقدسة من اتجاهاتها ومداخلها الأربعة ويراقب أجواءها من السماء؟.
أهوَ تقصيرنا؟ انا الشاهد على الانتفاضة وأمثالي؟ ام تقصير الأجيال الجديدة؟.

شخصياً، اعتقد اننا الملامون على ذلك دون غيرنا، فالأحداث العظيمة والمنعطفات الكبيرة التي تمرّ بها الامم والشعوب انما تتناقلها وتحفظها الأجيال الجديدة من الجيل الذي صنعها، فإذا قصّر صنّاع الحدث عن تدوينه وتماهلوا في كتابته وحفظ تفاصيله واهدافه فسوف لم يعرف الجيل الجديد شيئاً عنه أبداً، فلو ان من صنع تلك الانتفاضة العظيمة وشارك فيها وشهد عليها بأية صورة من الصور قد دوّن تفاصيلها لانتقلت الى الجيل الجديد بلا أدنى شك، ولما جَهِلها، الا انّ تقصيرهم في التدوين والكتابة هو الذي اضاع الفرصة على الأجيال الجديدة للاطلاع عليها والتعرف على أهدافها وتفاصيلها وما جرى فيها.

طبعاً، لا اريد هنا ان انفي بالمطلق المحاولات التي بذلها عدد من صناع او شهود الانتفاضة لتدوين واحياء ذكراها، أبداً، فلقد كتب بعضهم عدداً من الكتب والكراسات، كما ان بعض المؤمنين اسّسوا مواكب وبنوا حسينيات باسم شهداء تلك الانتفاضة، الا ان هذا الجهد الاعلامي يعد ضئيلا جداً بالقياس الى الواجب الملقى على جيل الانتفاضة ازاءها وإزاء شهداءها ورجالاتها.

ان احياء مثل هذه الانتفاضات التي شهدها العراق، خاصة ضد نظام الطاغية الذليل صدام حسين، هو احياءٌ للمسيرة الجهادية التي استمرت تغلي في نفوس الشعب العراقي حتى سقوط الديكتاتورية في التاسع من نيسان عام ، وهو كذلك احياءٌ لحجم الثمن الباهض الذي دفعه العراقيون لحماية والدفاع عن دينهم وعقيدتهم وشعائرهم التي بذل النظام الديكتاتوري الكثير جداً من الجهود الأمنية والعسكرية والاستخباراتية لمحوها وإلغائها.
كما ان تدوين تفاصيل مثل هذه الانتفاضة يقدّم للاجيال الجديدة دروساً وتجارب وعبر وخبرة متراكمة في صراعهم ضد الباطل، فكلّنا نعرف جيداً بان الصراع بين الحق والباطل، بين علي (ع) ومعاوية، بين الحسين (ع) ويزيد لم ولن ينتهي حتى قيام الساعة، قد تختلف الاسماء والعناوين والأدوات والظروف الا ان جوهر الصراع يبقى هو هو لن يتغيّر، انه الصراع بين النور والظلام، بين التعايش والإلغاء، بين تقاسم الحقيقة واحتكارها، بين التنوّع والفردية، بين الحب والكراهية، بين العدل والظلم، بين الحريّة والعبوديّة، بين العزة والذلّ، وهل ينتهي كل ذلك في يوم من الايام؟.

ان احياء ذكرى الانتفاضة، حمايةٌ لهويّة الشعب العراقي من السّرقة والتشويه والتحريف.
تعالوا، اذن، أيها الاحبة، واقصد بهم جيل الانتفاضة تحديداً، ليدوّن كل واحد منكم ذكرياته عن تلك الانتفاضة، يشفعُها بتحليلاته للظروف والاسباب والمقومات والمنطلقات التي ثار وانتفض من اجلها الناس في تلك الانتفاضة.
اكتبوا ودوّنوا بعلميّة وحياديّة وصدقيّة عالية وبوثائقية دقيقة، بعيداً عن كل انواع التحيّز والميول النفسية والأهواء.
كما ينبغي تجديد ذكرى الانتفاضة بكل الطرق الممكنة، واحياء ذكرى شهدائها الابرار [ابو لل، البلاغي، عجينة، الاسديّان، الميالي، الطالقاني، خويّر، مالو، الايرواني] ورجالاتها الذين تعرّضوا للسجن والتعذيب واولئك الذين صدرت بحقهم احكاماً قضائية ظالمة وقاسية، كالشهيد أية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره).
كما ينبغي احياء المواقف البطولية التي أبداها الشهداء الابرار قبل تنفيذ حكم الإعدام الظالم بحقهم، في باحات السجن وامام المحكمة، المهزلة، وفي لحظة تنفيذ الإعدام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك