المقالات

رجل مغلق بالمطر قصة قصيرة

1025 2014-11-30

(1)
خطية
تحاملت على وهن العضلات التعبى، في جسد هيجه مطر الغروب.. وحيدا داخل غرفتي، في فندق من خرائب الحرب، نسيته الفئات المتقاتلة منذ ثلاثة عقود، حول شارع "الحمرا" في بيروت، تنفذ اليه بموجب ضرورات عسكرية مقلقة.
إرتديت ثيابي بشِقِ الغائز، خارجا لتأمل الاسفلت، يغتسل بغيوم نازفة من جرح في عتمة الأصيل، بينما الارصفة تتلصص تحت ثياب قصيرة، لاتخفي بضاضة الافخاذ.
بلغت صالة الفندق، يداعبني هاجس ظاهرة الدعارة المنتشرة في العاصمة، آملا بصيد وفير، يدفئ كآبة وجلى.. "أتعلمين أي حزن يبعث المطر" غريبا على حافة شتاء البحر المتوسط، الذي يطوق رهبة المساء، منحسرا عن ظلمات عالم مجهول.. مسكين، خارج بلدي.. "والموت أهون من خطية".
خطفني "ماطور دليفري" مخلفا خطوطا متلاشية الغياب، وآخر نصب مظلة.. شاب يرتدي شورت وفانلة كومينو، من دون اردان، نسميها في العراق "على يدي هو اللقاء.. تعلاكة" ووجنات.. توهجت صبايا تحت رذاذ يلهب ثيابي المبللة بالشهوة.. دخان ظنون...

(2)
غبار إعلان
إصطفت ريم الى جانبي.. مضيفة تنشد تاكسي، تقلها الى اقرب كوافير؛ لأنها ملتزمة بطيران مبكر غدا.. قبل الفجر.. ذهبت ومكثت وحيدا، أستحضر آخر كلماتها: "راتبي لا يسد غلاء المعيشة، في تردي الاقتصاد؛ لذا "أعمول" أثناء الفراغ، لترصين دخلي"! وبقيت أرنو الى لمعان الأضواء، المنعكسة على فقاعات تنحدر، مع انسراح الشارع، من وسط البلد الى الجامعة الامريكية، تليها بضع فضاءات ودروب، تؤدي الى... قدمت لـ "ليث" ولدي.. حجزت له مقعدا، ريثما يتخرج في الاعدادية.
يتشعب "الحمرا" الى عطفات وطرق وممرات متداخلة، تكتظ بعمارات سكنية، تخبئ حكايات تزيدني شهيقا من دون زفير (!؟) فأغص... بما لذ وطاب من النساء والاحلام.
تفاءلت مبتهجا، برغم حزن المطر، الباكي شآبيب خواطر، تنزف على زجاج جدران مقهى "مزيان" مكتظا بالرقص.. شبابا وصبايا لاهثات الانوثة كالجكليت.. هورنات تستعجل الهروب من رطوبة الجو، الذي لم يحبط حيويتهن، فيزيدني لظى، إستطال يفضحني؛ فلم اعد أقوى على النهوض؛ حياءً، مثل يافعة تلتاث بأول حب يخطر؛ فيشيب قلبها من الخجل المختلج في العينين و... شفاهها تلهث.. كل النساء في المقهى لاهثة الشفاه! ترقص.
اعلانات تضحك، عبر الشارع.. عند الجهة المقابلة من الرصيف الآخر.. تزويقات على جدران متآكلة، تشير الى... فراغ، سطعت بعد ان أزاح ماء السماء، غباراً تراكم طوال الصيف.

(3)
أفعى وكأس سم
إشارة الطب التقليدية (أفعى وكأس سم) إجترحها الطبيب اليوناني ابقراط، قبل الميلاد، تضيء صليبا على بوابة صيدلية، تقدس العلم.
تقدمت في البحث، أغذ السير حثيثا، يحدوني أمل المؤتمرات التي أقرأ عنها، تعقد لمكافحة "الدعارة" في لبنان.. ترجل شاب من سيارته، يواجهني: "شو هيي الأدوية؟" فجفلت؛ ريثما أدركت أنه يحدث صاحب الصيدلية خلفي...
قاطرة ثابتة الحراك، إستعرض "الحمرا" مكامنه.. بنوك وواجهات فارهة التنوع.. أزياء ومقاه وثياب ومانيكانات بلاستيكية عارية، و... سعار جنسي يحثني على مفاتحة أية صبية تصادف... لو لا شيء من تروٍ يعقلني.

(4)
شرطي قواد
لاح لي شرطي، تمنيت ان أسأله، عن عقوبة الدعارة، في بلد مفتوح النوافذ على ثقافات الكون، كما اوصى المهاتما غاندي؟ فيجيبني بالسجن والتسفير الى بلدي، الذي سيظنه خليجيا؛ فأصحح له: "عراقي".
حينها يتعاطف معي: "تكرم عينك" ويساعدني على بلوغ مرامي: "أنتم العراقيون طيبون، لستم كغيركم، لكن إنفلات البنات مشكلة نعانيها..." تخطيته ضاحكا، أخبئ خيالي عن أن يراه: "آهٍ لو عرف وساخة ما أفكر به!؟".

(5)
خروب
رطوبة تلهب شبقي؛ فيستعر مصدرا دخان حريق يدخل المطافئ إنذاراً فتجيء برنين صفاراتها، متوزعة بين تفاصيل الشارع.. تشعب.. الثياب الداخلية التي لاتكاد تستتر... في الشارع... المطر هاميا والبرق يومض و... يرعبني الرعد.
بنت توارت خلف محطة البنزين، تحت شجرة "خروب" نسيتها الحرب، فالتة من تجريف العمارات لمزارع الخضرة وحقول القمح وبساتين الاشجار المعمرة التي "كانت" قبل شق الشارع، خلال العهد العثماني، ثم أجهز القتال على ما تبقى...
تقدمت منها:
"أسكن فندق... "
أجابت:
"لكنه واضح لا يتيه! تعال أوصلك".
تلظى مارد الخباثة، منتصبا على طول المسافة بين التيه والدلالة، مشبوبة.. تقودني، الى حيث خرجت قبل قليل من الفندق أتأمل فقاعات تنسرح، مارا بـ "مزيان" و... لجمتني:
"هذا هو الفندق.. هل تحتاج نقودا؟ لا تستحِ؛ نحن أخوة".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك