حلّ شهر أيلول/سبتمبر هذا العام ثقيلاً، محمّلًا بأوجاع وأحزان جرّاء الفقد الكبير للقائد الأسمى في مسيرة المقاومة، سيّد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، الذي ارتقى قبيل غروب يوم 27 أيلول 2024، خلال قيادته من غرفة عمليات المقاومة، سُبل المواجهة مع العدو الإسرائيلي في عدوان على لبنان.
وقد كان فقدان السيد نصر الله ذروة في مسار التضحية، مع ارتقاء ثُلّة كبيرة من الشهداء والقادة، بينهم السيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين، وإصابة مقاومين ومدنيين، في عدوانٍ انتهك كل قواعد القانون الدولي وقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني، في محاولة من العدو لكسر إرادة المقاومة وشعبها، معتقدًا أن الضربات، مهما كانت موجعة، قد تُغيّر في معادلات الصمود والثبات والبصيرة الثاقبة لدى أبناء هذه المسيرة، التي قادها الشهيد السيد نصر الله لأكثر من 30 عامًا، وزرع فيها كل قيم التحرر ومواجهة الظلم، المتأصلة في التضحيات والسيرة الحسينية الخالدة.
فكيف كانت نتائج كل هذه التضحيات على بيئة المقاومة وشبابها وقياداتها؟ هل برز أي تراجع أو تهاون أو ضعف؟ هل سجّل أحد أن بيئة المقاومة تخلّت عن عهد قائدها السيد حسن نصر الله؟ أم أن هذه المقاومة وبيئتها أخذت المزيد من الطاقة والاندفاع نحو تحقيق الأهداف، ومواجهة المحتل، وتقديم المزيد من التضحيات لحماية الوطن والأمة وتحرير الأرض؟
وهنا يُطرح السؤال الأبرز: كيف شكّلت محطة استشهاد السيد نصر الله، بكل ما تحمله من معاني التضحية، دافعًا معنويًا كبيرًا لانطلاقة جديدة للمقاومة وشعبها؟
ولا شكّ أن المقاومة سبق أن مرّت بفترات قدّمت فيها قيادات كبيرة وشهداء قادة، كسيّد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي، وشيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب، والقائدين الجهاديين الكبيرين عماد مغنية ومصطفى بدر الدين وغيرهم.
كما أظهرت التجربة التاريخية للمقاومة أن القادة وأبناءهم وعوائلهم هم في مقدمة قافلة المضحّين، فكل هذه المحطات كانت مفاصل للتضحية، نعم، لكنها أيضًا شكّلت فرصًا هامة لإعادة التشكيل والتطوير والبناء، انطلاقًا من ضرورة الحفاظ على هذه التضحيات، وصونها بحفظ المقاومة ومراكمة إنجازاتها، وكل ذلك أعطى زخمًا كبيرًا للمقاومة نفسها بكل قياداتها وأفرادها، وأيضًا لبيئتها.
حول كل ذلك، قال مدير مركز “يوفيد” للأبحاث والتطوير هادي قبيسي “تجاوزت بيئة المقاومة ومجتمعها هذا الاختبار التاريخي بالغ الصعوبة، وأثبتت قدرتها على الاستمرار والثبات في مواجهة أقسى التحديات”، وتابع “قاتلت في الأيام الأولى من دون قيادة مباشرة، سواء في الجبهات الأمامية أو في الجبهة الصاروخية، ثم أعادت ترميم صفوفها خلال الحرب واستعادت قيادتها”.
وأضاف قبيسي، في حديث خاص لموقع المنار الإلكتروني “بعد الحرب، استعادت المقاومة حضورها السياسي وتأثيرها، وخاضت عملية ترميم وتكيّف هائلة وغير مسبوقة، ربما لم تظهر في وسائل الإعلام بشكل كافٍ حتى الآن، غير أن المستقبل كفيل بإظهار نتائجها”.
ولفت قبيسي إلى أن “ما أنجزه سماحة سيّد الشهداء السيد حسن نصر الله خلال ثلاثين عامًا من البناء، على المستويات الروحية والمعنوية والتجريبية والمؤسساتية، وعلى مستوى إعداد الكوادر وتعزيز العلاقة مع الشعب والمجتمع المقاوم، ليس إرثًا بسيطًا، بل هو إرث راسخ وعميق ومتجذر”، واعتبر أن “هذا الإرث هو الذي مكّن المقاومة من الاستمرار بعد استشهاده ورحيله، إذ لم يكن يعمل كفردٍ فحسب، بل كان يبني ويؤسّس في الوقت الذي كان فيه يقاوم ويقاتل ويدير المعارك الكبرى”.
وقال قبيسي “أما ما تعلّمه مجتمع المقاومة والمقاومون أنفسهم، فهو القدرة على الاعتماد على الذات في اللحظات المصيرية، وتشخيص الموقف والوظيفة والتكليف، ثم الثبات، بغض النظر عن كل العوامل والمؤثرات”، وتابع “هكذا انتقلوا إلى مرحلة جديدة غير مسبوقة في تاريخهم”.
ويبقى أن الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد نصر الله تشكّل محطة تاريخية جديدة في مسيرة المقاومة وشعبها، لتجديد العهد لهذا القائد الاستثنائي بالسير على خُطاه ودربه، كما تشكّل الذكرى فرصة مهمة لاندفاعة جديدة لمسيرة المقاومة، وتزخيمها، ورفع الروح المعنوية لبيئتها.
المصدر: موقع المنار
https://telegram.me/buratha
