التقارير

التسجيلات المُسربة : صناعة الأكاذيب تُغرق العراق بالوهم


مع اقتراب كل موسم انتخابي في العراق، تتزايد ظاهرة "التسجيلات الصوتية المُسرّبة" التي تطال مسؤولين وسياسيين، وغالباً ما تتحول إلى مادة دسمة للتداول على منصات التواصل الاجتماعي.

غير أن الصحفي عثمان المختار يرى أن هذه الظاهرة لا تعكس حقيقة ما يُنشر بقدر ما تكشف هشاشة البيئة الإعلامية العراقية، إذ قال في تدوينة بمنصته على موقع "أكس"، إن "في العراق نعاني من أُمية كبيرة بين الصحفيين والإعلاميين في هذا المجال المتعلق بالذكاء الاصطناعي وتوليد المحتوى المسموع والمرئي". هذه العبارة تلخص جزءاً كبيراً من المشكلة، حيث يفتقر الإعلاميون إلى أدوات تقنية بسيطة كان من شأنها أن تميّز بين التسجيل الحقيقي والمفبرك.

المختار يوضح أن "التسجيلات المفبركة تحوي غالباً سكتات ثابتة بين كلمة وأخرى أو جملة وأخرى، ولا يظهر فيها بلع ريق المتحدث أو تغيّر طبيعي في النبرة من منخفضة إلى عالية أو العكس"، مشيراً إلى أن "التون الصوتي يكون ثابتاً، وغالباً ما يرافق التسجيل صدى أو تشويش مقصود لإخفاء الأخطاء". هذه المؤشرات البشرية، كما يصفها مختصون، تشكل المرحلة الأولى من الفحص الأولي لأي مادة مسموعة. ويضيف المختار أن غياب "أصوات مقاطعة أو ردود جانبية من شخص ثانٍ" دليل إضافي على التلاعب، فضلاً عن أن "الإيقاع الصوتي المتكرر والخلل في مخارج الحروف يكشف محدودية قدرة برامج الذكاء الاصطناعي على تقليد اللهجة العراقية التي تُعد من أصعب اللهجات".

التحليل الفني، بحسب المختار، لا يقل أهمية عن الفحص البشري، إذ يؤكد أن "على الصحفي أن يتعلم استخدام برنامجين على الأقل للتحقق من التسجيلات، وأبرزها Deepware Scanner وWeVerify". ويشير إلى أن "أي تسجيل يظهر له إيقاع صوتي ثابت بين 80 و87 فهو إما متلاعب به أو مزيف بالكامل". هذه النقطة تكشف، وفق محللين، أن التلاعب يمكن كشفه بأدوات متاحة وبكلف منخفضة، لكن الأمية الرقمية تحول دون ذلك، لتترك الساحة مفتوحة أمام الترويج لمحتويات زائفة قد تغير مسار الرأي العام.

ويذهب المختار إلى المقارنة باعتبارها خطوة حاسمة، متسائلاً: "هل أسلوب الكلام مشابه؟ هل يستخدم نفس العبارات والكلمات المعتادة؟ هل مخارج الحروف وطريقة النطق متطابقة؟". هذه الأسئلة، كما يرى خبراء الإعلام الرقمي، تمثل صلب عملية التحقق، إذ أن الشخصية المستهدفة غالباً ما تملك نمطاً لغوياً يصعب تقليده بدقة. لكن المشكلة الأكبر أن البيئة السياسية العراقية، كما يوضح المختار، لا تساعد على تحقيق العدالة أو إيقاف الاستغلال، مضيفاً أن "مع اقتراب الانتخابات ستزداد مثل هذه التسجيلات في ظل بلد فوضوي بلا قضاء مستقل تسيطر عليه العمائم والسلاح".

خلفيات الظاهرة تشير إلى أن التزييف العميق لم يعد مقتصراً على العراق، بل يجد في لبنان أكبر حاضنة إقليمية، حيث "تُمارس هذه الأعمال بشكل غير شرعي ومعظم زبائنها عراقيون تابعون لجهات سياسية"، كما يقول المختار. ويضيف أن "مقاولين وتجاراً دخلوا مؤخراً على خط التنافس لإسقاط بعضهم البعض عبر هذه التسجيلات". هذه المعطيات، بحسب مراقبين، تعكس تحول السوق السوداء للمحتوى المفبرك إلى أداة انتخابية، تتجاوز حدود الأحزاب لتشمل مصالح اقتصادية وتجارية.

المختار يقدّم تجربته الشخصية دليلاً عملياً، قائلاً: "فحصت منذ مطلع هذا العام سبعة تسجيلات مُسرّبة، ستة منها عراقية وواحد من سوريا، وتبين أن جميعها غير صحيحة". هذه النتيجة، التي تكشف هشاشة ما يُتداول على أنه "فضائح"، تعزز فرضية أن الجمهور يتعرض لحملات تضليل منظم، وأن الصحفيين غير المؤهلين يسهمون عن قصد أو غير قصد في إعادة إنتاج الأكاذيب.

ويختم المختار بالتنبيه إلى أن "الأمية الرقمية بين الصحفيين العراقيين مشكلة كبيرة، وهو ما ينعكس دائماً على الناس في الشارع وغالباً ما يوظف طائفياً لصالح المليشيات"، مؤكداً في جملة حاسمة: "لا تكذب أو تفبرك حتى مع الذين تختلف معهم".

السؤال المقلق: إذا كانت جميع التسجيلات التي فُحصت حتى الآن مفبركة، فما الذي ينتظر العراقيين مع دخولهم موسم انتخابي جديد؟ وهل يمكن بناء إعلام مسؤول يتجاوز الأمية الرقمية ويوفر حماية للمجتمع من التضليل، أم ستبقى التسجيلات المصطنعة أداة بيد القوى السياسية والمليشيات لتصفية حساباتها على حساب وعي الناس؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك