مع اقتراب الانتخابات النيابية، تتكشّف خريطة النفوذ التي بنى حزب "تقدم" أركانها خلال السنوات الماضية، لا بوصفه قوة سياسية تنبثق من الشارع، بل كجهاز إداري-إعلامي يفرض السيطرة، يعاقب المعارضين، ويوجّه مقدّرات الدولة لصالح مشروع انتخابي شخصي، يقوده رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.
من الأنبار إلى نينوى وصلاح الدين، ومن بغداد إلى ديالى وكركوك، تتكرّر ذات الأنماط: تغييب الصوت المخالف، ملاحقة الخصوم، تكميم الإعلام، واستثمار المال العام عبر واجهات الدولة لشراء الولاءات، بحسب تقارير.
في الأنبار... معقل السيطرة وإسكات الصوت
تحتفظ محافظة الأنبار بموقع القلب في مشروع "تقدم"، بوصفها القاعدة الشعبية والإدارية الأهم. وهنا تُسجَّل أعلى معدلات نقل الموظفين تعسفيًا بسبب المواقف السياسية، كما تم توثيق أكثر من 28 حالة نقل خلال عام 2025 وحده، فضلًا عن اعتقال ناشطين خلال حملات ممنهجة لتفكيك كل صوت لا يدور في فلك الحلبوسي، بحسب مصادر رفضت الكشف عن اسمها.
بل إن قرارات إدارية صدرت ضد شخصيات عشائرية، مثل الشيخ أركان الطرموز، تم نقلها قسريًا بعد إعلان نيتها الترشح عن تحالفات منافسة. وفي الوقت نفسه، تُستخدم دوائر الإعلام المحلية كمنابر للدعاية وتسقيط الخصوم، في ظل صمت رسمي مطبق، وفقا للمصادر.
نينوى وصلاح الدين... عقوبات ناعمة وتمكين إداري
في نينوى، حيث يسعى "تقدم" إلى تثبيت موطئ قدم سياسي، اتُّهمت كوادر الحزب بالضغط على الموظفين الإداريين عبر التهديد بنقلهم من مواقعهم، كما تم تسجيل شكاوى بخصوص تدخلات مباشرة في التعيينات وتوزيع الأراضي، تُدار من شخصيات حزبية تحت غطاء إداري، بحسب المصادر ذاتها.
أما في صلاح الدين، فالمشهد يبدو أكثر حذرًا، إذ يستخدم "تقدم" التحالفات المرنة لجذب شيوخ العشائر وكسب الدعم المحلي، لكنه يواجه مقاومة متزايدة من قوى أخرى ترى في الحلبوسي مشروعًا احتكاريًا لا يقبل التعدد، وفقا للمصادر.
في بغداد... النفوذ من فوق لا من تحت
رغم أن بغداد ليست معقلًا تقليديًا لـ"تقدم"، إلا أن الحلبوسي سعى لسنوات إلى بناء نفوذ إداري داخل دوائر العاصمة، من خلال علاقات مع مجالس المحافظات ومسؤولين تنفيذيين، وهو ما أدى إلى تمرير صفقات وتعيينات لصالح حزبه.
تشير تقارير محلية إلى تدخلات مباشرة في ملف التخصيصات المالية والمشاريع الصغيرة، وربطها بمواقف السياسيين من "تقدم"، الأمر الذي ولّد حالة من النفور لدى أطراف سنية أخرى كانت ترى في بغداد منطقة حياد نسبي.
ديالى وكركوك... توازنات مضطربة وتحالفات سريعة الزوال
في ديالى، تنشط أدوات "تقدم" في المناطق ذات الغالبية السنية مثل المقدادية وبعقوبة، حيث تُدار تحالفات عشائرية هشّة، سرعان ما تنهار نتيجة الخلافات حول توزيع المناصب. وهناك اتهامات صريحة باستخدام مشاريع الخدمات والمساعدات كوسيلة لشراء النفوذ السياسي، بحسب خبراء.
أما في كركوك، ووفقا لتقارير محلية، فرغم تعقيد التركيبة القومية، يحاول "تقدم" التمدّد عبر بوابة التفاهمات مع بعض الشخصيات التركمانية والعربية، لكنه يصطدم برفض واسع داخل الشارع السني بسبب ما يُوصف بأنه "احتكار للتمثيل وتهديد للتوازن".
هل يسقط الصندوق ما بُني بالقسر؟
وتشير مصادر مطلعة، الى أنه في المحافظات السنية، لا يُنظر اليوم إلى "تقدم" كحزبٍ يقود، بل كقوة تُخيف وتشتري وتُقصي. ومع اتساع دائرة المعارضة داخل البيت السني، تتزايد التوقعات بأن الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد منافسة على المقاعد، بل اختبارًا حاسمًا لكسر قبضة الاحتكار السياسي، وإعادة الاعتبار لفكرة التعدد والتمثيل الحقيقي.
https://telegram.me/buratha
