التقارير

بلفور تآمر على اليهود..!  


رياض البغدادي Riyadh98@gmail.com ||

 

ربما سيُصدم القارئ الكريم عندما تقع عيناه على هذا العنوان الاستفزازي لمشاعر الكثير من المجتمعات والحركات التي تتعاطف مع الشعب العربي في فلسطين ، لكن رغم ذلك أنا مصر على ان اليهود تعرضوا لمؤامرة كبيرة تضامنت كل الدول الاوربية على تنفيذها ، بل وساهمت المجتمعات والقوى الدينية والمحافل الثقافية في اوربا في تشجيع اليهود على الهجرة الى ( ارض الميعاد ) في فلسطين.

وهذا السر ليس عصيا قراءته لمَنْ يقلَب الصورة ليرى ملامحها الحقيقية.

كان اليهود يعيشون في بلدانهم الاوربية ويكونون فيها واحاتهم المجتمعية المعزولة عن المجتمعات المسيحية في الدول التي عاشو فيها ، الا ان هذه العزلة لم تكن عزلة كاملة ، بل لها خطوط تواصل مع المسيحيين ، لكن بالطريقة التي يختارها اليهودي وليس ما يأمله ويريده الاوربي .

اليهود كانوا يمسكون بخيوط اللعبة الاقتصادية بكل اطرافها بالرغم من انهم لايملكون الا نادراً المصانع الانتاجية التي تُعَدُّ المظهر الواضح للاقتصاد في اوربا ، لكنهم ، رغم ذلك كانوا يتحكمون بوسائل الانتاج فيها بل ويتحكمون حتى بأسواقها وكميات انتاجها ، وذلك كله عبر سيطرتهم على البنوك ومكاتب تبادل الاموال وتحويلها ، وهذا يعني بصريح العبارة ، التحكم بالتضخم الاقتصادي والعجز في الميزان التجاري والاستيراد والتصدير وحركة المال في البورصات وغيرها من مقومات الاقتصاد الاوربي.

وكان اليهود ايضاً مجتمعاً متمسكاً بمظاهر التدين والالتزام الديني، وكانت النسبة العظمى منهم يقدسون المراسم الدينية وارتياد اماكن العبادة ويشاركون بقوة في المحافل والمهرجانات الدينية الكثيرة الخاصة باليهود والتي تتوزع على ايام السنة.

ولا يخفى على لبيب ان اوربا رفعت شعار الحداثة والتخلص من التركة الثقيلة للدين ومحاكم التفتيش وسيطرة الكنيسة على المجتمع الاوربي ووضع مفكرو الحداثة ومنظروها الأسس التي يجب على اوربا ان تسعى لتثبيتها على الارض الاوربية في بلدانها كافة والتي تتوافق مع الفكر الرأسمالي وبالخصوص في كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا وهي دول الثقل الاعظم في اوربا.

اوربا تعرف جيداً ان انطلاقتها الاقتصادية ينبغي ان لا تتحكم بها قوى منغلقة على نفسها ما يجعل قراراتها وطريقة عملها مجهولة تماماً لراسمي السياسة والخطط الاقتصادية في اوربا مما يجعل حركة الاقتصاد مبهمة وغير واضحة بسبب تحكم رجال الدين اليهود بها.

وبصريح العبارة - اوربا ارادت ان تستولي على البنوك التي يملكها اليهود ، لانها ايقنت ان المال وحركة البنوك يمثل حجر الزاوية لكل اقتصاد. لذلك لابد ان تتخلص اوربا من اليهود وتجعلهم يهاجرون بطواعية والفرحة تملأ قلوبهم وهم يتركون اوطانهم ومدنهم وحاراتهم التي نشأوا فيها وقضوا بين أزقتها اجمل ايام الصبا ومغامرات الشباب.

اذن فالوطن الموعود في متناول اليد ( فيا يهود العالم أتركوا البنوك لنديرها نحن واتركوا الاوطان لنتخلص من مظاهر تدينكم )..هذه المظاهر التي تسعى اوربا الى القضاء عليها ، لان المظاهر الدينية اليهودية في شوارع المدن الاوربية تبعث على تمسك المسيحيين بديانتهم وتزيدهم حماساً الى ارتياد الكنائس ، وهذا لاينسجم مع ( الحداثة ) التي تريدها اوربا بعد الحرب العالمية الأولى.

فجاء وعد بلفور ليضمن للاوربيين اربعة من اهم اسس نجاحهم وهيمنتهم على الاقتصاد العالمي:

اولاً - الاستيلاء على البنوك التي تركها اليهود المهاجرون الى فلسطين مما ضمن لهم السيطرة الكاملة على حركة المال والاقتصاد.

ثانيا - تخليص اوربا من مظاهر التدين وانهاء اسباب تحفيز الاوربيين على التمسك بالمظاهر الدينية التي تشكل عائقاً لزحف اوربا نحو ( الحداثة ) التي جزء منها نشر مظاهر الابتذال والفجور وانهاء كل ارتباط روحي للمواطن الاوربي.

ثالثاً - تطهير المجتمعات الاوربية من اسباب الكراهية والحقد التي كانت ظاهرة ذات معالم واضحة تجاه اليهود بسبب (طبيعة اليهودي الجاف الخالي من المشاعر) كما صوره لنا الكاتب الانكليزي الشهير شكسبير بشخصية شايلوك في رواية تاجر البندقية وشخصية فاغن في رواية اوليڤر تويست للكاتب الانكليزي تشارلز ديكنز ، وغيرها من كتب الادب الاوربي في القرن السابع عشر الى القرن العشرين الذي وصل فيه العداء الى أقصاه في اضطهاد اليهود في المانيا والنمسا وهنكاريا وغيرها من بلدان اوربا.

رابعا - تهجير اليهود الى فلسطين وتركهم في بقعة صغيرة من الارض وسط عالم اسلامي مترامي الاطراف يبرر التدخل في شؤون هذا العالم بدعوى حماية اسرائيل وسلامة شعبها (المسكين) الضعيف.

ومن ذلك كله نخلص الى ان بلفور لم يتآمر على فلسطين فحسب بل وتآمر على اليهود ايضاً، فبدل ان تسعى اوربا الى اعطاء اليهود الحقوق الكاملة للمواطنة في بلدانهم التي هم جزء لا يتجزأ من شعبها وتسعى الى دمجهم وتعويضهم عن سنين المعاناة بسبب الاضطهاد ، لكنهم بدل ذلك قاموا بحياكة مؤامرة ترحيلهم وخلعهم من جذورهم ورميهم في البحر لتنقلهم سفن متهالكة الى فلسطين مما تسبب في غرق الكثير من اطفالهم ونسائهم ومن غير شفقة استمرت المؤامرة.

لذلك أرى أن تتحمل أوربا المسؤولية التأريخية وتعمل على تعويض اليهود وتعيدهم الى اوطانهم وتقدم لهم الاعتذار الذي يتناسب وهذه المحنة التي وضعتهم فيها اوربا الظالمة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك