الصفحة الإسلامية

القيامة في القرآن الكريم


 

د.مسعود ناجي إدريس ||

 

·        المقدمة

يكاد يكون الاعتقاد بالقيامة والميعاد شائعًا في معظم الأديان التي تعامل معها البشر منذ بداية الخلق ، على الرغم من وجود خلافات بين الناس دائمًا لكن يعتقد الغالبية أنه يومًا ما سيُبعث جميع الأموات من جديد وستؤدي حياة المعاناة والكدح إلى الازدهار المطلق والراحة. وقد نظر القرآن وهو كتاب دين الإسلام إلى هذه المسألة برؤية خاصة وقُبلت من بين جميع النظريات المتعلقة بالقيامة بميعاد الجسدي والروحي ، لقد تم النظر في مجيء يوم القيامة والميعاد من قبل جميع البشر بشكل قاطع لدرجة أنه أزال احتمال أي شك وتم وصف يوم القيامة بوعد لا يخلف. في هذا الكتاب يتم فحص القيامة وتفسيرها على مرحلتين ، إحداهما إمكانية وقوع القيامة والأخرى أسباب وقوع القيامة وسنذكر بإيجاز كل مما سبق:

مراحل يوم القيامة:

أ) إمكانية القيامة والميعاد

تم النظر في القرآن في خمس طرق مختلفة لبيان  إمكانية القيامة ، وهي كالتالي:

لا يوجد دليل لإنكار الميعاد

تشير بعض آيات القرآن إلى حقيقة أن منكري يوم القيامة ليس لديهم سبب منطقي وحكمي في ادعاءاتهم ويحاولون فقط جعل يوم القيامة والميعاد وبعث الإنسان غير منطقي وغير عقلاني ، كما تمت الإشارة  إلى هذه الحقيقة في الآيتين 7 و 8 من سورة سبأ حيث قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ - أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ)

كما نرى بدلاً من التفكير في الآيات الإلهية والرد عليها بشكل مناسب ، فقد لجأوا إلى المغالطات باتهامات باطلة ، واصفين النبي بالكاذب والمجنون.

·        خلق الأول للإنسان

يذكر في هذه الآيات أن الله الذي كان قادرًا على خلق الإنسان منذ اول مرة قادر على إعادة خلقه الإنسان مرة ثانية أيضًا، حيث قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ..}

·        القدرة الإلهية

هناك عدد من الآيات تعبر أيضًا عن قوة الله كسبب قوي لإمكانية القيامة. في هذه السلسلة من الآيات ، من خلال تذكر مظاهر القوة الإلهية في خلق العالم ، يثبت قدرته على إحياء الأموات ، قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}

·        أمثلة على القيامة

في مجموعة أخرى من الآيات القرآنية ، من أجل إزالة الشكوك حول إمكانية القيامة ، جذب انتباه الإنسان إلى العالم و الطبيعية من حوله وموت الطبيعة وحياتها مرة أخرى ، ونمو النباتات الخضراء والجميلة من قلب  التراب الميت وهو مثال موضوعي للقيامة ، وفي الآية 57 من سورة الأعراف يذكر أيضًا:

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

أمثلة تاريخية عن القيامة

في مجموعة أخرى من الآيات، تم ذكر الأحداث التاريخية التي تعد مثالًا مَوْضُوعِيًّا لبعث الإنسان في يوم القيامة، وبعد اقتباس هذه الأمثلة الموضوعية، يشير إلى علاقتها بالقيامة ويقدم حدوثها الإعجازي كدليل على القيامة. على سبيل المثال ذكر قصة شخص  يمر من قرية مدمرة، ويسأل نفسه كيف يحي الله جسد الموتى، فيموت هذا الشخص بالقدرة الإلهية، ويحيه الله بعد مائة عام، بالإضافة إلى ذلك هناك أمثلة أخرى، مثل أصحاب الكهف. بالإضافة إلى ذلك ذكر إعادة الحياة للعصافير الأربعة بعد ذبحها على يد النبي إبراهيم -عليه السلام-.

ضرورة القيامة

في القرآن، بالإضافة إلى إثبات إمكانية القيامة، فقد أولي اهتمام خاص لأهم قضية، وهي ضرورة القيامة، أي أن محتوى بعض الآيات مقنعة لدرجة يمكن أن يكون استلال وحجة عقلانية عن ضرورة القيامة. والميزة الرئيسية لهذه المجموعة من الآيات أنها عادة ما تؤكد على إحدى الصفات الإلهية، وتعبر عن حدوث القيامة كإحدى الوسائل الحتمية لتلك الصفة، وهي كما يلي:

1- سبب الحكمة

نعلم أن من صفات الله -سبحانه وتعالى- الحكمة، أي أن الله لا يفعل أي شيء عبثاً، وكل أعماله لها هدف ونتائج حكيمة.

من ناحية أخرى، فإن الهدف من خلق الإنسان هو أن يصل الإنسان إلى الكماليات، ونحن نعلم أن هذا العالم لا يكفي للكمال البشري لأن الحياة البشرية في العالم مليئة بكل أنواع الآلام والأحزان والقيود، بينما الإنسان من الناحية الغريزية والفطرية وبنية وجوده، لديه القابلية على العيش إلى الأبد. لذلك، وبحسب الحكمة الإلهية يجب أن يتحقق هدف الخلق البشري، أي أن يبلغ الإنسان كماله الصحيح، ومن ناحية أخرى، ندرك أنه من المستحيل تحقيق هذا الهدف في هذا العالم، لذلك من الضروري ألا تنتهي حياة الإنسان بالموت، وهذا الشكل من الخلق عبثي، حيث يشير الله تعالى في الآيتين 115 و 116 من سورة المؤمنون إلى حقيقة أن: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }

يشير مضمون هذه الآيات إلى أنه إذا لم يكن هناك عودة فإن عمل الله لا طائل من ورائه، بينما الله -عز وجل- بعيد كل البعد عن القيام بعمل لا طائل من ورائه.

2- العدل الإلهي

سبب عقلاني آخر في القرآن لضرورة القيامة وهو حكم الله. أن إحدى مظاهر العدل الإلهي هي معاقبة الكافرين ومكافأة المؤمنين. بالنظر إلى أن العالم المادي، بسبب محدوديته، ليس لديه القدرة على مكافأة ومعاقبة جميع البشر، ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن تكون كل الملذات الدنيوية مكافأة كاملة ومناسبة لأعمال المؤمنين المخلصين، وبالنسبة للمجرمين مع وجود العقوبات القصوى، لا يمكن مجازات بعض الجرائم، على سبيل المثال، كيف يكون من العدل أن يعاقب من قتل عدة أشخاص عقاب مساوي من قتل  شخصًا واحدًا فقط. لذلك، بما أن الثواب والعقاب لجميع البشر في العالم غير ممكن، فإن عدل الله يتطلب أن تقوم محكمة العدل في عالم آخر حتى يتمكنوا من تلقي نتائج أفعالهم من خلال مواجهة أعمالهم دون أدنى زيادة أو نقصان. وهذا العالم الآخر هو القيامة المذكورة في الآيتين 35 و 36 من سورة القلم: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ؟ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}

ويقول تعالى في الآيتين 21 و 22 من سورة الجاثية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } 

·        حوادث قبل القيامة

كان هذا ملخصًا لأسباب القيامة في القرآن، ولكن قبل القيامة وفقًا لآيات قرآنية مختلفة، ستحدث سلسلة من الأحداث في هذا العالم، بطريقة يعتقد المرء أن موت العالم قد حان. وبحسب آيات قرآنية مختلفة فإن هذه الأحداث هي كما يلي:

فالجبال سترتجف وتهتز وتنهار وتتحرك وتتحول إلى غبار منتشر وتنفلق البحار وتشتعل وتحدث زلازل كبيرة وتظلم النجوم الساطعة وتتشتت الأجرام السماوية، تسقط وتنقسم السماء مثل المعدن المنصهر.

فجأة يدق بوق الموت ويموت جميع الكائنات الحية، وعندما يتم دقه مرة أخرى، يقوم جميع البشر من القبور وبعد قيامهم، مثل الجراد والفراشات التي تطير ذهابًا وإيابًا في الهواء، يندفعون في خوف وسرعة.. وياتون إلى الحضرة الإلهية وهكذا تبدأ القيامة.

بعد الوصول إلى الحضرة الإلهية، يتم تقديم رسالة أعمال كل شخص والتي يتم فيها تسجيل جميع الأعمال الصالحة والسيئة. عندما تعطى رسالة أعمال الصالحين  في يدهم اليمنى ورسالة عمل السيئين في يدهم اليسرى يبدأ الله في الحكم عليهم، سيكون الملائكة والأنبياء وأولياء الله حاضرين كشهود في المحكمة الإلهية، بالإضافة إلى شهادة الأنبياء والملائكة والأولياء، فإن الأرض واليدين والقدمين وحتى الجلد البشري سيكونون شهودًا في محكمة العدل الإلهي. يتم الحكم على أفعال كل شخص بعناية على أساس العدل ويتم موازنتها بالمقياس الإلهي ولا تقبل شفاعة أحد إلا شفاعة من رضى الله بشفاعتهم  ووفقًا للمعايير التي ترضي الله، وبعد ذلك يُعلن الحكم الإلهي، ويفصل بين الصالحين والسيئين، بينما يذهب المؤمنون المبيضة وجوههم والمبتسمين إلى الجنة يذهب الكفار  المنافقين المسودة وجوههم والحزينين والمذلولين إلى الجحيم. مع اقتراب المؤمنين من الجنة، تفتح أبواب الجنة، وتسلم عليهم ملائكة الرحمة ويقدمون لهم  بشرى النعيم الأبدي بالسلام والاحترام. من ناحية أخرى أبواب جهنم تفتح للكافرين والمنافقين، وتوبخهم ملائكة العذاب بالعنف وتوعدهم بالعذاب الأبدي. وهكذا تبدأ الحياة الأبدية للإنسان. ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
فلاح القرشي
2021-07-13
احسنتم وجزاكم الله خير جزاء المحسنين
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك