الصفحة الإسلامية

قبسات عاشورائية


الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||

 

          توافرت الأدلة على أن عاشوراء الحسين عليه السلام كان ولا يزال عنواناً للعطاء في مجالات معرفية كثيرة ومتنوعة, ولا يخفى أن هذه النهضة التي كشفت عن حقائق تجلت للعالم بصورٍ واقعية لتصبح منطلقاً يدور في فلكها تساؤلات مختلفة عن حجم العلاقة بين ثنائيات متعددة وأهمها ثنائية القرآن وثورة الحسين عليه السلام, وقد نلمس مشتركات واضحة المعالم بينهما لنصل إلى درجة قطعية بأن مسيرة القرآن ودعوته ومبادئه تجسد بشكل تطبيقي في عرصة عاشوراء الحسين عليه السلام.

          إن واحدة من أهم المشتركات في ثنائية القرآن وثورة الحسين عليه السلام الخالدة هو التركيز على الهوية الاسلامية بأبعادها المختلفة, فقد جاء في القرآن الكريم أن الدين عند الله هو الاسلام ولا يقبل غيره مع وجوده, قال تعالى: (إِنَ‏ الدِّينَ‏ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ‏ وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِين‏), وهذه الرؤية تجلت في يوم عاشوراء فقد ركز الحسين عليه السلام على معالم الاسلام وآدابه وأخلاقه بتلك الكلمات التي رسَّخت ثقافة الاسلام, إذ قال عليه السلام: (على الاسلام السلام, إذ بليت براع مثل يزيد), حيث يفهم من كلامه عليه السلام بأن الاسلام عرضة للضياع إذا تولاه شخص كيزيد, وهذا يستوجب حرمة مبايعته والعمل تحت سلطته حفاظا على الاسلام كدين وعلى المجتمع ككيان.

          ومن المسائل المشتركة بينهما كثانية أيضاً بحيث مثلت مرجعية للمسلمين هو التركيز على الأسوة الحسنة والقدوة في قيادة الأمة, وذلك لأن قيادة الأمة مسؤولية عظيمة ويتوقف عليها سعادة الدارين؛ لذلك ركز القرآن على ذلك, إذ قال تعالى: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ‏ فِي‏ رَسُولِ‏ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة), فوجود الاسوة الحسنة ضمانٌ للمسيرة الصحيحة والمستقيمة, وأمانٌ من التيه والضلالة, وهذا الأمر لا يختلف عليه أهل البصيرة والعقل, وقد أثبتت التجربة أن الفشل كل الفشل في ترك القدوة والاسوة الحسنة, ولذلك فقد تمزقت الامة وضاعت بعد تفرُّقها عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله, وهذا البعد المنطقي كان من أبرز منطلقات ثورة الحسين عليه السلام, حيث عمد عليه السلام بثورته إلى بيان علة عدم قبول يزيد وكونه لا يليق بأن يكون قدوة الصالحين فقال عليه السلام: (والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد), وهذا النفي الحسيني الكبير لمن يكن إلا عن قناعة بأن يزيد باطل وبعيد عن الحق وأهله وهذا لا يمكن ان يكون قدوة يلتفُّ الناس حوله, فقال عليه السلام: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه...), وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير لإرادة السماء وتعطيل للمنهج الالهي, لذلك وجب على الاولياء الثورة والنهضة.

          أن المشتركات بين القرآن وثورة الحسين كثيرة ولا تقف عند حدٍ معين ويكفي في ذلك أن نعلم أن القبول في ساحة القدس الالهي يستلزم التقوى, فقد قال تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين), وليس من المهم كثرة الاعمال فقد عبد ابليس الله ستة آلاف عام إلا أنه فشل في الاختبار فكان كل ما فعل هباءً منثوراً وقد ذكر القرآن في ذلك محذراً, إذ قال تعالى: (وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُورا), فينبغي أن نبحث عن نوع العمل أولاً؛ لأن عليه يتوقف القبول, وهذا الذي ركز عليه ثورة الحسين عليه السلام, إذ قال عليه السلام: (من كان باذلا فينا مهجته, وموطناً على لقاء الله نفسه, فليرحل معنا), فالحسين عليه السلام حاول ان يبيِّن للناس أن من شروط القبول هو اتباعه والمتخلف عنه دون عذرٍ مأثوم, فقال عليه السلام: (رضا الله رضانا أهل البيت, نصبر على بلاءه ويوفينا أجر الصابرين), وعلى هذا فإنه ينبغي على المؤمن أن يدرك أن مفتاح السعادة والقبول هو الرضا لأهل البيت عليهم السلام وعدم التخلف عن ركبهم.     

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك