الصفحة الإسلامية

سبع عبر لفيروس كورونا للإنسان المعاصر من منظور القرآن الكريم  


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

لم يتمكن الإنسان الحديث في الوضع الحالي للعالم ، حيث انتشر فيروس كورونا ، من حل المشاكل التي نشأت بسبب هذا المرض ، وفي الواقع اعتقدت البشرية أنهم بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا يمكنهم حل أي شيء ؛ كانوا دائمًا فخورين بأنفسهم ولم يكن في حساباتهم ، ولم ينتبهوا إلى إدارة الله للكون.

الطريقة الحديثة في تفكير البشر هي الاهتمام بالاقتصاد والرأسمالية والفردية ، حيث بحث الناس عن الرأسمالية فقط، والتجأ البعض إلى شراء الجُزُر ليعيشوا بمفردهم من أجل الابتعاد عن الآخرين في المجتمع!

تسبب فيروس كورونا في انهيار النظام الفكر البشري الحديث ، ولجأت الحكومات والدول إلى الحجر الصحي هربًا من هذا التحدي العالمي ، لكن الدول الغربية سرقت الأقنعة من بعضها البعض ، وقام بعض الناس في تلك الدول بسرقة الطعام من المتاجر.

ومع ذلك ، فإن هناك عبر في القرآن الكريم يمكن الاستفادة منها وهي:

·        العبرة الأولى

 هي معرفة أن إدارة الكون في يد الله تعالى. لقد أصبح الإنسان الحديث متغطرسًا بسبب ما حققه من التقدم العلمي المذهل لدرجة اوصلته ان يدعي بأنه حاكم العالم ويحاول ، في مخيلته ، إخراج الله من المشهد الإداري العالمي.

أظهرت قضية كورونا أن القوة البشرية أصغر من أن تدعي الألوهية والعالمية والدنيوية ، والسعي لإسقاط الله من عرش الحكم الدنيوي وصعود إلى هذا العرش مكانه.

يذكرنا القرآن الكريم بأن الله خلق الإنسان ونظمه ، لكن الإنسان يشعر بالفخر والغرور والتمرد ضد الله: "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴿٦﴾ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿۷﴾ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴿۸﴾ ﴿الانفطار)

يمكن أن يكون حدث كورونا عبرة رائعة للبشر للتخلي عن الكبرياء والغطرسة والخضوع إلى الخالق القدير.

·        العبرة الثانية

 هو أنه في العصر الحالي ، أصبحت الخطايا الشائعة مرتبطة بعصر البربرية التي عفا عليها الزمن ونأى البشر عن تلك الذنوب ؛ لكن عاد الإنسان الحديث مرة أخرى إلى خرافات العصر البربري وحاول إحياء تلك الخرافات باسم الحداثة.

خطايا مثل الشذوذ الجنسي بدلاً من الزواج ، والتجانس بدلاً من نظام الأسرة ، عُري المرأة ، العبودية الحديثة من قبل العالم الغربي ، وخاصة الولايات المتحدة ، أصالة الربح بدلاً من العدالة والتقسيط ، الإسراف في الإنتاج والاستهلاك ، تطبيع الطلاق وانتشاره ، تجاهل الأيتام في المجتمعات ، والاعتماد أكثر من اللازم على المعرفة الإنسانية ، وقتل الأطفال ، وطرد الناس من بلدانهم ومنازلهم ، والبدع مثل جهاد النكاح ، الإبادة الجماعية للمسلمين وتضييق مجال الدين ، كلها مظاهر الخرافات والعودة إلى عصر البربرية ، كل منها يكفي لتدمير أمة.

جاء مرض كوفيد-19 ليحذر للإنسان الحديث حتى يتخلى عن الخطايا الحديثة وغير المسبوقة.

في الآيات 80-84 من سورة الأعراف ، يروي القرآن الكريم قصة نبي لوط عليه السلام وقومه حيث بعثه الله عز وجل إليهم ليعبدوه ويوحدوه وحده لا شريك له، ولقد شاع في قوم لوط نوع من أنواع الشذوذ الجنسي بل كانوا يمارسونه ويجاهرون به ورغم أنّ النبي لوط عليه السلام قد نصحهم بتركها ومدى حرمتها وحذرهم من عقاب الله لهم إن لم يتوبوا إليه، فحقق الله وعده لهم بأن خسف بهم الأرض بالصيحة فقُلِبت أرضهم فوق رؤوسهم ودفنوا تحتها، ثمّ أمطر عليهم حجارة من سجيل.. "وَ مَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  ﴿الانفال، ۱۳﴾"

ان مرض كوفيد-19 جاء ليحذر الإنسان لينبذوا الخطايا والذنوب الحديثة وغير المسبوقة ومعرفة أن معارضة الله ورسوله لا نتيجة لها سوى خسارة الدنيا والآخرة.

·        العبرة الثالثة

 هي أن الإنسان لديه رغبة بأن يعيش حياة طويلة تصل إلى ذروة الخلود. لقد نسى الإنسان الحديث الجزء الثاني والمهم من حياته الذي سيتحقق في الآخرة ، ويعتقد أن كل حياته ستلخص في هذه الأيام القليلة من الدنيا ؛ إن نسيان الآخرة والتشبث بالدنيا جلب العديد من الشرور للإنسان المعاصر.يقول الله تعالى في القرآن: "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ، ﴿الروم، ۷﴾"،

فيروس كورونا تسبب للإنسان الحديث الاستيقاظ من سباته وبسبب هذا الفيروس أصبح الإنسان ينظر بطريقة جديدة إلى الحياة.

·        العبرة الرابعة

 هي أن الفساد البشري في البيئة أصبح أكبر من اللازم ، وأدى انتشار الفساد إلى الإخلال بتوازن العالم. ما نشهده اليوم في انتشار الفيضانات وأمواج السونامي وحرائق الغابات والزلازل والأمراض ، وما شابه ، ليس سوى نتاج الفساد البشري على الأرض.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. ﴿الروم، ٤١﴾"،

إن انتشار الكورونا تسبب بتحذير البشرية لإيقاف كل السلوك المدمر على الأرض وعدم محاولة تدمير البيئة بعد الآن.

·        في العبرة الخامسة

 تبين أن الله أعطى البشر الحكمة والعلوم من أجل استخدامها لنشر المعرفة البشرية وحل بعض مشاكلهم المادية كمكمل للوحي ؛ إن تقدم العلم والمعرفة وإنجازاته الأخيرة ، والتي صاحبها التسارع والسرعة ، جعل الإنسان الحديث يهمل الجزء الثاني ، ألا وهو الوحي.

قضية كورونا كشفت عن ضعف المعرفة البشرية ، ان الناس توهموا بانهم يمكنهم بمساعدة معرفتهم تلبية جميع احتياجاتهم ولم يعدوا بحاجة إلى الله . يذكرنا القرآن الكريم أن الله علم الإنسان ، ولكن عندما يشعر الإنسان بعدم الحاجة ، فإنه يثور ويتمرد:"عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴿٦﴾ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴿العلق، ۷﴾، ".

كشف كورونا عن ضعف المعرفة البشرية وحتى يعلم الإنسان أنه لا يمكنه أبدًا تطوير الحياة على الأرض ورفع المخاطر عنه من خلال الاعتماد على علمه ومعرفته فقط ، لكنه يحتاج إلى القوة الفائقة ودعم أقوى من العلم ، وأن القوة المتفوقة موجودة فقط عند الله وهو الوحيد الذي يخلق الإنسان ويدير العالم.

·        العبرة السادسة

 أن البشرية حققت شيئًا في ضوء التقدم العلمي الذي يجب تحقيقه من أجل رفاهية الناس والصحة الاجتماعية ، لكن الإنسان الحديث لم يستخدم التقدم فقط لصالح البشرية ، بل استخدمه كأداة للقمع. ووضع هذه الأداة في أيدي الدول القوية للدوس على حقوق الدول الضعيفة.

القرآن الكريم يحذر البشر بأنهم يجب أن يكونوا على علم بأن نتيجة الظلم الذي يمارسونه في أي مجتمع سوف يعود عليهم بالعقاب الإلهي: "وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴿البقرة،١٦٥﴾".

في آية أخرى ، يحذر القرآن من الظلم الاجتماعي. لأنه إذا زاد الاضطهاد الاجتماعي يصل العذاب الإلهي ، ولن يقتصر في عذاب الظالمين فقط ؛ بل سوف يشمل جميع الناس في المجتمع: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿الانفال، ٢٥﴾،"

يمكن أن يكون فيروس كورونا بمثابة تحذير للإنسان الحديث لإيقاف كل هذا الاضطهاد الاجتماعي واتخاذ الخطوات نحو العدالة الاجتماعية.

·        العبرة السابعة

 هي أن الإنسان المعاصر أصبح مسرفًا ، وهذا أدى إلى ان تتنافس المجتمعات مع بعضها البعض كل يوم من خلال الدعاية الإعلامية لزيادة الاستهلاك. تسبب هذا النهج في تلاشي أحد المكونات الهامة للتقدم الروحي ، ألا وهو الرضا ، واختفاء روح الفضيلة الأخلاقية ، وازدياد التبذير وارتفاع سقف التوقعات البشرية.

هذا ما اكده القرآن الكريم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿۱﴾ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿۲﴾ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿۳﴾ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٤﴾ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴿٥﴾ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿٦﴾ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴿۷﴾ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴿۸﴾ "(سورة التكاثر).

لذا يمكن لمرض كورونا إيقاظ البشرية للتخلي عن كل هذا الإسراف والتحرك نحو الرضا في الإنتاج والاستهلاك.

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك