المقالات

"الإزدواجية" مرض سلوكيّ..


كوثر العزاوي ||

 

إنّ من المخاطر المَرَضية التي تواجه المجتمع الإسلامي اليوم، هو ظاهرة الازدواجية السلوكية لدى البعض، وقد تُعَدُّ من الخدع التي ذمّها الإسلام وعاتب الله عليها بقوله

"عزوجل"

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. 

كون السلوك مفارقًا بين ما يقوله الإنسان وبين ما يفعله، سيما مَن يكون في موقع المسؤولية كالتبليغ والتوجيه أبًا كان أو معلمًا أو مبلغًا أو فقيهًا، رجلًا أو أمرأة وغير ذلك، فمثلُ هذا قد يضيّق على الجيل اتخاذ القدوة! فلاينبغي ظهور مثل هكذا مرض في وقتٍ تعيش أمتنا الإسلامية تحدّيات جسيمة في مختلف مجالات الحياة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وعلى مستوى الاشخاص والأسرة والدولة والمجتمع بفئآته وشرائحه وفي سائر تصانيفه ومراتبه، مع ماتتركه الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت من أثرٍ وتأثير على المجتمع بغض النظر عن البُعد السلبي أو الايجابي، ما يُلزمُ الجميع التصدي بمختلف أساليب التصدي والمواجهة في مرحلة اقلّ مايقالُ عنها أنها تغلي في أوج اضطرابها!

فكم من ناصحٍ  ينهى الناس عن أمر مِن قبيح الأعمال وهو لا ينتهي عنه،

أو قد يأمرهم بفعل الصالحات من الأعمال وهو لا يفعلها! وبحكم وجود المصالح والمنافع والبركات في الأعمال الصالحة، يكون الأَوْلى أن يفعلها هو ومن ثم يأمر الآخرين بها، وكذلك الحال فيما يوجد من المضار والمفاسد في الأعمال القبيحة، فالأصل أن ينتهي عنها ثم ينهى الناس ليكون مذاق الثمر حلوًا ، أما أن ينهى ولا ينتهي أو يأمر ولا يفعل فهذه هي الازدواجية والتناقض الذي يؤدي الى عرقلة ثقافة الجيل في أجواءٍ ضبابية يتباينُ فيه القول والفعل، ويسوّق على هواه نمط سلوكيات أُريدَ منها الوصول الى هدفٍ ما، بمنأى عن حاجة المجتمع من قبيل الأستقامة ووضوح الرؤية، علمًا أنّ كلّ خطاب إرشاديّ يفتقر الى السلوك العملي الاجتماعي، لايُؤثِّر في الناس إطلاقًا ولايحقق الثمرة المرجوّة، وأنّ الازدواجية السلوكية في الأفراد المعوَّل عليهم  خطرًا آخرًا ينعكس سَلْبًا على المجتمعات، والمؤمن العاقل لا يعيش هذه الحالة المذمومة من  التناقض، فكم من مفاهيمَ وأفكار وتصوُّرات وعادات لا تمُتُّ للإسلام بصِلةٍ، اقتبسناها من غير المسلمين عبر السلوك الجمعي المقيت وأصبحنا نُدين بها أكثر منهم دون تمييزٍ بين النّقي الأصيل والقادم الدخيل، حتى تبدّلت أخلاقنا وقيَمنا أمام سَيْول التطوّر والانفتاح الجارفة، ثم ندَّعي ولاءَنا للإسلام والعترة الطاهرة، لعمري، إن مثل هذه الشخصية المزدوجة، إن أفلحت في الدنيا فهي مفلسةٌ في الآخرة، وما أعمارنا إلّا أنفاسٌ إلى آجالنا، وتبقى الأمة بحاجة ماسَّة الى فقه السلوك المؤثر ، إيمانًا وعملًا، قولًا وفعلًا، عِلْمًا وتطبيقًا، والرجوع إلى الدين الحق والنهج الأصيل لآل محمد"عليهم السلام"، وما يُمليه من قواعد وشرائع، فهو كالسور العالي يَعْصِمُ السالك في الظلام من التردِّي في هاوية سحيقةٍ!

وسنذكر بعض مصاديق ماجاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين "عليه السلام" في مقطع يوضح حالة الإزدواجية قائلًا:

 {يَنْهَى ولَا يَنْتَهِي ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ،  ويُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وهُوَ أَحَدُهُمْ ، يَكْرَه الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه، ويُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَه الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِه، إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِمًا وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِيًا - يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ ويَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً ، تَغْلِبُه نَفْسُه عَلَى مَا يَظُنُّ ولَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِه بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِه  ويَرْجُو لِنَفْسِه بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِه}

أجارنا الله تعالى.

 

١٠-رمضان١٤٤٤هج

١-نيسان ٢٠٢٣م

 

ـــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك