المقالات

من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!


لمى يعرب محمد ||

 

تعدت صورة الملح بكونه المادة الأساسية والرئيسية في طعام الإنسان، فأخذت مأخذا اجتماعي مختلف الاتجاه، وصار"الملح" مضرب الأمثال وقول شائع بين الناس، حتى تدخل في شخصية الإنسان وذاته، إشارة به إلى طيب الأصل والصحبة، وصدق العشرة أو عدمها والوفاء بالعهد ونبل الفرد وأخلاقه، لذا لا عجب أن نرى، إن قيمة الملح المعنوية أغلى بكثير من قيمته المادية، ولو تعمقنا أكثر بمصطلحات ومسميات حديثة وقديمة، نجد تركيز الأديان والمجتمعات وأنواع الثقافات "بقيمة الملح"، والتي هي "قيم الإنسان الأخلاقية"، أو "الفطرة السليمة للإنسانية"، ذات أهمية بالغة نجوب بها بعيدا في عمق التاريخ البشري والديني، سواء اعتمدنا على النصوص القرآنية- والتي هي بحد ذاتها نصوص قيم -، أو النصوص التاريخية البشرية المدونة.

للمعتقدات الحديثة والإيديولوجيات، دور كبير في خصائص التغير والثبات لكل قيم المجتمعات، فبعد إن كانت للشعوب خصوصيات نشأت وتربت عليها وتعدها "قيم مقدسة"، أصبحت اليوم تخلي مواقعها وشرعيتها أمام سيل الأفكار المنحرفة والدخيلة التي اجتاحت واقع الفرد، وأصبحت حرب فساد الملح حاله حال أشكال الحروب الأخرى، بهدف كسب العقول والقلوب بمغريات كثيرة، تدور رحى هذا الفساد في كافة مفاصل المجتمع، ليفرض هيمنته وسيطرته بكل كيان ضعيف وبدون استثناء أحد.

عند تغيب المنهجية الثابتة، يصبح موضوع تعددية القيم وتطورها في الحياة العامة مشكلة، ولا تقتصر هذه المشكلة على قضايا تقليدية، وإنما تشمل الفرد وذاته، والأسرة والمؤسسة والانتماء والعقيدة، صعودا إلى رؤية الحكومات والسياسات، وهذا ما نلاحظه في مجتمعنا حاليا، فالعلاقة بين القيم الأخلاقية وتطورها أصبحت كمثل مادة ذات تركيب متعدد، يحفظ في وعاء يتغير بتغير شكل الوعاء وحجمه، بينما لو كان هناك ميزة الملح النقي فلا يتغير بتغير طبيعة هذا الوعاء، وبمعنى أوضح إن مهما اختلفت مجالات التطبيق والتطور في الواقع، الذي هو أصلا من المتغيرات بشكل دائم للإنسان في كل زمان ومكان، يبقى طعم الملح ثابتا في السلوكيات والعلاقات.

اقتبس عنوان هذا المقال من عجز بيت الشاعر سفيان الثوري(97-161ه)، حيث يذكر أنه لا يعلم أحد العلم حتى يتعلم الأدب، ولو عشرين سنة !.. وكان يقول لطلاب العلم وينشد:

يا معشر العلماء يا ملح البلد     من يصلح الملح إذا الملح فسد

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك