المقالات

حين يغيب الرقيب


علي علي ||

 

  دأبت الأمم والبلدان المتحضرة على سطح المعمورة، على اعتماد الدستور أساسا لابديل عنه، في البت بإصدار القرارات وتشريعها، بشكل يصب في مصلحة البلد العامة، مع مراعاة مصلحة أفراده من دون تفويت صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة دون الركون اليها ودراستها بإطناب. كذلك يشكل الدستور لدى تلك الدول مرجعا ثابتا وحاكما وحكما موثوقا بحكمه، بالرجوع الى بنوده ومواده وفقراته حين الاختلاف على أمر، او استحداث آخر في الساحة.

   في عراقنا العريق الذي أطلق عليه بعد عام 2003 (العراق الجديد) هناك في الدستور المقر والمعتمد المادة (48) الباب الثاني الفصل الأول، تنص بوضوح كوضوح شمس تموز في كبد السماء، على ما يلي: " تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد". وها نحن نرى الأول سرعان ما أسس، وصارت له الأولوية والحضور في إصدار القرارات التي ينام ويصحو المواطن على أمل البت فيها والعمل بها، منذ بداية تشريع الدستور حتى اليوم ونحن نتوسط عام 2022. وهذا شيء رائع في العراق الـ (جديد) الذي جثم على صدره عقودا خلت، نظام قمعي دكتاتوري، دستوره كيفي، قراراته مزاجية ، قوانينه مطاطية كما قالها رئيسه آنذاك.

   هنا سؤال طرح نفسه منذ الوهلة الأولى لتأسيس الدولة العراقية الجديدة، ومازال مطروحا، سؤال يتعمد كثيرون إرجاء الإجابة عنه بشتى طرق المخاتلة وسبل المراوغة، وقطعا لغايات وأهداف أول ما يقال عنها أنها ضد مصلحة المواطن، السؤال هو: أين الشق الثاني من المادة (48) من الدستور؟ أين مجلس الاتحاد وماذا حل به؟ وهل هو كما يراه البعض (زايد خير)؟ أم هو (حديدة عن الطنطل) مثل مايحبون أن يصوروه للرأي العام!.

   ما لاشك فيه ان الساعين في عرقلة تأسيس مجلس الاتحاد منذ أكثر من عقد ونصف العقد، لهم مآرب يكاد يفقهها تلميذ الابتدائية، وربة البيت الأمية، وحتى (حميدة ام اللبن). إذ يعلم الجميع أن أشد مايخشاه الـ (حرامي) هو الرقيب، ودور مجلس الاتحاد لو قدر له ان يؤسس ويأخذ دوره في العمل الرقابي، سيكون العين المبصرة لأي (قارش وارش) او ألاعيب وبهلوانيات الكتل برؤسائها وأعضائها، كما سيكون الـ (فلتر) الذي تمرر من خلاله القوانين والمشاريع قبل إقرارها، كذلك سيتولى رفع مشاريع قرارات ومقترحات قوانين، تخدم البلاد والعباد الى مجلس النواب لإقرارها، وسيكون له الحق في إلغاء مايرى ضرورة في إلغائه من قوانين، واستحداث أخرى إن رأى فيها صلاحا للبلاد وفلاحا للعباد. فلو كان هناك مجلس اتحاد في بلدنا لانطبق عليه مثلنا (كل لحية والها مگص)، ومعلوم الكم الهائل من اللحى التي تعتلي مراكز القيادة والسلطة وصنع القرار، وماتسيء فعله بأداء واجباتها من خلال منصبها هذا.

   إن بعض الكتل والشخصيات لايحلو لها إنشاء مجلس كهذا، إذ هم بالمرصاد لكل ما من شأنه خدمة المواطن، فلو استذكرنا جلسات مجلس نوابنا بدوراته السابقة، للمسنا أنه كان يذر الرماد في العيون والأنوف والآذان والأفواه، كلما أثير موضوع إنشاء مجلس الاتحاد المقر في الدستور، فلطالما تعمد رؤساء المجلس السابقون واللاحقون إعاقة النقاشات في هذا المجال، ولطالما كانوا حجر عثرة في التوصل الى اتفاق حول إنشاء مجلس الاتحاد، وقطعا لم يكن موقفهم هذا إلا لعلمهم تماما بدور هذا المجلس، وصلاحياته الواسعة في مراقبة عمل النواب، ومدى أحقيته في محاسبتهم إن أخطأوا -وهم دوما خطاؤون-.

  ومعلوم أيضا مدى خوف أعضاء مجلس نوابنا -ورئيسه طبعا- بدوراته كلها، ورعبهم من إنشاء مجلس الاتحاد، لإدراكهم خطورة دوره الرقابي على مصالحهم الخاصة والفئوية والحزبية، فكلما اتسعت صلاحيات الرقيب، انكمشت فرص اللصوص في السرقات، وضاق عليهم الخناق لممارسة نخاستهم ومبيعاتهم المشبوهة. لذا كان المغرضون يتحججون بالاسباب التي من شأنها تأخير تشكيل هذا المجلس، وهذا يبدو جليا من خلال إصرار بعض الكتل على اختيار أعضاء مجلس الاتحاد بالتعيين وليس عن طريق الانتخاب. أي أنهم يريدون ضمان الرقيب وهذا أمر طبيعي! إذ دأب العصفور على كفالة الزرزور و"اثنينهم طيارة".

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك