المقالات

كلا كلا لإستباحة الدماء


  الشيخ محمد الربيعي ||    ▪️لم يحذّر الإسلام من ذنب بعد الشّرك كتحذيره من استباحة الدّماء أو القتل بغير حقّ: [ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ]. ▪️و موضوع استباحة الدّم و القتل موضوع حسَّاس جدّاً من منظور الإسلام ، فالأحكام لم تقف عند الأسباب المباشرة للقتل ، بل تجاوزتها إلى النّظر في الأسباب غير المباشرة أيضاً . ▪️ماذا يعني هذا ؟ يعني أنّه إذا تسبّب الإنسان بالقتل مباشرةً ، أو كان له علاقة بذلك من قريب أو بعيد ولو بكلمة تحريض، فحسابه حساب القاتل . ففي الحديث : ( من شرك في دم حرام بشطر كلمة ، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله ] . ▪️فأطلاق العنان لكلماتك و مواقفك و تصريحاتك الّتي التقت مع كلمة من هذا و كلمة من ذاك ، فتراكمت و أدّت إلى فتنة قتلت و جرحت فأنت تتحمّل مسؤوليّة ما حصل .                                         ▪️القانون قد لا يلحظ هذه الأمور  بهذه الدقّة ، لكنّ قوانين الله أكثر دقّةً ، و كلّه محسوب عنده ، تصوّروا أنّ مجرّد السّكوت عن قول كلمة حقّ تمنع قتل إنسان ، هو ذنب سيحاسب الله عليه .  ▪️نعم ، سيحاسب الله على الصّمت أو على الهروب و عدم التدخّل ، في حين كان التدخّل يحلّ المشكلة أو يمنع دماً . ▪️إذاً ، ليس من يحمل سلاحاً حديديّاً هو من يقتل فقط ، الكلمات تقتل أيضاً ، و هي متوفّرة و مباحة ، و لا تحتاج إلى أموال لشرائها ، هذا ما تفعله الوشاية أو الفتنة أو الإشاعة أو الاتهام أو التّحريض ، لذلك فإنَّ السّكوت عن قول كلمة حقّ ما هو إلا سلاح سلبيّ ، و مفعوله لا يقلّ عن خطر التّحريض في مرّات كثيرة… محل الشاهد :  ▪️و ما نود التّركيز عليه ، أنّه حتّى في الحالات الّتي رخّص الإسلام فيها هذا القتل أو و جوبه في كثير من المرّات ، فإنّ الإسلام حرص كثيراً على التّفاصيل عند التّطبيق ، فقد يختبئ الشّيطان في التّفاصيل ، لهذا حرص الإسلام على إحاطة إقامة الحدود بقيود على مستوى الإثبات و الشّهود ، لتبقى هذه الأحكام في إطار الدقّة و العدالة.  ▪️و الشّريعة احتاطت إلى حدّ كبير في موضوع الدّماء فمثلاً، أجاز الإسلام قصاص القتل للقاتل ، و لكن بعد أن تثبت إدانته ، و ليس على الشّبهة ، و يكفي و جود الشّكّ حتّى لا ينفّذ الحكم ، و كذلك الحكم بالارتداد . و أجاز عقاب فاحشة الزّنا بالرّجم ، ولكن بعد التثبّت ، و التثبّت بحدّ ذاته معقّد ، و يتطلّب أربعة شهود على الفاحشة . ▪️و حتّى القتال علينا أن نفهمه أنّه علاج و ليس مزاجاً ، لذلك كان التّشريع الإسلاميّ حريصاً على أخلاقيّات القتال ليخفّف من قسوته ، ليس لأنّ الخصم ، أي العدوّ ، لا يستحقّ القسوة ، بل لأنّ الحياة لا تحتمل القسوة إلا بمقدار الضّرورة ، و لأنّ دينك وإيمانك لا يسمحان لك بأن تكون متوحّشاً و قاسياً .  ▪️و مما ورد في وصيّة لأمير المؤمنين إلى المقاتلين: (…لا تقتلوا مدبراً ، و لا تجهزوا على جريح ، و لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا امرأة… و لا تمثّلوا…) ▪️ان البعض اليوم تراه أصبح خبيراً بالنّوايا و يصنّف المسلمين ، بحيث يخرج قسماً منهم من الإسلام ، و يتّهمهم بالكفر ، مع أنّهم يصلّون و يصومون و يحجّون… لا لشيء إلا لأنّهم يختلفون معه في الشّأن السياسيّ؟  ▪️فهل لمجرّد اختلاف سياسيّ يُخرَّج النّاس من إسلامهم ؟ هكذا و بكلّ بساطة ؟ لقد باتت السياسة السّبب الرّئيس لهدر دماء المسلمين هذه الأيّام ، و النّار الّتي تشعل الفتن المذهبيّة و الطائفيّة و القوميّة .  أنَّ هذه الصّورة هي الّتي نشهدها ، الصّورة البشعة المقزّزة ، هناك من يقتل تحت راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، و تحت عنوان الإسلام دين الرّحمة ، يستبيح دم مسلمين و غير مسلمين ، لم يقاتلوهم على الدّين و لم يخرجوهم من ديارهم.. لماذا ؟ لأنّهم يختلفون معهم في المذهب أو في الموقف السياسيّ . ▪️المشهد اليوم مخيف و مجنون ، حتّى على مستوى الأفراد ، فإنّك بتّ ترى استسهالاً خطيراً لتناول السّلاح كلّما حدثت مشكلة: إن على عبور في طريق ، أو خلاف على مال ، أو اختلاف في العمل و المصالحة،  و حتّى موضوع الثّأر و موضوع الشّرف ، كلّها جرائم لا أسباب تخفيفيّة لها ، و لا دخل للإسلام بها لا من قريب و لا من بعيد ، و نحن نسمع بها كلّ يوم ، و هي هاجس مجتمعاتنا الإسلاميّة.. ألهذه الدّرجة صار الدّم سهلاً ؟ ▪️أين مجتمعات المسلمين من سنّة رسول الله ، حين قال في إحدى مواعظه(ص) : ( إنّ امرأة دخلت النّار بسبب هرّة حبستها ، حتّى ماتت عطشاً ) ، و أين هم منه ، و هو الّذي نهى عن قتل كلّ ذي روح إلا أن يؤذي ، و عن قطع الشّجر حتّى لا تحرم الطّيور من طعامها . أين هم من رسول الله و هو يدخل مكّة فاتحاً مطأطئاً رأسَهُ تواضعاً و رحمةً ، و حين سمع حامل اللّواء يردّد :  اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبى الحرمة ، نحّاه جانباً و دعاه إلى القول:  ( اليوم يوم المرحمة ، اليوم تحمى الحرمة). نحن نسأل : ماذا يقولون في قول رسول الله(ص)  أمام الحجيج في حجّة الوداع: ( إنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا… كلّ المسلم على المسلم حرام : دمه ، و ماله ، و عرضه.. فلا ترجعنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) . ▪️المشكلة ليست في الإسلام ، و الإسلام بريء من كثير مما يحدث باسمه ، و لكنّ المشكلة في من انتمى إلى الإسلام لكن لم يعش الإيمان  ▪️هي دعوة ليعود كلّ من أسلم إلى الإيمان ، و عند ذلك ، سنلمس مدى قدرة هذا الإيمان على تنظيف القلوب من كلّ حقد و توتّر ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قلوبهم)  نسال الله حفظ الاسلام و اهله  نسال الله حفظ العراق و شعبه
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك