المقالات

قبول المجتمع بالدولة كظاهرة حضارية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

من بين الامور الكثيرة التي يتطلبها اقامة الدولة الحضارية الحديثة قبول الناس بفكرة الدولة الحديثة ذاتها والتخلي عن افكار ما قبل الدولة الحضارية الحديثة.

وتنطوي الدولة الحضارية الحديثة على مصفوفة من الافكار والقيم والمعايير التي يتعين ان تكون موضع قبول وتسالم بين مختلف ابناء المجتمع حتى في حال كانوا مختلفين من حيث الدين او الطائفة او القومية.

وفي مقدمة هذه الافكار فكرة المواطنة التي هي الصيغة القانونية للعلاقة المباشرة بين الفرد والدولة. ونقول مباشرة لانها لا تحتاج الى افكار اضافية للحصول عليها بالنسبة لمن يولدون داخل اقليم الدولة. فالمواطنة، بالاصل، مكتسبة بالولادة. نعم قد تتوسع بعض الدول بطريقة منح المواطنة لغير المولودين داخل اقليمها. وهذه توسعة ايجابية وليست سلبية. وفي الدولة الحديثة، تكون المواطنة هي الاساس الذي تقوم عليه منظومة الحقوق والواجبات. فكل المواطنين يمتازون بنفس الحقوق وبنفس الواجبات من حيث الجوهر والمبدأ. ومن هنا تقوم العلاقات بين المواطنين على اساس اشتراكهم بصفتين اساسيتين هما: الحرية والمساواة. ففي الدولة الحضارية الحديثة يكون  جميع المواطنين احرارا ومتساوين. وبناء على هذا يملكون جميعا حقا متساويا بالاشتراك بحرية في الحياة العامة. ومن هنا يأتي تعريف المجتمع في الدولة الحضارية الحديث بانه نظام من التعاون الطوعي بين مواطنين احرار ومتساوين. وانما اضفنا صفة "الطوعي" لننفي "الاكراه" في الحياة الاجتماعية في الدولة الحضارية الحديثة، حيث لا يجوز اكراه المواطن على القيام بعمل لا يرغب بالقيام به، الا ما تنص عليه قوانين المجتمع مثل الخدمة العسكرية الالزامية في بعض المجتمعات، او التعليم الالزامي، او ما تسميه الدساتير بالنظام العام.

وهذا ما يتعين على الناس القبول به لكي يمكن اقامة الدولة الحضارية الحديثة. ان يتقبلوا حقيقة انهم جميعهم مواطنون احرار متساوون بالحقوق والواجبات، ويحترم بعضهم البعض على هذا الاساس. يحترمون حقوق الجميع، ويحترمون واجبات الجميع.

لا ننسى انه قد وجدت قبل رابطة المواطنة في الدولة الحضارية الاخرى روابط اخرى، ومن هذه الروابط رابطة العشيرة، او رابطة الدين او الطائفة، ورابطة القومية، وغيرها. والدولة الحضارية لا تمانع من وجود هذه الروابط واستمرارها في ظل الدولة الحضارية الحديثة. لكن بشرط، وهو ان لا تكون هذه الروابط فوق رابطة المواطنة، فلا يصح ان تضيف روابط ما قبل الدولة الحضارية الحديثة افضلية لمواطن بسبب امتلاكه احدى هذه الروابط او بعضها. بمعنى انه لا يجوز ان  يميز الناس او القانون بعضهم البعض على اساس روابط ما قبل الدولة الحضارية الحديثة.

 والمواطنة التي تستبطن الحرية والمساواة تتقوم بالقانون. فلا يمكن تصور مواطنة خارج اطار وسياق القانون. والامر نفسه بشأن الحرية والمساواة وغيرهما. فالقانون في الدولة الحضارية الحديثة هو الاطار الذي يمارس المواطنون الحياة ضمنه. والقانون تعبير عن السلوك الالزامي للمواطنين. ففي مجتمع حسن التنظيم، وهذه هي صفة المجتمع في الدولة الحضارية الحديثة، يتصرف جميع الناس وفق القانون. نعم. سوف يشعر الناس ان القانون "يحد" من حريتهم، لكن هذا هو السبيل الوحيد لمنع تحول الحرية الى فوضى، ولحماية المجتمع من الفوضى. ولهذا يتعين على الدولة ان تضع العقوبات المناسبة لحالات الخروج على القانون. وهذا هو ما يمنح القانون القدرة على النفاذ، وهذه هو ضمان استمرار الحياة بصورة سليمة: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ". واستشهادي بهذه الاية يقدم نموذجا للفهم الحضاري للقران حين نضع اياته في سياق الحديث عن الدولة الحضارية الحديثة وشروط اقامتها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك