المقالات

العقل الانتخابي الحضاري


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

لا نملك في النظام البرلماني (ومثله الرئاسي) طريقا للتغيير والاصلاح السياسي غير الانتخابات. وبذا نستبعد فكرة الانقلاب العسكري، لانها تصادر الغرض من التغيير. والذين يتمنون الانقلاب العسكري يفكرون ضمن افق اضيق لا يؤدي الى الديمقراطية. ونحن لا نرى معنى للتغيير ما لم يؤدّ الى تعزيز الديمقراطية. والديمقراطية من اسس الدولة الحضارية الحديثة. واي خطوة تقلل من الديمقراطية انما هي خطوة ابعد عن الدولة الحضارية الحديثة. الافكار مترابطة وبعضها يؤدي الى البعض الاخر ولا يمكن "تفصيخها" وتفكيكها تحت ضغط العوامل المرحلية المؤقتة.

الديمقراطية والانتخابات امران متلاحمان وملتصقان لا يمكن التفريق بينهما، بل ان بعض علماء السياسة مثل  صامويل هنتنجتون (١٨٢٧-٢٠٠٨) كان لايرى في الديمقراطية اكثر من الانتخابات، خلافا لما ذهب اليه لاري دايموند في توسيع معنى الديمقراطية. وفي كل الحالات، فان الانتخابات هي الطريق الوحيدة لتغيير الحكومات في نظام ديمقراطي، باعتبار ان الديمقراطية تعني حسب كارل بوبر قدرة المجتمع على تغيير الحكومة بدون اراقة دماء.

وصحيح ان النظام السياسي في العراق لم يعد ديمقراطيا بالمعايير الدولية، حيث تحول الى نظام اوليجارشي تتحكم فيه قلة من الاشخاص غير المنتخبين، الا ان الية الانتخابات مازالت معتمدة دستوريا حيث تنص المادة السادسة "يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور"، وتنص المادة ٢٠ "للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح"، وتنص المادة ٤٩ "يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله،  يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه." وهذه مكاسب ديمقراطية لا يصح التنازل عنها في سياق العمل على تحقيق التغيير الشامل. انما يجب التمسك بهذه المكاسب بوصفها رافعات نافعة في عملية التغيير والاصلاح.

فاذا اتفقنا على هذه المسالة، تبقى لدينا ثلاث مسائل مهمة وهي:

المسألة الاولى، البيئة القانونية للانتخابات، واعني بها القوانين المنظمة للعملية الانتخابية وفي مقدمتها قانون الانتخابات وقانون الاحزاب. وقد دعونا بقوة الى تشريع قانون الانتخاب الفردي. وهذا ما قام به مجلس النواب، لكن بعد ان قام بتشويه مفهوم الانتخاب الفردي والتلاعب به. ومازلنا بحاجة الى قانون احزاب يضمن تأسيس احزاب وطنية كبيرة عابرة للتخوم العرقية والطائفية، وتحول دون تشتت الاصوات وتمزق اللحمة الانتخابية.وهذا غير متوفر الان.

المسألة الثانية، نزاهة الانتخابات، واعني بها اجراء الانتخابات في اجواء تنافس متكافيء، منصف، لا يتأثر بالمال السياسي او السلاح او الرشوة او التزوير والتلاعب، والتصويت بالبطاقة البايومترية. فضلا عن الرقابة المحكمة لمجريات العملية الانتخابية.

المسألة الثالثة، السلوك الحضاري للناخب. وهذه المسألة هي حجر الزاوية في مسار الانتخابات، لان الانتخابات النزيهة والعادلة والحرة هي في المطاف النهائي مسالة ارقام، والارقام هي اصوات الناخبين التي تحسم نتائج الانتخابات. ونذكر كيف كان المواطن الاميركي يتابع ارقام نتائج التصويت في الانتخابات الرئاسية التي ازاحت ترامب واتت ببايدن. فالرقم المفرد هو الذي يتحكم بالنتيجة الاجمالية للانتخابات. ومن هنا نقول ان على الناخب العراقي ان يعرف لمن يعطي صوته. واذا كنا نتحدث عن فساد الطبقة السياسية الحالية فيجب ان لا ننسى ان اصوات الناخبين هي التي اوصلتهم الى سدة الحكم بهذا الشكل او ذاك. ونحن نعلم ان ثمة عوامل غير حضارية وغير ديمقراطية، فضلا عن المؤثرات الاخرى، اثرت على السلوك الانتخابي للناخب العراقي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك