المقالات

ذكريات الآباء وسنة التجايل..

1473 2021-01-29

 

د.نعمه العبادي ||

تطوي عجلة الزمان التي تدور بنا منذ الأزل البعيد، حيث لحظة التكوين الأولى في كل استدارة لها (جيلاً وجودياً) عبر سنة فناء لا مهرب لأحد منها، ومع كل استدارة جديدة، تستحدث معها (جيلاً وجودياً) آخر، ولا تمثل هذه المجايلة الدائبة، قطيعة فاصلة بين النهاية والبداية، فلطالما تداخل جيل الاجداد مع الآباء والاحفاد في لحظة واحدة، ولربما رحل الاحفاد قبل الآباء والابناء.

جاء في بعض من وصية أمير المؤمين لولده الحسن عليهما السلام ( فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ، مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَه وتَجْرِبَتَه، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ، وعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيه، واسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْه، أَيْ بُنَيَّ: إِنِّي وإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه ونَفْعَه مِنْ ضَرَرِه، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَه، وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَه وصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَه)، ومحل الشاهد من هذا النص الأوحدي العظيم، قوله عليه السلام (ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته)، وفيها يشير الى استفادة عظيمة في مجال توظيف تجارب السابقين، والاعتبار بها، واقرب التجارب واكثر اهمية للاستفادة منها تجارب الآباء والاجداد مهما كانت قيمتها وبساطتها، فهي تحمل من الدلالات ما يمكن توظيفه بشكل حكيم.

عقدت هذا النص بالدرجة الاساس لأضمنه وصية أتمنى الاخذ بها قبل ان تصبح في عداد المستحيل، ومحورها، يدور حول توثيق اكبر قدر ممكن من ذكريات الآباء والامهات والاجداد وكل من تربطك به صلة المجايلة.

في الزمن الماضي، كانت ظروف التوثيق الصورية والصوتية، وحتى الكتابة غير متاحة للجميع، كما ان الحياة لها شكل مختلف عما نحن فيه الآن، وأما نحن ففي زمن تيسرت فيه كل وسائل التوثيق والتثبيت وبشكل بسيط لا يحتاج الى حرفية واختصاص، لذلك انصحكم بتوثيق المزيد من صور الاجداد والآباء والامهات، واصواتهم واحاديثهم، ومن باب أولى اذا كان لديهم نتاجاً معرفياً مهما كانت بساطته وحدوده، فهذه البضاعة لها اهميتها البالغة مع الزمن من حيث (الارتباط النفسي والعاطفي، والموقف الاخلاقي والتربوي، والخبرة العملية والنهج السلوكي)، وهي رسالة عملية تطرحها للأبناء والاحفاد، لتؤسس او تديم سيرة ايجابية في العلاقة بين الابناء والآباء.

مهما كانت المشاغل التي تحيطنا، والبدائل التي نأنس بوجودها، والخيارات التي توهمنا بالأستغناء عن هذه الذكريات والتفاصيل، فنحن مخطئون، وسوف ينكشف لنا خطأنا في لحظة لا نستطيع عندها تدارك هذا الخلل.

قد يقول البعض، أي ذكريات يمكنني ان احملها عن الآباء والامهات، ويشير بذلك الى سوء المعاملة او بذاءة السيرة او تفاهتها او الى خلل فيها، ليجعل (من وجهة نظره) الانقطاع والابتعاد عن الماضي أفضل من الارتباط به إلا ان هذا الفهم ليس صحيحاً، فحتى تلك الذكريات المرة والقاسية، لها دورها الايجابي في تغذية الحياة بما ينفعها، وان استحضارها، لا يتنافى مع الغفران والإنساء..

مما كان يحسنه والدي رحمه الله، الشعر الشعبي، وخصوصاً الهوسة والابوذية، ومما يعتصر القلب، اننا لم نحظى بتوثيقات صوتية ولا حتى مكتوبة للكثير من نتاجه الذي كان يتميز بالعفوية والصدق والارتباط الوثيق بالمواقف والاحداث، وهكذا كانت للوالدة رحمها الله حصتها من المواقف التي يعرفها الكثير من المقربين، لذا اتمنى عليكم، أن لا تفوتوا هذه الامكانات التي وفرها لنا عصرنا، لتحفظوا ما يمكن حفظه من ذكريات السابقين، فقد جاء في الحكمة (لا شيء يبقى إلى الابد)..

من ذكريات والدي رحمه الله في ذكرى زواج احد ابناء عمومتي، هوس المرحوم عبد الواحد آل حاج عبدالحسين الحاج شريف آل عصاد رحمه الله رباط : (بين الشط وبين الراك.. اتگلب يبن الحوت اتگلب..)..

ثم هوس الحاج عبد الحسين  الحاج شريف والده رحمه الله رباط :

(أبفي خاله يطاول.. خله ابن اختي)..

ثم هوس والدي رحمه الله :

(بس السيد والهزاه جبريل.. الكل تتعلگ بيكم)..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك