المقالات

بناء الدولة في العراق -3-


  ابراهيم العبادي||

 

بدأت مشاريع (تصحيحية)او اصلاحية  بالظهور مع تراكم الانسداد الذي وصل اليه النظام السياسي واقتراب الدولة من حالة الفشل ، فالى جانب مشروع المرجعية العليا الذي اشرنا اليه في المقال السابق ،اخذت اوساط مختلفة تطرح (افكارا)عن مشاريع انقاذ او تصحيح او اعادة بناء ،وكان ابرز هذه الافكار ماطرحه السيد محمد عبدالجبار الشبوط بعنوان (مشروع الدولة الحضارية الحديثة)،فيما طرح البعض  مشروع (الازاحة الجيلية )ودعى اخرون الى مشروع عام اسمه (الدولة المدنية  )، ورد عليهم فريق اخر بمشروع( الدولة -المقاومة ). وباستثناء ماكتبه الاستاذ الشبوط  من تنظير واسع لمشروعه محاولا اقناع اكبر عدد من المثقفين والسياسيين به ،فان المشاريع الاخرى افتقرت الى التنظير والشرح واكتفت بالعنوان العام ، ويعود ذلك في ظني الى فقر ثقافي وفكري ،والى انعدام القناعة التامة بجدوى الدعوة الى مشروع فكري تنهض به جماعة ،ويغدو برنامجا للتبشير وعمودا فقريا لعمل سياسي قاصد يقترب من فكرة التنظيم او الحزب او التيار المنسجم ،وكل ذلك معلول للبيئة العراقية التي تشهد صراعا متعدد الاشكال ،لكنه صراع يقترب من الفوضى ولاينتج خصوبة فكرية وعملية ،  بل هو اقرب الى الصراع العدمي الذي يتخذ من الايديولوجيا غطاء لمزيد من التقابل والنفي والاقصاء ،وهذه سمة عامة طبعت  الحياة  السياسية العراقية التي لم تعتد التعددية الايجابية التي يقبل بها الجميع ،  ويسعون الى توظيفها لخدمة مشروع الدولة واستقرارها وازدهارها ، بل هي تعددية الامر الواقع ، فيما تميل اكثرية الاتجاهات السياسية الى الهيمنة واقصاء الاخر ولاتبدو قادرة على التخلص من ارث الافكار الشمولية . لم تحظ (المشاريع) المشار اليها بفرصة الحوار العام ،ولم تناقش بنية الفهم والنقد وظلت تدور في فلك الاعلام ،ويفترض بمن يقدم مشروعا تتقرر في ضوءه مصالح امة ومستقبلها ،ان (يهندس )مشروعه ليكون مقبولا من طرف قوة سياسية -اجتماعية تتبناه وتسعى الى اقناع الاخرين به ويأخذ في الوقت ذاته المحددات والشروط التي تكتنف الواقع السياسي  والحالة الاقتصادية والثقافية والتعقيدات بين الفئات والمكونات الاجتماعية مضافا الى تأثيرات الحضور الدولي وتدخلاته في الشأن العراقي . المشكلة الاكبر التي تحول دون الحوار والنقد المنتج ،يكمن في ضعف المؤسسة الحزبية في العراق ،وعدم قدرة غير الحزبيين على ايجاد مساحات تأثير في الوسط الاجتماعي ،فالبلاد تعيش استقطابا داخل كل مكون من مكوناتها ، بين رموز دينية وسياسية وزعامات حزبية وناشطين ، ويتداخل عمل هولاء الفاعلين بلاحدود واضحة بين الديني والسياسي والمالي ،وقد ترسخت علاقات زبائنية انتجت شبكات مصالح صارت تشكل وعي المواطن ، فلم يعد يميز بين مصلحة حقيقية للدولة والمجتمع ، ومصلحة فئة صغيرة يستفيد منها بشكل مباشر وتحقق له فوائد معاشية ، لذلك لم يعد ممكنا التعويل على ازاحة جيلية في ظل انظمة حزبية غير ديمقراطية ولاشوروية حقيقية ،ولاتنجح افكار بنائية كبيرة كالتي يدعو اليها الشبوط ، والفضاء العام في البلاد متراجع فكريا وثقافيا وتحكمه اخلاق الارتياب والشك والرغبة في وأد اي مشروع (لم يخرج من ماكنة حزبية متنفذه وذات قوة مسلحة) ، وبصرف النظر عن ملائمة او عدم ملائمة هذه المشاريع لاعادة بناء الدولة في العراق ،لكن مجرد التفكير ببدائل يشي بأن ثمة قناعة عراقية تزداد بأن الاصلاح حتمي وضرورة لامفر منها  اذا اُريد للعراق ان يتجاوز علله وأزماته ولايبقى في حالة طواريء مملة .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك