الصفحة الفكرية

مشكلة الغيبة والعقل الحسي التجريبي

3080 08:14:00 2013-08-01

 

بحث مستل من كتاب الحداثوية والقضية المهدوية / إشكاليات المنهج والخطاب

 

تأليف: الشيخ نزيه محيي الدين

إنَّ طرح مسألة الإمام المهدي عليه السلام, وغيرها على المجتمعات الحسية, قضية معقدة نسبياً, حيث يكلّم العالِمُ مجتمعاً, تمّت تربيته على المنهج الحسي, الذي يزرع فيه الظن أن هذه القضية هي ضد منهج العقل, أو يقال له _ إيحاءً, أو مباشرة _: إن منهجك في التفكير, هو منهج علمي رائع, ومنسجم, ويعتمد الوسطية, بخلاف الفكر المتطرف, الذي يؤمن بأمور غيبية, وما أشبه ذلك, من الإيهامات التي يوهمون بها مجتمعاتنا, بينما في نفس الوقت, لا يستطيع الثبات الفكري على رأي, لتلمس الحقيقة, فقد تمّت تربية الناس على عدم الثبات على فكرة, وعلى عدم التمييز الحقيقي للخطأ, والصواب, وللمصلحة, والمفسدة, فكل ساعة يمكن أن ينقلب إلى عكس ما كان يعتمده, ويدافع عنه.

وقد قمت شخصياً بتجارب, في مجتمعات كثيرة في منطقة الشرق الأوسط, متحدياً مجاميع من الناس ليختبروا طريقة تفكيرهم, فأعرض لهم الرأي بأدلته, فيقولون: هذا صحيح, ويساعدوني فيأتون بشواهد مؤيدة, ثمّ أعرض لهم الرأي المخالف تماماً, فيقولون: صحيح, ويأتون بشواهد مؤيدة جدّاً, ثمّ أقلب القضية, فأعرض رأياً ثالثاً, فيتأكدون من صحته, وأعود لأعرض الرأي الأوّل, والثاني, فيتفانون في إبطاله, وحين أخبرهم بأنهم خسروا الرهان, ولم يفوزوا في الامتحان, يتناقشون ويختلفون, ويتبيّن أنَّ القضية لم تكن فكرية, وإنما مجرد طرح أفكار.

إن هذه الكارثة العقلية في الاستدلال, وتحقيق المعرفة, هي ظاهرة غارقة في القدم, وموغلة في عمق التاريخ. ولكن, لا ينبغي أن تكون بنفس حدتها في زمننا هذا, بعد انفتاح وسائل المعرفة, ووصول إيجابيات العولمة إلينا _ مع تحفظنا على سلبياتها _, والأمر يعود _ في الحقيقة _ إلى عدم تعليم الإنسان, لطريق التفكير السليم, بشكل حقيقي, ومرتب، ليستطيع الثبات في عالم متغيّر. ولهذا وجدت أن من يعمل في علوم البرمجة _ بشكل حقيقي _ يتعامل بسهولة مع الأفكار, التي تحتاج إلى ترتيب في الاستدلال, وفي الوصول للنتيجة, وقد يقتنع بصورة سلسة في الحوارات, وذلك؛ لأنهم يدرسون ترتيب الأفكار, ولو جزئياً بمقدار حاجتهم المهنية, وحين يكون مبطلاً, ومتحزباً أراه يعترف بأنه يواجه صعوبة معينة؛ لأن طريقة تفكيره المرتبة, اصطدمت مع حواجز التربية على القوالب الجاهزة للفكر, الذي يصعب عليه الخروج من شرنقته, ولهذا يتهرب بمواضيع ثانوية, طلباً لعدم الدخول في فهم الحقائق؛ لأنها بدأت تصطدم بواقعه الداخلي, الذي تربّى عليه من الباطل.

وفي سبيل أن نحاور ذاتنا, حواراً داخلياً مقنعاً, علينا أن نواجه قضايا مهمة في طبيعة التفكير. فأوّل سؤال يجب أن نسأل أنفسنا به: هل الغَيبة مستحيلة عقلاً، أم هي ممكنة؟ والسؤال الثاني, الذي يجب أن نسأل أنفسنا به: هل هناك غيبة حدثت فعلاً؟ وهل هناك قناعة خارج حدود التمذهب الضيق لوجود غيبة فعلية؟

ثمّ نحاول أن ندرس القيمة الحقيقية للنصوص الدالة على التبشير بالغيبة, ابتداءً, قبل وقوعها, ثمّ على النصوص الدالة على وقوع الغيبة, انتهاءً.

وبعد أن نخرج من حوارنا الداخلي مع أنفسنا, علينا أن نتحرر من مرض الاستخفاف والسطحية, ونركّز على الحقيقة القرآنية, وعلى أن الغيبة لم تكن عملية طارئة مفاجئة في وجودها الواقعي للبشر, فتحتاج إلى تفسير أرضي لتحوّل الحالة, وإنما هي عملية مدروسة, منصوص عليها قبل حدوثها, وهي من قبل الله, لأمر يعلمه الله, وهو خارج نطاق القدرة العقلية, التي نمتلكها؛ لأنها خارج نطاق المألوف, فهي ليست ذات مصلحة مرتبطة بنا فقط, وإنما هي حقيقة, ذات علاقة كونية, مرتبطة بإرادة الله, فالعقل إذا كان يدرك الحسن والقبح, ويدرك الحقائق, لا يعني ذلك أبدا أنه قادر على إدراك ما هو خارج مجاله, فمسألة وقوع الغيبة, والنصوص عليها, يدركها عقلنا, ونتلمسها علمياً, وحسياً. ولكن تفسير أحكام هذه الحالة, يحتاج إلى معرفة من الله, ونحن لم نجد لها _ بالفعل _ تفسيراً واضحاً صريحاً من الله. ولذا, فإن جميع التفسيرات, تبقى للحكمة الظاهرة لنا, والمصلحة البينة لبني الإنسان, والسبب في ذلك كونها تفسيرات ذوقية, واجتهادات شخصية, خاضعة لميزان الخطأ والصواب. ولهذا, لا يمكن من خلالها, تشكيل أيّة إشكالية, بناءً على التصورات الظنية, لسبب هذه الظاهرة, أو لشكلها.

ولهذا, فإن السؤال لا يتوجه على الله بقول القائلين: ما فائدة أن يرسل الله ملائكته الكرام بالتكاليف السنوية, لشخص غائب, ومختف عن البشر, في حين أن التكاليف موجهة إلى البشر(2)؟؟

إن بعض من يقول بالتصويب, يرى أن لله أحكاماً في الواقع, ولكن الإنسان غير مكلف بها, وهو _ أي المصوّب _ يعتمد هذه النظرية, ليؤسس مذهباً عجيباً, لقلب منظومة الشريعة, وتحويلها من كونها صادرة عن الله تبارك وتعالى, إلى كون الله عز وجل تابعاً للمشرع الأرضي, ولم يسأل القائل بهذا القول نفسه: ما فائدة الحكم بدون تكليف؟ مع أن مثل هذا السؤال _ هنا _ أكثر وجاهة من السؤال عن الغيبة؛ وذلك لأن في النظرية الثانية للتصويب _ القائلة بوجود حكم بدون تكليف _ مشكلة التفريق بين الحكم, والتكليف, وهما لا يفترقان _ عقلاً وواقعاً _ لأن الحكم هو أساس التكليف, والتكليف تابع قهري للحكم، والقائل بنظرية التصويب الثانية يقول: بأن هناك حكماً بدون تكليف كما بيّنا.

ومثل هذا لا يحتاج إلى توقف على تعليم, ونزول أمر إلهي به؛ لأن توقف التكليف, وتكوين تكليف إلهي, بموجب حكم حاكم أرضي يعمل بظنه, يعني عملية خروج عن نفس المسيرة الإسلاميّة, وعن تفسير الإسلام, كدين سماوي صرف؛ ولأن العقل لا يرى علاقة بين الإنسان, وبين الحكم, حينما لا يكون تكليفاً. ولو أننا افترضنا أن هناك الآلاف من الأحكام ولكنها لسبب أو لآخر لا تكون ملزمة للإنسان وهو غير مكلف بها, فما علاقته إذ ذاك بها, وهل ستكون جوهر شريعته, وهل يصح أن تتضمن الشرائع _ سماوية كانت أو أرضية _ أحكاماً معطلة لا يعمل بها, ولا يُكلّف أتباعها بالتزام العمل بها؟

بينما نزول التكاليف على بشر معيّن, مع وجود مانع بينه وبين تبليغ الأمر, لا يعني _ مطلقاً _ أن الأمر لم يصل, أو أنه لا فائدة فيه؛ وذلك لعدم توّحد العلة, وعدم انحصارها في نزول أحكام الله إلى الأرض بالنشر, وإلاّ لكان يجب إبلاغ كل إنسان, عن الله مباشرة, لتحل هذه المشكلة. وهذا لم ولن يحدث؛ لأنه غير لازم عقلاً.

ولو أردنا أن نوضّح الفكرة, بشكل مبسط, فينبغي أن نفترض أن الله _ تبارك وتعالى _ قد قصّر _ حاشاه جل وعلا _ بإرساله الرسل في مناطق محدودة من الأرض, وفي زمن محدود, بحيث لم يبلّغ بصورة واضحة, لجميع البشر. فيكون إرسال الرسالات غير كاف في الحجة على البشر, وتكون الديانات مجرد عملية ناقصة, لا تكون حجة كافية على الإنسان الموجود في كل بقاع الأرض. بالتالي فإن كل رسالات الله تكون غير مفيدة لعقابه وجزائه, ويكون التزامه بالبيان ناقصاً, حسب هذا الفهم السطحي, وهذا الإشكال, هو وليد طبيعي لإشكال عدم جدوى النزول, والتبليغ, لرجل غائب. ولا يعلم حجم المجتمع الذي يتواصل معه, ولا كيفية تواصله معهم. فلا يصح _ إذن _ استعمال عدم الإطلاع, دليلاً على العدم, فكون مساحة الصلة بالإمام الغائب غير معروفة, لا يعني _ أبداً _ أنها منفية, لعدم المعرفة, وهذا استعمال سيء لأساس سيء, وهو استعمالهم عدم العلم دليلاً على انعدام الموضوع, والذي لا يمكن أن يقول به صاحب منهج عقلي, ومنطقي للتفكير.         

الهوامش:

(1) منتخب الأثر: 492.

(2) إشارة إلى نزول الملائكة على قلب المعصوم في ليلة القدر كما هو صريح القرآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقبل أن ندخل في مجالات بحث خاصة بالغيبة وحيثياتها لا بدَّ لنا من إعادة ترتيب أفكارنا وفق المنهج التالي:

نتساءل أوّلاً عن الأسس التي يجب أن نسلكها في بحث قضية الغيبة, معرفياً, لنحل إشكالاتها, علمياً, ونفسياً.

ثمّ نتطرق إلى إمكان وقوع الغيبة بكل صورها, فإذا ثبت عدم الإمكان, بطل الكلام بها, وإذا ثبت الإمكان, انتقل البحث إلى مرحلة ثانية.

لا بدَّ أن تكون الغيبة مبشّراً بها, كتهيئة عقلية للبشر, وأن تكون مدّعاة. وهي يجب أن تكون مقرونة بالشواهد, والأدلّة, التي يطمئن من خلالها الإنسان بوقوع الإخبار, والتبشير بها, لشخص معلوم نسبت أو تنسب إليه.

فإذا وصلنا إلى هذه المرحلة, لا يحسن بنا _ إذ ذاك _ إلاّ التسليم بوقوع الغيبة, وأنها ليست لعباً, أو دعوى باطلة, وإنما هي ظاهرة كونية نادرة, لها علاقة بالدين, وبالكون, و يجب دراستها, والتمحيص في معطياتها.

هذا ما يفرضه العقل, مما يسوقه من ترتيب, يفرض على الحس, وعلى غير الحس الإذعان له. فإذا نظرنا _ ولو باختصار واقتضاب _ إلى هذه المراحل, خرجنا بالتالي منها كما سيأتي في الصفحات اللاحقة, بنتائج تناقض المنهج الحسي التسطيحي.

هل الغيبة من المرفوض عقلاً؟

لو أردنا أن نحلل فكرة الغيبة, والدليل على إمكان وقوعها, واستمرارها, لا بدَّ لنا أن نبحث _ أوّلاً _ في إمكانية أمرين مهمين, هما: الاختفاء الحسي, وطول العمر, الملازم لغيبة طويلة الأمد.

فالاختفاء الحسي, تارة يكون باختفاء الهوية, وهذا لا يمكن تصوّر عدم إمكانه, وإنما هو طبيعة كل مجهول, فمن يأتيني, وأنا لا أعرف شكله, لا يمكنني أن أعرفه, ما لم أصل إلى معرّف له, وهذا أمر طبيعي, لا يحتاج إلى مزيد من البحث. فهذا النوع من الاختفاء, هو ما عليه كل التخفي البشري, بل, والحيواني _ أيضاً _ من تغيير اللون, والصورة, والشكل, وإيهام الحس, بأن هذا الشيء هو غيره تماماً. والتخفي بهذه الطريقة, هو دأب كل من يتخفّى من أعداءه, أو لأية أسباب أخرى تخصه. وهذا النوع ليس ممكناً فقط, بل هو واقع, نعيشه في كل مجالات حياتنا, في الإنسان, والحيوان, والنبات.

وتارة يكون الاختفاء, باختفاء الجسد, وما هو عليه (الخفاء البصري). وهنا, قد يشكّك من لا علم له بحقائق الأمور, بحقيقة وقوعه أو إمكان ذلك. ولكنّ من يعرف الحقائق, ويطلع على الدراسات, والثوابت في المعرفة الإنسانية, يجد أن هذه الحالة, واقعة, فضلاً عن القول بإمكان وقوعها, أو حدوثها.

وقبل كل شيء, لا بدَّ لنا أن ننبه إلى أننا لا نتكلم عن ظاهرة اختفاء مجردة, وإنما نتكلم عن حالة تكوينية, متعلقة بإرادة الله _ تبارك وتعالى _ وقدرته. وهنا يجب البحث, انطلاقاً من أن هذا, هو أمر الله, وأن الله قادر على تحقيق مثل هذا الإخفاء.

وعليه فإن بحث مسألة: أن هذا الاختفاء أمر إلهي, تتعلق ببحث التبشير بذلك, والنصوص الدالة على تعلق إرادة الله, بهذا الخفاء.

وأما مسألة البحث في قدرة الله على الإخفاء, فهذا بحث لا يليق بمسلم. بل لا يليق بعاقل يعرف الله, وقدرته. وهو أمر لا يجوز التفكير في استحالته عليه, بأيّ شكل من الأشكال. فالله _ تبارك وتعالى _ هو خالق الأجسام, وخصائصها, وهو من يستطيع تمكين الخصائص, أو إعدامها, فليس يليق بعاقل, أن يدعي بأن الله جل جلاله غير قادر على إخفاء عبد من عباده, بناءً على تصورنا البشري, أن الطبيعة الفيزيائية الظاهرة, تقتضي الصورة المرئية للجسم.

فقد كانت الطبيعة الفيزيائية, تقتضي إحراق إبراهيم عليه السلام بالنار الهائلة, ولكن ذلك لم يتحقق, وكانت عليه برداً وسلاماً.

والطبيعة الفيزيائية, تقتضي عدم انتقال الأشياء بطريقة الاختفاء, من مكانٍ, والظهور في مكانٍ آخر, يقع على بعد مئات, أو آلاف الأميال, كما حدث لنقل عرش بلقيس, في طرفة عين, إلى مجلس سليمان عليه السلام.

والطبيعة الفيزيائية _ أيضاً _ لا تقبل أن ينشق البحر لبني إسرائيل طريقاً يبساً, ليعبروا فيه, على أرض صلبة, وقد حدث ذلك, وتغيرت قوانين الفيزياء والطبيعة.

والقوانين الحياتية لا تقتضي أن تتكلم الحيوانات, ولكن الهدهد تكلم, والنملة تحدّثت _ كذلك _ وسمعهما نبي الله سليمان عليه السلام.

والقوانين الفيزيائية _ أيضاً _ تقتضي أن الجن لا يُرى؛ لأنه مستور عن أنظار وأبصار البشر, وهو من خلقة ومادة غير مادتنا, لا ترى بالعين, ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التقى بهم, ومن قبله سليمان عليه السلام, وهو الذي حبس مردتهم في قوارير.(1)

والقائمة طويلة في مخالفة, ومغايرة قوانين الطبيعة, بأمر إلهي منصوص, فليس في المخالفة, أي مجال للتساؤل عن قدرة الله عليها, حتّى بالنسبة للحسي, الذي لا يعقل إلاّ المألوف, لأنه يؤمن من خلال النقل, أو رؤية العين, بقدرة, وبكيفية اختراق القوانين الفيزيائية والطبيعية, بتدخل من الله تعالى.

وكم قد حصل, لعباد الله في حياتهم, من دلائل, تعتبر نوعاً من الخوارق للعادة, للنجاة, أو حدوث ما لا يقبله العقل من توقيت, أو تهديف في الحوادث. بحيث يكون خارقاً للعادة, نقتنع بحدوثه, أن الله أراد النجاة, ودفع البلاء في ذلك الوقت, لغرابة الموقف فعلاً.

والإخفاء, لا يختلف _ من هذه الناحية _ أبداً.

وهنا ننتقل إلى بحث لا نطيل فيه؛ لأنه بحث مستقل, يحتاج إلى كتب, ومجلدات, وذلك لدراسة ظاهرة اختفاء الأجسام المرئية, وسنشير إلى إلماعات فيه, تكفي العاقل أن يتنبه للربط بين المعلومات, التي تمر عليه.

إن العلماء لا زالوا يدرسون تفسير ظواهر كثيرة, سميت الظواهر الروحية, أو الظواهر الخارقة, ومن بينها ظواهر التخفي, والاختفاء الكلي للأجسام, وقد عبروا عن هذه الدراسات, باسم علم الباراسيكولوجي, أو أسماء أخرى, ترتبط بالتأثير غير الفيزيائي, في الكون الفيزيائي.

لقد أيقن الباحثون, بوقوع حالات من التخفي, أو من التأثيرات من قبل أجسام, أو قوى مختفية تماماً علينا, وقد وصل الحال إلى تصوير بعضها بالصور المتحركة, لدراستها, وقد صورت _ أيضاً _ بالأشعة المختلفة مثل الأشعة تحت الحمراء, أو أشعة جاما, أو أشعة أكس, وما شابه ذلك, وتبيّن وجود وقائع وحقائق, وهنا انطلق العلماء ليس بطريقة تفكير متسلسلة؛ لأنهم لم يتساءلوا عن الإمكان, وإنما تساءلوا عن صدق إخبار من يخبر عن هذه الظواهر, وحين ثبتت هذه الظواهر, بدأوا في إيجاد تفسير لها, بعيداً عن التفكير البيزنطي, في التشكيك بالواقع؛ لأن ما عندهم من معطيات معلوماتية, تمثل واقعاً يجب تفسيره, بشكل يتوافق مع وقوع الظاهرة.

وهناك عشرات التفسيرات, لمثل هذه الظواهر, ابتداء من فلسفة الضوء, واختراقه للأجسام, أو انعكاسه عنها, حيث افترض بعضهم, أن هذه الأجسام المختفية, إما أن تكون لها القابلية على امتصاص الضوء, أو أنها تسمح بنفاذ الضوء إلى الفراغ الذري داخلها, أو أنها تسيّل, وتشتت الضوء حول الجسم؛ ليذهب في نفس اتجاهه, من دون انعكاس, كما لو انحنى قليلاً, كما ينحني تيار الماء عن الجسد الواقف وسط التيار, وقد تفرّع من هذه النظريات, محاولات تجريبية في التطبيقات التقنية الحديثة, وقد تم اعتماد هذه النظريات, في بناء الطائرات, التي لا يكتشفها الرادار, بنفس هذه التصورات, من هندسة تمكّن من امتصاص الضوء, أو الذبذبة الرادارية, ومن تحويل بسيط لتيار الضوء حول جسد الطائرة, وغير ذلك, بل إن هناك الآن دراسات, لمراقبة مواد سرية, يمكنها تغيير تيار الضوء, لأيّ شكل كان, بدون حاجة إلى هندسة معيّنة, تسمح بتكوين انفراج في الحزمة الضوئية, حول الجسم. وهي دراسات سرية, لا نعلم شيئاً عن مقدار النجاح فيها, ولكن _ بشكل أوّلي _ تم الإعلان عن نجاح التجارب المخبرية, لقسم من التجارب في الحالة الساكنة.

وهذه المعطيات العلمية, لم تكن مبنية على فراغ. ولكن, في المجال الإنساني الفعلي, فإن الاختفاء حقيقة, ثبتت المصادقة عليها, علمياً, ودينياً. فالخفاء الذي يمارسه الرهبان المسيحيون المعروفون, وكذا كهنة اليهود, والظواهر المشابهة عند بعض كهنة الهنود, وما يمارسه فقراء الهنود, بما يسمى بطاقية الإخفاء, وأمّا ما ثبت لبعض الأولياء المسلمين, وما نقل عنهم, فهو كثير جدّاً, إلى حد ضرورة التيقن من وقوعه. (منبهين إلى وقوع الاختفاء البصري لنبينا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في ساعة هجرته وهذا أهم من جميع ما قيل ويقال، فليراجع).

وبعد أن كانت حكايات الاختفاء, مجرد حكاية, وقناعة شخصية, لبعض الأفراد, الذين تعاملوا مع الحالة, وتيقنوا منها, فقد أصبحت _ اليوم _ حالة تدرس مخبرياً, بشكل جاد, وترصد لها الميزانيات الكبيرة, فهناك مراكز دراسات, لتفسير الظاهرة والاستفادة منها, وليس للتأكد منها فقط, فقد انتهى هذا الدور نهائي(2).

إننا لا نريد _ هنا _ أن نغرق في تفسير الظاهرة, والتمكن من فهم طبيعتها, وأسبابها, وهل هي أسباب مسيطر عليها, أم هي خارجة عن السيطرة؟ وإنما نريد: أن نفهم قضية مهمة, وهي أن ظاهرة الإخفاء البصري للأجسام موجودة, وهي محل دراسة علمية, واعتراف علمي, والوجود أدل دليل على الإمكان.

وبهذا, ينهار _ تماماً وكليّاً _ الجزء الأوّل من التشكيك في الغيبة, ولا مجال لعاقل أن يدخل من هذا الباب. ويبقى الأمر الثاني الذي عادة ما يكون مدعاة للتشكيك في الغيبة وحدوثها, وهو طول العمر وعدم كونه مألوفاً.

و نحن نواجه هنا _ أيضاً _ مشكلة معرفية أخرى, فحين يقال: إن نوحاً عليه السلام, عاش يدعو قومه (950) عاماً, وعاش بعدها كما قيل: ثلاثمائة, أوخمسمائة, أو ألف, أو ألفي سنة, للتدليل على إمكانية وقوع مثل ذلك, يكون الرد السطحي الحاضر: وهل المهدي مثل نوح عليه السلام؟ ولمن يورد _ عادة _ مثل هذا التساؤل الغريب, نقول: إن البحث هو عن إمكانية الوقوع, وليس عن التماثل, والتشابه بين حالتين! ومثل هذا الردّ الغريب لا يؤدي بنا إلى إدراك حقيقة الأمر, فأين البحث في إمكانية أن يطول عمر الإنسان إلى مثل هذه المدة المديدة, من التساؤل عن التشابه والتماثل بين نوح عليه السلام, والمهدي المنتظر عليه السلام.

إن المسألة _ برمتها ترتكز على إثبات إمكانية الوقوع, وهو _ هنا _ إمكانية أن يعيش الإنسان عمراً طويلاً كعمر نوح عليه السلام, وهذا الأمر ثابت لا جدال فيه, وقد أشار إليه القرآن الكريم بوضوح لا لبس فيه, ولما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى نوح عليه السلام, فلا يبعد أبداً أن يقع مثيله, أو أن تكون هناك حالات مشابهة له, وهذا ثابت, دلَّت عليه الشواهد الكثيرة التي تمثلها بصورة دقيقة قصة نبي الله نوح عليه السلام.

فإذا أضيفت قصة الخضر عليه السلام وغيرها من القصص والشواهد الأخرى, إلى ما تقدم من قصة نوح عليه السلام, خرج الأمر عن الندرة إلى الكثرة, وعن دليل الوقوع الواحد إلى شيوع الأدلّة, مما لا يبقي مجالاً للقول باستحالة الإمكان, ومما يفرض علينا التسليم بصحة, وإمكانية, ووقوع مثل هذا الأمر.

وبحسب الروايات حول قضية الخضر عليه السلام, ينبغي أن يكون عمره إلى يومنا هذا قد تجاوز الألفي سنة (بل هناك أقوال تدل على أن عمره يزيد عن اثني عشر ألف عام لأنه الابن الصلبي لآدم كما يقولون، وسيأتي الكلام فيه), ومما يثير الغرابة حقيقة في هذا الموضوع أن ابن تيمية أنكر وجود الخضر, ونفى الروايات التي أشارت إلى لقاءه النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وبعضها صحيح, والملاحظ في بحوث هذه القصة وحيثياتها, أن البعض يحاول أن يثبت بقاء الخضر عليه السلام حيّاً إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ومع ذلك فإن مثل هذا البقاء, يكون دليلاً على طول عمر خارق, فقد قيل عنه أنه سابق للمسيح بمئات السنين, وزمن بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في القرن السابع الميلادي فهو قد عاش ما يقارب الألف سنة, في ذلك الوقت, ونفي إمكانية بقاءه حيّاً إلى زمننا هذا, لا يعني _ أبداً _ أنه لم يعش مدة طويلة وعمراً مديداً قد يكون تجاوز الألف عام. وهذا بالتالي دليل إمكان للوقوع ينبغي الأخذ به.

وأما قصة عيسى عليه السلام وكونه حيّاً إلى الآن, وقصة إدريس عليه السلام, الذي رفعه الله مكاناً عَلِيّاً, وهو حي يرزق الآن. فهذه حالات جاءت بنصوص قرآنية, ونبوية ثابتة, ومن يريد أن يشكّك فيها, فعليه أن يشكّك في كل منظومته الإسلاميّة, ولا تجوز التجزئة, وأحادية النظر, بحيث ترفض هنا, وتقبل هناك! والقضية نفس القضية.

هذا بالإضافة إلى أن كتب التاريخ تعج بروايات المعمرين الخارقين للعادة. وها هم بيننا في جبال القوقاز, مئات المعمرين الخارقين, وقد تحدّثت الأنباء عن بعضهم, بأنه عاش أكثر من (130) سنة, وقد أجرت إحدى الصحف لقاءً مع معمر قوقازي, قيل: إن عمره أكثر من (150) سنة, وأنه لا زال يمارس نشاطه اليومي, في الزراعة, وما أشبه ذلك. ومثل هذه الحالات تعتبر خارقة للعادة فالإنسان _ اليوم _ رغم تحسن صحته, وارتفاع متوسط العمر لديه, فإنه يكاد أن يكون بمتوسط عمر (66) سنة, في الدول الراقية الغنية, بينما في الدول الفقيرة يبلغ أقل من أربعين سنة. وعلى كل حال فإنَّه من النادر البقاء بحدود (120) سنة.

وهذه المعلومات, لا تحتاج إلى إسنادٍ؛ لأن على المعترض أن يبحث عنها في نشرات منظمات الصحة العالمية, وسيجد ما يسره من المفارقة بين متوسط العمر, وبين أعمار معمرين أصحاء بكامل قواهم العقلية, والبدنية.

وهنا قد نوجّه السؤال إلى علماء الحياة وأسرارها عن جوابهم عن سرّ الموت والحياة لدى البشر لندرس إمكانية بقاء الإنسان حيّاً مدة مئات, أو آلاف السنين.

لعلَّ غير المطّلعين سيفاجئون بجواب العلماء العجيب. وهو قولهم: إن ما يحيّرنا هو سرّ الموت, وليس سرّ الحياة؛ لأن الأصل الذي نراه في التكوين الداخلي للجين الوراثي, الذي يرسم حياة الإنسان, هو الحياة الكاملة, وعدم الموت, ولكن ما يفاجئنا, هو إصدار أوامر, وإيعازات برمجية, من داخل الجين الوراثي, لتخريب الجسد, وهذا ما لا نفهم سببه, ولعلَّ للتوازن البيئي دخلاً في الأمر, فقد جعل الله فينا برنامج الموت, وإلاّ فإن كل خلية, وكل نسيج له قابلية عجيبة للتجدد, والمحافظة على البقاء, بما فيها ما كان يعتقد بأنه لا يتجدد, وهو خلايا الأعصاب, والدماغ, فقد تبيّن أنها أيضاً رغم كونها مقفلة برمجياً, إلاّ أنها قابلة للتجدد كغيرها, وقد وجدوا أن علاجات الكآبة, قد بنت خلايا عصبية جديدة في نسيج كان ميتاً يقيناً, ويعتقد أنه غير قابل للحياة, فحتّى الخلية التي تموت يمكن استبدالها بخلايا أخرى من نفس النوع. ولكن هذا إنجاز طبي في بواكير حدوثه.

ونظام التجديد والإصلاح داخل الجسم, هو نظام متقن, وإلاّ لمات الإنسان, في بداية عمره. والمشكلة في اختلال هذا النظام.

وبهذا يتبيّن لنا, أن النظام الأساسي, هو بقاء الحياة, وسرّ الموت, هو المعجزة الإلهية التي لا يعرف مداها, ولا كنهها. فما يحدث للمعمرين, هو التفلت من سرّ الموت, والبقاء على الطبيعة الأساسية, لبناء الكيان الحي, بواسطة الشفرة البرمجية للحياة.

يمكن القول _ إذن _ أن ما يحدث في قضية الإمام عليه السلام, ربما يكون عدم حصول المعجزة العجيبة, التي تحصل لنا جميعاً, بحسب فهم العلماء, وهنا خروج عن القانون الذي يحكمنا بالموت, وهذا هو الأصل.(3)

ولو فرضنا, أنه ليس الأصل في الكائن الحي, أن يبقى معمّراً, كما تعمّر السلحفاة, والقرش مئات السنين, كما يقال, أو كما يقال: إن القرش لا يمرض, حتّى لو تعرض لبتر في لحمه, فهو قادر على التعويض, كما يعوّض الأبرص السام ذيله, إذا انقطع. لنفترض أن القانون, هو الانتهاء بزمن معين, وهذا يعني, بأنه منوط بتوقيت برمجي داخل جسم الكائن الحي, وبما أننا نتكلم عن تدخل الله في هذا الإنسان, الذي هو المهدي عليه السلام, فلا مانع عقلاً, ولا واقعاً من إجراء تعديل بالتوقيت في داخل الجين الوراثي, ليكون أطول بكثير من المعروف, والمعهود في البشر. وهذا كل القضية.

فلا غرابة مطلقاً, في طول عمر بشر ما, بل هو واقع فعلاً, والغريب أن ينكر, ويستبعد عقلنا الحسي السطحي, ما هو موجود فعلاً, ومتحقق على صعيد الواقع, ويوافقه التفسير العلمي.

فهذا الباب الثاني, من أبواب التشكيك بالغيبة, قد انتفى _ أيضاً _. ولم يبق شيء, يمكن أن يكون مصدر نفي, واستحالة, لتحقق الغيبة. وهنا أحب أن أعرض لقضية بسيطة جدّاً, وهي: أننا حين نستدل على الإمكان, فهو للردّ على القول بعدم الإمكان. وهذا الردّ لا يصلح أن يكون دليلاً على الوقوع, ولا نريده أصلاً.

إنما دليل الوقوع هو أمر آخر سنأتي إليه, وقد ذكرت هذا التنبيه, بسبب ما جرى من حوار, بعد أن سلّمت الإشكالية إلى المعترض.(4) فقد حاول تفريغ الإشكالية, بشكل سطحي, بدعوى أن الإشكالية تثبت الإمكان, واتهمنا بالقفز من الإمكان إلى الوقوع, وقد جرى هذا الحوار بيني, وبينه.

قلت له: لنبحث _ أوّلاً _ في الإمكان, وبعد ذلك في الوقوع, وفسرت له: أن الدليل العقلي, يجعل كل ذلك موقع الإمكان, بالإضافة إلى وقوعه, لغير الإمام, مما يثبت الإمكان.

فقال لي _ فوراً _: إنكم تستدلون على الوقوع بالإمكان, فكل شيء ممكن, ولكن, إذا كان غياب المهدي ممكناً, فهل يعني أنه واقع فعلاً, وعلينا تصديق ذلك؟

فقلت له: إنك تتكلم عن موضوع آخر؛ لأن اعتراضك الأساسي هو: عدم إمكان البقاء والغيبة, وقد أتيتك بدليل الإمكان, وهذه شواهد على الإمكان, فلم نقل: إن دليل الإمكان, هو دليل الوقوع حتّى تُشكل إشكالك هذا, إنما الإشكال عليك؛ لأنك نفيت الإمكان أساساً, وحين أتيتك بدليل الإمكان, بدأت تتهمني: بأنني اُريد أن أقنعك بالوقوع, من خلال الإمكان, وهذا هروب منك, وعدم وحدة موضوع, في الدليل والمدعى.

ولهذا فقد نجد داخلنا حساً معيناً, يقول لنا: إذا ثبت الإمكان, فلا يعني صدق قضية الغيبة, ونحن نقول به, وهو كذلك, ولهذا فإن صدق الغيبة, لا يستدل له بإمكانها, وإنما أنت, يا عقلي, قد استبعدت الغيبة بناءً على عدم الإمكان, وعدم الحصول, ولكن التأمل في المعلومات, يدل على الوقوع, وعلى الإمكان معاً, فيكون هذا الباب مسدوداً علينا, ولا يمكننا إيقاف قضية غيبة الإمام, من أجلها.

ولهذا ننتقل إلى المرحلة الثانية, وهي إثبات الوقوع, ومقدماته.

*   *  

الهوامش:

(1) إن هذه ظاهرة غير مفسرة - أصلاً - ولكنها واقعة - فعلاً -. وقد استغلّها الكثير من الدجالين, للترويج بين بسطاء المسلمين والدعوى بارتباطهم بالجن جسدياً, والحقيقة هي أن الارتباط - إذا حدث - فهو روحي, وملكوتي, ومن وجود غير الوجود الجسمي المعروف.

وبهذا يمكن تفسير قوله تعالى: ((وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإِْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً)) (الجن: 6). فالارتباط الملكوتي, أو الروحي, موجود, والتأثير, والتأثر موجود - أيضاً - كما تدل عليه النصوص الدينية, والدراسات الباراسيكولوجية الحديثة, التي قدرت إمكانية التواصل, عن طرق خارج جسد الإنسان. على أن قضية الارتباط بالجن, قضية غير ذات قيمة؛ لأن الجن مخلوق مكلّف مثلنا, فيه الجاهل, والعالم بخلاف الملائكة المكرمين. فدعوى الكرامات بالارتباط بالجن, قد تنقلب إلى عكسها؛ لأنها عبارة عن ارتباط بالجهل, والضلال, والظلام، في غالب أصحاب الدعوات العلنية بخلاف من لا يكشف ذلك لأنه يعرف أن هذا الأمر ليس بشيء تجاه كرامة الله.

(2) نشرت الأهالي المصرية في عددها يوم (23/10/ 2006م) على الصفحة الأخيرة, وصحيفة الوفاق/ علوم و تكنولوجيا/ السنة العاشرة/ العدد: 2634/ (الاثنين/ 29 رمضان/ 1427 - 23/ 10/ 2006م): خبرا ًبعنوان: تصميم جهاز يجعل الأشياء غير مرئية. قالت فيه:                                                  

(( نجح علماء أمريكيون وبريطانيون, في تصميم جهاز قادر على لعب دور رداء الإخفاء, وحجب الأغراض الموضوعة فيه عن الأنظار, عبر تقنية ثورية جديدة, تستند على تشتيت الضوء, ومنع الانعكاسات. ووفقاً لشبكة (سي ان ان) الأمريكية, فإن الجهاز عبارة عن خليط معدني خاص, يضاف إليه أجزاء من السيراميك, والتفلون, والألياف, وهو سيكون قادراً عند الانتهاء من تطويره, على إخفاء نفسه, والأغراض التي يحتويها, بالإضافة إلى ظله الخاص, بحيث يصبح من المستحيل رؤيته, أو الشعور بوجوده. وقال صاحب المشروع, (ديفيد شيوريغ): إن الجهاز يقوم ببعثرة الضوء, والتموجات المنعكسة عن الأشياء, وبالتالي يجعلها مخفية, حيث أن العين البشرية, تعجز عن رؤية الأشياء, إلاّ بعد انعكاس الضوء عليها. وأوضح أن التقنية, التي اخترعها, ترتكز على تركيبة معدنية خاصة, تختلف عن تقنية الشبح, المستعملة في بعض أنواع الطائرات الحربية, والتي تلجأ إلى تقليص مقدار انعكاس الموجات القصيرة, عن جسم الطائرات تفادياً لرصد الرادارات لها. وأضاف شيوريغ: أن التقنية الجديدة, تقوم على تغليف كامل للأغراض المطلوب إخفائها, بحيث تتشتت عنها التموجات الضوئية, بصورة مشابهة لما يحدث, حين تمر مياه النهر حول صخرة في وسطه... وذكر بأن الجهاز, نجح في تجربته الأولى, في إخفاء اسطوانة نحاسية, بشكل شبه كامل. ويسعى العلماء المشرفون على المشروع, إلى تحسينه في الفترة المقبلة, بحيث ينجح ليس في إخفاء الأغراض فحسب, بل وفي إخفاء الظلال الناتجة عنه. ويطمح الفريق العلمي, الذي صمم الجهاز, إلى تطوير نماذج مستقبلية منه, تنجح في إخفاء البشر, وبذلك يكونوا قد حققوا إحدى العجائب, التي طالما كان الناس يتندرون بها في القصص الخرافية.

(3) نشر موقع الـ (بي بي سي أونلاين) - في (4/ 1/ 2000م) - مقالاً بعنوان: طب المستقبل يهدف إلى خداع الموت, وهو تقرير يبيّن أن سرّ الموت, هو ما يجب إزالته, والتأثير عليه. جاء فيه: ترى كم سيكون عمر أطفال القرن الحادي والعشرين؟ لن يرضى الباحثون في مجال الطب, في القرن الحادي والعشرين – ببساطة - بمعالجة العلل, والأمراض فحسب, بل سيهدفون إلى خداع الموت ذاته, فقد أصبح العلماء الآن أقرب إلى فهم الآليات البيولوجية, التي تعمل على الهَرم, وتساعد على الموت. قبل عدة عقود, لم يكن أحد يفكر في أننا نستطيع زيادة سنوات العمر, وكان يعتقد أن فترة الحياة القصوى لبني البشر, تبلغ نحو مئة عام, ويرجع ذلك إلى ما يعرف بالساعة الجينية, التي لا تقبل التغيير, ولكن بعض الاكتشافات الحديثة, أجبرت العلماء, على إعادة النظر في نظرياتهم الخاصة بكبر السن. فقد عثر العلماء - بالفعل - على بعض الجينات, التي لها دور في تأخير عملية الهرم, في حيوانات المختبرات, وبعد عدد من التجارب على هذه الحيوانات:                                                                                                            

(( ذبابة الفاكهة تحدت الموت في المختبر:

تمكن العلماء من إيجاد سلالات فائقة, من الناحية العضوية, منها ذبابات الفواكه, التي يمكن أن تعمر ضعف حياتها الطبيعية المعتادة, وتموت وهي في كامل صحتها. وفي مختبر آخر, اكتشف العلماء فئراناً, يمكنها إعادة توليد أجزاء من أجسامها, وتصلح - باطراد - الأضرار, التي أفسدها العمر خلال عملية الهرم, وعلى الرغم من الجدل, الذي تثيره هذه الاكتشافات, فإن بعض العلماء واثقون من نتائج بحوثهم, ويمكن توسيع نطاقها لتشمل أجيال المستقبل, من بني الإنسان.

وقد نشر موقع الـ (بي بي سي أونلاين) - في (8/ 3/ 2001م) - مقالاً آخر بعنوان: إطالة عمر الديدان فأل حسن للبشر, جين إضافي يمد بعمر الديدان, جاء فيه:

تمكن فريق من العلماء من إطالة عمر بعض الديدان, مما قد يوفر مدخلاً, لمعرفة أسرار الشيخوخة لدى البشر. وقد وجد العلماء, أن حياة بعض أنواع الطفيليات, التي تسمى بالديدان المستديرة, تطول بمقدار خمسين بالمئة, عند إدخال جين مضاد للكبر, من الخميرة إليها, ويسعى الفريق العلمي, وهو من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا, في الولايات المتحدة, إلى إحداث تغيير في التركيب الجيني للفئران, لمعرفة ما إذا كان بالإمكان, الحصول على نتائج متشابهة, في حيوانات أكثر تطوراً من الديدان, وقد يوفر هذا البحث, أدلّة وراثية, توضح أسرار ظاهرة الشيخوخة, عند الإنسان, كما قد يسرع في إنتاج عقاقير, تساعد في تأجيلها, وتتلخص التجربة, بإدخال نسخ إضافية, من جين خاص بالخميرة, يدعى (سي آي آر) إلى الديدان. ويستند ذلك, إلى أن الخمائر, التي توجد فيها نسختان من ذلك الجين, تعيش أمداً أطول, من تلك التي لا يوجد فيها الجين نفسه.

الخمائر والديدان:

وقد تمكن فريق البحث, من إطالة مدة حياة الديدان, من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع, بإدخال قطعة مصنعة, من حامض (دي إن أيه) يتضمن جين الخميرة المذكور. ويقول ليونارد جوارنتي, الذي يقود فريق البحث: إنه في حالة إدخال قطعة إضافية من الجين إلى الدودة, فإن ذلك سيطيل من عمرها أكثر. وتعد النتائج, التي توصل إليها البحث مدهشة, إذا أخذنا بنظر الاعتبار, أن الطفيليات, رغم بساطة تركيبها, أكثر تعقيداً من الخمائر, ذات الخلية الواحدة. ويعتقد العلماء أن الشيخوخة لدى الكائنات المتطورة, بما فيها البشر, قد تكون مرتبطة بجينات مشابهة للجين موضوع البحث, ويعلق جوارنتي على ذلك بالقول: إن ما ينطبق على الخميرة, والطفيلي, ينطبق على جميع الكائنات؛ لأنهما ينتميان إلى فرعين متباعدين في شجرة الحياة.                              

(( الفئران أيضاً: ويجري الفريق - الآن - تجاربه على التركيب الوراثي للفئران, لدراسة ظاهرة الشيخوخة. ويعتقد بعض الخبراء, بأن البحث المنشور في مجلة - نيتشر - العلمية, قد يوفر مدخلاً لمعرفة شيخوخة البشر. ويرى ديفيد جيمز, من كلية يونيفرستي كوليدج, في جامعة لندن: أن البحث يوضح على الأقل, حقيقة اشتراك عدد من الكائنات, في الجينات التي تحدد ظاهرة الشيخوخة.

ونشر موقع الـ (بي بي سي أونلاين) - في (28/ 8/ 2001م) - تقريراً بعنوان: جينات مسؤولة عن طول العمر, يؤكد اكتشاف جينات العمر, وهي جينات تحدد العمر, يمكن التدخل فيها, لإيقاف أسباب الأمراض, والموت. وكان مما جاء فيه:

جزء بسيط من الشفرة الجينية يحمل مفتاح سرّ عملية:

قال علماء أمريكيون: إن دراسة جينات الأشقاء المعمرين, قد تساعد العلماء, على فهم ظاهرة طول العمر. وأكّد باحثون, يعملون في أربعة مراكز للبحوث العلمية, في الولايات المتحدة, أنهم توصلوا إلى تحديد شفرات جينية معينة, قد تلعب دوراً مهماً في الطريقة, التي يتقدم فيها البشر في العمر. وقام فريق العلماء بدراسة التركيبات الجينية, لمجموعة من الأشقاء, والشقيقات المعمرين, بلغت ثلاثمائة وثمانية أشخاص, عاشوا إلى عمر التسعين على الأقل, ومنهم من بلغ الثامنة والتسعين عاماً, فوجد العلماء, أن عدداً كبيراً من المعمرين, قد ورثوا مجموعة من الجينات في الكروموسوم الرابع. ويأمل العلماء, أن تساعد هذه النتائج, التي نشرت في مجلة أكاديمية العلوم القومية الأمريكية, على تحديد الجينات, التي يمكن أن تساعد في المستقبل, على التوصل إلى إيجاد علاج للأمراض, التي تظهر في سن الشيخوخة, مثل أمراض القلب, والزهايمر.

ليست محض صدفة:

وقال البروفسور لويس كونكل, الذي أشرف على الدراسة: إن نسبة وجود جينات مشتركة للأشقاء, بلغت خمسة وتسعين بالمئة, وهي نسبة لا يمكن اعتبارها محض صدفة. وأضاف كونكل: أنه من الواضح الآن, وجود علاقة بين طول العمر, والتركيبة الجينية للمعمرين. وأكّد أنه إذا كان هناك شخصاً واحداً, معمراً في العائلة, بلغ عمر المئة عام, فعلى الأغلب, سيكون له شقيقين, أو ثلاثة, يعيشون لعمر المئة, أيضاً. وفي الوقت, الذي يعتبر فيه هؤلاء الأشقاء, محظوظين لتوارثهم جينات تطيل من عمرهم, فهم محظوظون - أيضاً - لعدم توارثهم جينات أمراض قاتلة, مثل أمراض القلب, والجلطة, والسرطان, والزهايمر.                                                             

(( تحديات مستقبلية:

وقال كونكل: إن العمل الشاق, يبدأ الآن؛ لأنه يتوجب على العلماء, العثور على الجينات المسؤولة عن طول العمر, ضمن نطاق منطقة الكروموسوم الرابع, وهي عملية معقدة للغاية؛ لوجود أكثر من خمسمائة جين في تلك المنطقة. يذكر أنه, لم تقم أيّة محاولة في الماضي, لتمديد عمر البشر, عبر إجراء تعديلات جينية, ولكن العلماء يأملون التوصل إلى عمل ذلك, بتعديل عدد من الجينات, فقط. وقد تمكن العلماء - سابقاً - من تطويل عمر مخلوقات بسيطة التركيب, مثل الدودة الخيطية, وحشرة الفواكه.

هذا الهامش طويل جدّاً لا يمكن أن ينفع كثيراً. والقول بالبرهان المنطقي الكلامي أولى منه, إذ الأصل فيما خلق الله تعالى من الأحياء, الحياة, والموت طارئ يطرأ عليها, والله تعالى هو القادر على منعه عمن يشاء. وكفى بالله قادراً وقديراً.

(4) كما جاء في المقدّمة.

 

1/5/137801 تحرير علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك