الصفحة الفكرية

طائفية العقل العربي ومآسي الأمة....بقلم: الشيخ محمد سعيد المخزومي

2578 10:28:00 2013-03-14

لقد كشف الواقع المر الذي تعيشه الأمة الإسلامية عن حقائق كانت خافية على السذج من هذه الأمة وإن كانت واضحة للواعين المبصرين الحق والحقائق في جنح الظلام.

من تلك الحقائق هو الصمت العربي حيال ما يجري من تدمير كامل لبلد عربي كما يزعم زعماء التعرب، وبلد إسلامي كما يزعم دعاة التأسلم، وتعاون الجميع مع إرادة دول الهيمنة على العالم.

وقد ضج بعض الإعلاميين والسياسيين وبعض قطاعات شعوب المنطقة متسائلين عن سبب الصمت العربي والمباركة العربية لهذا التدمير الكارثي لهذا البلد العربي المسلم ؟

والقوم بين غافل ومتغافل لا يريد أن يعرف حقيقة هذا الصمت والتأييد لهذا العدوان، ذلك لأن الناس بالنسبة إلى الحقائق أصناف ثلاث نسبة إلى عقولهم وتعاملهم مع ما يرون ويسمعون. فالعقلاء الذين يحكّمون عقولهم حينما يصادفون حقا أو يلقون حقيقة فانهم يدركونها بمحض عقولهم ويسلمون بها تسليما لكونهم يحترمون عقولهم التي تدلهم على الحق والحقيقة والنجاح والتطور، والناس من هذا الصنف يمثلون (طبقة العقلاء) في المجتمع.

أما من يُغلّب هواه ويرجح عاطفته وميله على عقله فيكره الحق ويبغض الحقائق مع درايته بها، فيبرر بألف تبرير اللغة التي يتقنها، والمنطق الذي يسوّقه، والصنعة التي يروّج بضاعته بها، وعادة ما يشكل هؤلاء الطبقة المتميزة من الناس التي تعرف الحق وتحرّفه لغاية في نفسها وقناعة ببضاعتها، وهم تجار البضاعة المبطلة ويشكلون ( طبقة أئمة الضلال) وزعماء الشر، ورموز الباطل، وهي الطبقة التي تلتزم هذه الدعوة وتقاتل من أجلها ولو بخوض اللجج وسفك المهج. وفي هذه الطبقة الحكّام وأجهزتهم ومن يروج لهم ويسير في ركابهم على حساب الحق والحقائق من أئمة الباطل ووعاظ السلاطين. 

وصنف ثالث لا يُعمل عقله في الحياة ويفتقر إلى إرادة محبة الخير والحق، فيميل مع القوي ويتبع الغالب، فتراه ميالا مع كل موجة عاتية ولاهثا وراء كل دعوة تفرض نفسها بالقوة، والغلبة بالبطش، وعادة ما تمثل هذه الطبقة (طبقة الهمج الرعاع) من اتباع كل ناعق، وهي الطبقة الساحقة من المجتمع .

وبعد بيان طبيعة الناس مع الحق والحقيقة لابد من ذكر الحقيقة الجريئة التي لا تروق للطبقتين الأخريين من الناس.

الحقيقة التي تستأنس بها نفوس الملايين من الشعوب المحرومة المقهورة على مدى قرون بعيدة من الزمان، تقول: (أن تخلف الأمة الإسلامية من بعد أن أسسها نبي الإسلام إلى هذا اليوم يكمن في طائفية العقل العربي).

ولكي نتبين معنى وأبعاد طائفية العقل العربي لا بد من بيان المقدمات التالية كي نصل إلى النتيجة المنطقية، والحتمية التاريخية، والحقيقة الواقعية التي لا ينكرها ذو لب سديد وعقل رشيد، وهي أن ما يجري في لبنان والعراق وغيرها من بلدان العالم الإسلامي ليس إلا من فعل الثقافة الطائفية للعقل العربي الحاكم. وهذا يستلزم منا بيان المقدمات التالية:

المقدمة الأولى : التعريف العلمي للطائفية

المقدمة الثانية : نتائج العقلية الطائفية

المقدمة الثالثة : معنى العقل العربي

المقدمة الرابعة : حجم الكوارث الدالة على طائفية العقل العربي

المقدمة الأولى: التعريف العلمي للطائفية

إن معنى الطائفية في الاصطلاح العلمي هو: التعصب الأعمى تعصبا يسقط به الإنسان كل حق للطائفة الأخرى لصالح طائفته وإن كانت على باطل محض .

وقد حدد هذا المعنى حفيد رسول الله الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام حيث : سُئل علي بن الحسين عن العصبية فقال: (العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قومٍ آخرين وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ) ([1])

أما حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الصادق عليه السلام فقد قال:

( من تعصّب عصبه الله بعصابة من نار) ([2])

أما لماذا بعصابة من نار ذلك لأن المتعصب الطائفي أو القومي من عصائب إبليس الذي تمنطق بمنطق العصبية الجاهلية التي التزم باطل نفسه على حساب حق غيره فعصى ربه حينما أمره بالسجود لآدم فادعى أنه أفضل منه معللا فضله الكاذب بأنه من نار وآدم من تراب، والنار في منظوره وميزانه افضل من التراب، فتكبر على الله وموازين الحق وذلك حينما قال تعالى (إنّي خالق بشراً من طين فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلّهم أجمعون إلا إبليس ) .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام يعني: (إلا  إبليس اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله) .

ثم يبيّن الإمام عليه السلام موقع إبليس من أهل التعصب الطائفي والقومي والإقليمي وغيرها من موازين تمزيق الاجتماع الإنساني وتفتيت وحدة التجمع البشري على أسس مزيفة يضعها الإنسان لنفسه، فأوضح عن هوية إمام المتعصبين وقدوة أتباع السلف الفاسق قائلا:

( فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية وإدرّع لباس التعزز وخلع قناع التذلل ألا ترون كيف صغره الله بتكبره ووضعه بترفعه فجعله في الدنيا مدحورا وأعد له في الآخرة سعيرا) ([3]).

فإبليس إذن هو إمام المتعصبين الطائفيين والقوميين، والسلف الطالح للسلفيين من اتباع التعصب ضد الحق، وأهله  من أنبياء الله وخاتمهم والأئمة من أهل بيته عليهم السلام أجمعين .

وتلك حقيقة قد تشق على بعضهم ( وإن كانت كبيرة إلا على الذين هدى الله) ([4]) ولكنني قد بيّنت أصناف الناس بالنسبة إلى الحق (وما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تٌصرفون) ([5]) .

فحالة التعصب لباطل طائفته ضد الطائفة الأخرى وإن كان الحق معها، فيهظمها حقوقها ويظلمها وينتقم منها وينتقص من شأنها ويحرمها موارد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويضيّق عليها مصارد العيش الكريم، ويزجها في أتون الحروب المدمرة، ويستبيح نسائها، ويهدر دمائها، ويستحيي أعراضها، ليس إلا  لأنها تنتمي إلى غير طائفته، لأنه طائفته شعب الله المختار والطائفة الأخرى شعب يجب أن يحكم عليها بالدمار والهلاك والنار حسب ثقافته ونظره.

هذه العصبية الطائفية هي عين منهج إبليس الذي رأى انه أفضل من آدم لزعمه أن جنسه أفضل من الجنس الآخر حسب ما وضع من ميزان .

بالتالي فهذه الثقافة والفهم من المحرمات الشرعية ومن مصاديق التمنطق الجاهلي، ومن منطلقات مناهج القرون المتحجرة . ومن هذا يتبين أنْ ليست من الطائفية أن يحب الإنسان طائفته بل الطائفية أن يرى باطل طائفته حقا وحق الطائفة الأخرى باطلا، فيرتب عليه الآثار في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحيوية الأخرى .

المقدمة الثانية : نتائج العقلية الطائفية

بعد أن تبين التعريف العلمي للطائفية لابد من تحديد أبرز نتائج العقلية الطائفية وأبرز معالم شخصية الإنسان الطائفي. فصار ابرز معالم تلك الشخصية ما يلي:

أولا: منطق الأنانية

 ولأن الطائفي يرى أن طائفته الأفضل والطائفة الأخرى هي الأحقر بموجب ميزان يهواه هو ويحدده من عند نفسه، فقد صار الطائفي أنانيا محضا، ولأن الأناني لا يحب إلا نفسه فستكون من معالم شخصيته الأنانية الاستحواذ على موارد حياة الطائفة الأخرى لصالح طائفته.

ثانيا: ثقافة الحسد

 من ابرز معطيات شخصية الفرد الأناني والمجتمع الأناني هو الحسد حينما يرى خيرا أو تقدما من غيره، ولأن الطائفي أناني فهو يكره أن يرى خيرا أو تقدما أو تفوقا من الطائفة الأخرى سواء كان ذلك التفوق علميا أو عمليا، ثقافيا أو فكريا، اجتماعيا أو سياسيا أو غيره، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم حيث حسد قايبل أخاه هابيل لما رأى من تفوقه عليه ووجده موهوبا، صالحا تقبل الله منه تقربه إليه ولم يتقبل من قابيل ما تقرب به إليه، فحسده وكره أن يراه متقدما عليه فقتله فحكى الله هذه القصة لكي يعتبر بها بني البشر فقال: (واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين .إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) ([6])

من هنا يتبين أن ثقافة الطائفيين هي الحسد. 

ثالثا: حب الرئاسة

 لأن العصبية الطائفية من موروثات الطباع الأنانية التي يترتب عليها الحسد، ومن معطيات الحسد أن يكون صاحبه متهالكا على حب الرئاسة ولو على جماجم الناس الأمر الذي يفرز ثقافة القتل وممارسة الإبادة ول انتهاج سياسة الذبح للطائفة الأخرى التي يبغضها الطائفي الحاسد. من هنا تجد الطائفي سفاكا سفاحا دمويا مستبدا .

رابعا: ثقافة العنف

 ثم يترتب على حب الرئاسة أن يكون صاحبها متفانيا من أجلها وهذا ما يجعله رجلا عنيفا في كل شيء، ولا يقف عنفه عند حد معين ذلك أن العنيف عادة ما يبرر لعنفه، فيرسم للعنف ثقافة وللتطرف فكر وللإقصاء مناهج، وما ذلك إلا  من معطيات التعصب الطائفي.

خامسا: منهج التكبر والاستكبار

 ثم يترتب على حب الرئاسة وثقافة العنف أن يحلم الطائفي بسبب أنانيته وحسده الآخرين ليصبح جبارا عتيا ومستكبرا عاليا في الأرض مفسدا فيها يهلك الحرث والنسل.

سادسا: منهج الهيمنة والاستحواذ

أضف إلى انه يتشعب على حسد الطائفيين أمرا آخرا وهو الاستحواذ على الثروة والملك، لأنهم يرون أنفسهم المالكين للنفوس والأنفاس والرقاب والمهيمنين على المال والرجال، وعليه فيحرم المتعصبون الطائفيون كل من لا ينتمي إلى طائفتهم من كافة حقوقهم في الحياة.

سابعا: ملكة الثرثرة وحب الكلام

 كذلك فيتشعب من استكبار الطائفيين صفة أخرى وهي حب الثرثرة والكلام، لما يرون في أنفسهم أنهم الأعلون في الأرض والمالكون للمال والرجال فتجدهم كثيري الكلام والسفسطة، حيث كثرة الكلام والسفسطة من نتائج قتلهم الرجال الأكفاء وحسدهم أهل العلم والمعرفة، ولأن الطائفي خالي الفكر خاوي المعرفة، ثم يريد الحكم والهيمنة، فتستفحل عنده عقدة الحقارة، فيجد نفسه أمام ضرورة خداع الناس ليوهمهم انه فيلسوف يفهم وهؤلاء هم المعرفون بالمتفيهقة الذين يريدون أن يستميلوا الناس إليهم بالكلام الفارغ والشعارات الطنانة والعبارات المنمقة الجوفاء.

ثامنا: التطبع بطابع الحمق والرعونة

لأن الطائفي أناني، مستبد، مستكبر، ثرثار، وخال من المعرفة جاهل من الناحية العلمية، وإذا اجتمعت هذه الصفات مع ولوعه بالحكم فيكون عندها الطائفي أحمقا يريد أن ينفع فيضر، ويسعى لأن يعمر فيخرب، فيتخبط تخبط الأعمى الذي يرى نفسه ابصر المبصرين، وتلك هي من أبرز نتائج التعصب عند الطائفيين، فتصبح مشاريعهم السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها مشاريع نابعة عن استبداد ورعونة فلا تنتج إلا  الحروب ولا يسوقون البلاد إلا إلى الخراب والدمار .

تاسعا: العمل على قتل حركة التنمية الإنسانية

 من مجمل المعطيات السابقة لشخصية الطائفيين وفكرهم فإنهم يعملون من حيث يعلمون أو يجهلون على توقيف حركة التنمية الإنسانية في المجتمع الذي يكون تحت هيمنتهم، ذلك أن أنانية الطائفيين ورعونتهم واستبدادهم وحقدهم على الإنسان وحسدهم المتفوقين تدفعهم لقتل الطاقات وإقبار الكفاءات وإماتة الإبداع وملاحقة المبادرات لأنها تصدر من الإنسان الآخر الذي لا ينتمي إلى طائفتهم. هذا فضلا عن سياسة الحروب المدمرة ومناهج الإقصاء والإبادة للمجتمع الإنساني للطائفة الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى تدمير التركيبة السكانية أولا، وقتل التنمية الإنسانية، وما يعقب ذلك من الأمراض النفسية الفردية والاجتماعية، بسبب ما تخلفه من أرامل وأيتام وفقر ومرض وعوز وبالتالي توقف الحركة العلمية في المجتمع وما ذلك إلا  بسبب سياسة الطائفيين وثقافة التعصب ومناهج الإقصاء والاستبداد.  

عاشرا: الطائفية مجمع القبح الفكري ومرتكز الرذائل

قد يتعجب البعض من قولنا أن الطائفيين مقبوحين بالدرجة الثانية بعد الكفر بالله تعالى ورسوله، فنقول له لأن الطائفية تعني التعصب ضد الحق وإن كان من الطائفة الأخرى، وتعني محبة الباطل لأنه صادر من طائفة الطائفي، وكانت ثقافة الطائفيين ثقافة إبليس ولا أحد من الناس ينكر أن إبليس كان وما زال يمثل رأس الكفر على الأرض وإمام الكافرين المتمردين ضد الحق والحقيقة، وشيخ المتعصبين للباطل، من هنا صارت الطائفية مجمع الرذائل ومرتكز الخبث، لأن الطائفي لا يفكر بمصلحة الإنسان ولا ينظر إلى الامور إلا  من زاوية التحزب للذات والتمحور على بغض الحق .

ومن الجدير بالذكر أن أئمة  أهل البيت عليهم السلام كانوا قد بيّنوا لكل شيء في الحياة اصله وفرعه وما يتفرع منه ويترتب عليه . من هنا كانت ثقافة الإسلام الذي أصّله أهل البيت عليهم السلام هو الإسلام الذي يمثل الرسالة الكاملة التي أرادها الله تعالى من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد سُئل الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام:

(أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل ؟

فقال ما من عمل بعد معرفة الله جل وعز ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا :

فأول ما عصي الله به :

·       الكبر: وهي معصية إبليس حين " أبى واستكبر وكان من الكافرين " .

·  والحرص: وهي معصية آدم وحواء حين قال الله عز وجل لهما " فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.

·  ثم الحسد: وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة ) ([7])

وقد بيّنا أن ثقافة الطائفيين هي ثقافة الأنانية والحرص والحسد وحب الذات فصارت ثقافية الطائفيين مجمعا للرذائل في الممارسة والفعل ومرتكزا للتصرف بأقبح ما يهين للإنسان ويشين للإنسانية .

·  الخذلان والتخاذل : فالأنانية التي تهيمن على نفسية الفرد أو المجتمع الطائفي تدفعه إلى خذلان الحق، لأنه قد اعتاد خذلان الحق وممارسته بشكل عملي مع الطائفة الأخرى فتتكون عنده بالتطبع مَلَكَة الخذلان مع الحق حتى مع أبناء طائفته حينما تواجهه قوة أعتى منه ذلك لأن (الشر لجاجة) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك إذا اعتاد الإنسان أو الحزب والجماعة على اللجاجة بممارسة الشر مع الطائفة الأخرى ويكثر خصامه معها فستتحول تلك اللجاجة من حيث يعلم أو لا يعلم إلى طبع شرير يخالف الطبع الإنساني المجبول عليه .

ومن تلك الطباع الشريرة هي التطبع على خذلان الحق مع الطائفة الأخرى وتحويله إلى باطل دوما، حتى يصل الأمر به إلى خذلان الحق حتى مع طائفته حينما يدور الأمر بين ضعفه وقوة غيره فيؤثر أنانية نفسه والحفاظ على مكاسبه السياسية وبقاءه على السلطة والحكم على حساب الحق حتى مع طائفته وجماعته وبني قومه.

ولذلك فقد نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن اللجاجة في ممارسة الشر وحذر من مغبة التعود عليه فقال: ( تجنب من كل شر أسوأه وجاهد نفس على تجنبه فإن الشر لجاجة) ([8]) 

حادي عشر: الطائفية مبعث الجهل والتحجر

لأن الطائفية خلاصة الفكر الأناني عند البشر ومجمع العقد ومرتكز كل رذيلة تهتم في بغض الإنسان الآخر وكما عرفنا فقد كان من معطياتها قتل التنمية الإنسانية، مما يجعل من الطائفية الوجه الأبرز لأبشع مناهج الجهل وأظهر معالم  بعث التحجر والتقهقر في المجتمعات الإنسانية.

وحيثما وجدت حاكمية الطائفيين في مجتمع ما تجد الجهل الفكري والتردي الثقافي والحرمان الاقتصادي، وكثرة السجون المظلمة، ومفارم لحوم البشر، والمقابر الجماعية، وحمامات الدم .

أما إذا خرجت من أيادي الطائفيين السلطة والحكم فلا يجدون من ثقافة يتعاملون بها مع الإنسان الآخر إلا  ثقافة التدمير والمفخخات وشلالات الدم، وهذه هي طبيعة ثقافة الطائفيين ومناهجهم في الحياة وسبلهم في التعامل السياسي كما هو حال العراق اليوم .

 ثاني عشر: الطائفية مبعث التخلف الحضاري

بسبب الفكر الأناني الذي يحكم أدمغة الطائفيين تجد منطلقاتهم تقول (إما أنْ أكون أنا في الحكم وتكون طائفتي المهيمنة والمستحوذة على كل شيء، وإما أن أمحو البشر وأبيد الشجر وأفني الحجر) وقد قال شيخ طائفية المشروع القومي العربي في عراق القيم والمقدسات وبلاد الحضارة والتحضر (إذا أرادوا أن يأخذوا العراق منا فسوف يستلمونه أرضا بلا شعب) ومن هذا فليفهم العالم ثقافة الطائفيين .

من هنا يتبين للإنسان والتاريخ أن الطائفيين يريدون تدمير الحياة التي أمر الله تعالى بعمارتها، وباحترام الإنسان فاعتبر قتل إنسانا واحدا معادلا لقتل الإنسانية كلها. وبالتالي فإن ثقافة الطائفيين ثقافة التدمير ومنهجهم منهج التحجر بذاته ويريد للإنسانية التخلف، وللإنسان التحجر كذلك.

وهذه الصفات بأجمعها إضافة إلى غيرها مستفحلة في (طائفية العقل العربي) كما سنبين ذلك فيما بعد.

المقدمة الثالثة: معنى العقل العربي

قلت في مبدأ البحث أن سبب تخلف هذه الأمة الكثيرة في الموارد، المترامية في الأطراف، الوفيرة في العدد هو (طائفية العقل العربي)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك