دراسات

الزعامة بين الديني والسياسي دراسة موجزة في ضوء قضية التوريث

7503 12:14:00 2009-11-25

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

توطئة:بعد نشر دراستي الموجزة المعنونة (سقوط الملكيات القبلية وظهور الجمهوريات الوراثية) وردتني رسالة من الولايات المتحدة تطلب ان اكتب في (التوريث) عند آل الحكيم وعند آل الصدر بالتحديد، ربما الطلب يحمل تساؤلا لاعتبار ان بعض شخصيات هذين البيتين (مثل عبد العزيز الحكيم رحمه الله ثم ولده عمار ومقتدى الصدر) ظهرا كقيادتين سياسيتين في الاونة الاخيرة، وهذا التساؤل لم يطرح علي الان ولكن سبق وان طرح سابقا من بعض الاخوة في احدى جلساتي في لندن، متجاهلين فكرة موقع هذه القيادة هل هي دينية ام سياسية؟ حيث هناك معايير وفروقات بين هذه وتلك، هذا غير فكرة امكانية الجمع بين هاتين القيادتين (الدينية والسياسية) في ظروف تاريخية من عدمه. وقد وعدت ان اجيب عن الموضوع معتمدا على تحديد المفاهيم الخاصة لكل نوع.الزعامة الدينية:لم تعرف الزعامة الدينية عند الشيعة الامامية توارثا داخل البيت الواحد الا فيما ندر، فما عدا قضية الامامة عند الشيعة الامامية الاثني عشرية وهو ليس مدار البحث، فان المرجعية الشيعية ومنذ تأسيس الحوزة العلمية في النجف الاشرف قبل اكثر من الف عام على يد شيخ الطائفة (ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت 460 هـ/1067م) الذي آلت اليه المرجعية بعد استاذه علم الهدى الشريف المرتضى (علي بن قاسم بن احمد الهاشمي الذي يعود نسبه الى الامام موسى بن جعفر الكاظم ت 436 هـ/1044م) الذي هو الاخر تلميذ الشيخ المفيد، (محمد بن محمد بن جابر المعروف بابن المعلم والملقب بالمفيد ت 413 هـ/1021م) وحتى الان كانت زعامة الحوزة العلمية سواء في النجف او كربلاء او الحلة او سامراء او الكاظمية تنتقل من الاستاذ الى افضل واعلم تلامذته الذي يحوز الشروط المتفق عليها والتي اولها العلم والفقاهة والزهد والتقى، وكان التلامذة ينتمون الى بيوتات مختلفة بل بلدان مختلفة ( لم يكونوا كلهم من اهل البيت اي من السادة بل الكثير منهم من كان من المشايخ ولكنهم كلهم كانوا اعلام عصورهم)، ونادرا ما كانت زعامة الحوزة تنتقل من الاب الى الابن وذلك لم يكن يحدث الا عند توفر الشروط العلمية في الابن بشهادة الاعلام. أما في الوقت الحاضر فان الزعامة الدينية في حوزة النجف الاشرف فهي مناطة بالسيد علي بن محمد باقر السيستاني ادامه الله (ولد سنة 1349هـ/1930م) وهو من اعلام تلامذة السيد ابو القاسم بن علي اكبر الخوئ (ت1413 هـ/ 1992م) الذي آلت اليه المرجعية بعد وفاة السيد محسن الحكيم (ت 1390هـ/ 1970م) رحمة الله عليهم اجمعين، ومن هنا نرى انه لا يوجد توارث فكل واحد من هؤلاء كان تلميذا لاستاذه مما ينفي فكرة وجود توارث عائلي الا اذا اعتبرنا انتسابهم لاهل البيت عليهم السلام.لاشك ان الكثير من غير المتابعين لايدركون ان المرجعية الدينية في الحوزات العلمية والتي هي بمثابة (معاهد وجامعات) لا تلتزم بالتسلسل العائلي ولكنها تعتمد التسلسل العلمي (وهذا لايحدده مكان او عرق او جنسية العالم) حيث ان من اولويات الاتجاهات العلمية عند الشيعة الامامية الاثني عشرية هي المعايير العلمية مقرونة بالتقوى والزهد والعفاف وطهارة اليد وهو المتبع في تاريخ الشيعة العلمي منذ بداية الغيبة الكبرى سنة (329 هـ/940م) على صاحبها افضل التحايا والسلام.والمرجع لا يكتسب مرجعيته الا بعد حصوله اصلا على مرتبة الاجتهاد (تعطى له بعد الكثير من التمحيص والتدقيق من قبل اساتذته فيمنح الاجازة) مما يعني مقدرته على استنباط الحكم الشرعي (وهو يختص بالفروع حيث لا استنباط في الاصل) كما جاء عن الامام جعفر الصادق قوله لاحد تلامذته: " علينا التأصيل وعليكم التفريع "، مما يؤكد حرية العمل العقلي في مناهج الشيعة الامامية وسنعود لبحث ذلك في بحوثنا التشريعية القادمة.

الزعامة السياسية:قلت منذ البداية انه ثمة خلط في المفاهيم والمعايير عند البعض بين تكوين الزعامات الدينية والزعامات السياسية، ومن هنا يطرح تساؤل ما الموجب في ان يرث عمار الحكيم والده المرحوم السيد عبد العزيز بن محسن الحكيم (ت1431هـ/ 2009م) في قيادة المجلس والائتلاف؟ وايضا كيف يصبح مقتدى الصدر محل والده (الشهيد محمد محمد صادق الصدر ت 1999).إن هذا النوع من الزعامات اذا جاز لنا تسميتها بالزعامة فانما هي زعامة سياسية لا غير فكل من السيدين عمار الحكيم ومقتدى الصدر لم ينالا مرتبة الاجتهاد، وبذا لايمكن اعتبارهما مرجعين دينيين وكلاهما يعترف بمرجعية السيد علي السيستاني، واما لباسهما الديني فهو بسبب انتمائهما العائلي لعائلة دينية تعلم اولادها المناهج الدينية، وهو ايضا نوع من التقليد الاسري عند كل من عائلتيهما.نفس الكلام ينطبق على عدد كبير من الساسيين المعممين او الذين يعودون لاسر علمية مثل اياد جمال الدين وآخرين حيث ان ذلك يعود للتقاليد الاسرية في الاحتفاظ بالزي الديني، وهنا تجدر ملاحظة قضية مهمة بالنسبة للمرتبة العلمية حيث ان الانشغال المستمر بالعمل السياسي كقيادة حزب او كتلة سياسية او الانشغال بتنظيم ما فان هذا الانشغال يبعد صاحبة عن مقاعد العلم والتواصل بالبحث العلمي في مختلف العلوم التي تؤدي الى الحصول على مرتبة الاجتهاد فكما معروف ان بعض الدورات الكاملة لعلم من العلوم تستغرق بحدود عشرين عاما ومن هنا نجد ان القلة القليلة من المجتهدين من اتاحت له عبقريته ان ينال الاجتهاد مبكرا في حين ان 98% من المجتهدين نالوا الاجتهاد بعد الاربعين او بعد الخمسين من العمر مع الاخذ بنظر الاعتبار انهم يدخلون الحوزات وهم صغارا قبل المراهقة اكثر الاحيان.الجمع بين الزعامتين الدينية والسياسية:من الناحية الشرعية لايوجد مانع شرعي او فقهي يمنع من الجمع بينهما إذا توفرت الشروط لكل منهما، فالاصل في الحكم الاسلامي هو ان يكون الحاكم حاكما دينيا ومدنيا في آن وهو ما قامت عليه دولة الرسول الخاتم منذ تأسيسها في المدينة المنورة قبل ان تصبح الخلافة والامامة ملكا عضوضا على يد معاوية بن صخر بن حرب الذي عرف بابن ابي سفيان (ت 60 هـ/679م) وهو نفس ما جرى عليه بني العباس منذ تاسيس دولتهم سنة (132 هـ/749م)، والذي اصبح سائدا في الممالك الاسلامية حتى نهاية الدولة العثمانية (1341هـ/1923م) على يد مصطفى كمال اتاتورك (ت1357هـ/ 1938م).لاشك ان الظروف التاريخية الحالية تمنع أو تعيق ظهور مثل هذه الزعامات الشمولية ولربما لو بقي الشهيد السيد محمد باقر بن حيدر الصدر رحمه الله ( اعدمه صدام سنة 1980) أوالشهيد السيد حسن بن مهدي الشيرازي (اغتالته المخابرات العراقية في لبنان/ بيروت سنة 1980) او الشهيد السيد مهدي بن محسن الحكيم (اغتالته المخابرات العراقية في السودان/الخرطوم 1988) وليس آخرا الشهيد محمد باقر بن محسن الحكيم (اغتيل في تفجير ارهابي لسيارة مفخخة في النجف في 29/8/2003). لربما كان من المحتمل ان تظهر قيادة تجمع الفكر السياسي والديني في ذات الوقت لما عرف عن هؤلاء بالاجتهاد والبحث العلمي اضافة الى مشاركاتهم السياسية حتى ادى ذلك لاغتيالهم على يد السلطات البعثية في تلك المرحلة.من هنا نجد ان العوامل التاريخية والسياسية تمنع من استنساخ التجربة الايرانية في العراق، وقد سؤلت مرة من قبل بعض السياسيين العراقيين حول هذا الموضوع فكان ردي على هذا التساؤل:" ان التجربة التاريخية المعاصرة في العراق ستنحو منحا يعيق هذا الاتجاه على الاقل في المستقبل المنظور". لاشك ان العراق المعاصر يعيش تزاحما فكريا وسياسيا واجتماعيا على اعلى المستويات ربما بشكل لم يعرفه التاريخ الحديث مما يعني أن طرح اي مشروع من المشاريع السياسية سيؤدي بالتالي الى وجود ممانعة من الاطراف التي لاتؤيد هذا المشروع، وبالتالي سيتاثر الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي على السواء من جراء هذه الطروحات ما لم تتوفر العناصر التاريخية الممكنة لتنفيذه وهي غير متوفرة في الوقت الحاضر على الاقل.

ا.د. وليد سعيد البياتيdr-albayati50@hotmail.co.ukرئيس ومؤسس الاتحاد الشيعي العالمي (اتشيع)المملكة المتحدة - لندن24/تشرين الثاني/2009

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عزيز الخزرجي
2010-02-15
لا فرق بين آلسياسة والدين يا أخي؟ إنها دسيسة الأستعمار و المنتفعين لفصل الدين عن السياسة لأمتصاص خيرات الشعوب و إدامة التسلط عليهم. و هذا رأي أكابر علماء الامة أمثال آلفقيه آلكبير كاشف الغطاء و السيد ألفيلسوف محمد باقر آلصدر و السيد الامام الخميني و قائد الامة السيد آلخامنئي و آية آلله آلهاشمي , و ليس رأي أنا فقط , كما نرجوا من الكاتب إنْ أراد التعمق في فكر أهل آلبيت و روح الاسلام أن يراجع مقالنا آلاخير (ماذا نقول لأبنائنا)؟ وكذلك نظرية القيادة المرجعية عند آلشيعة , أتمنى التوفيق لجميع.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك