دراسات

سقوط الملكيات القبلية وظهور الجمهوريات الملكية

7511 23:25:00 2009-11-13

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

توطئة:تشكلت الملكيات على مر التاريخ وفق نظام قبلي تركز في الشكل العائلي عبر منظومة التوارث التي مثلت اهم اتجاهات تسلسل الحكم، مما أسس على الدوام لوصول شخصيات لاتتمتع بالكفاءة والمقدرة على الحكم على الرغم من احاطتها دوما بعدد من المستشارين والخبراء الذين كانوا يمثلون دائما مصالحهم الشخصية مما يعني تحول الحكم الى اداة لتحقيق الاطماع الانية وتكريسا للشخصية الفردية على حساب الامة، وهذا سيعني طغيان الحاكم (الملك) بمعية مستشاريه. لقد كانت الملكيات ولا تزال ابعد ما يكون عن مصالح الامة التي تتضارب بشكل مستمر مع مصلحة البيت الملكي الساعي الى الاستمرار في السلطة.ولم يخلو التاريخ الاسلامي من هذا الاتجاه السلطوي الذي قامت عليه الممالك منذ ان تحولت الخلافة والامامة الى ملك دنيوي وإن قامت على مفاهيم الدين، غير انها حرفت هذه المفاهيم بما يتناسب ومصلحة الملك الذي تسمى بالخلافة تجاوزا على المفهوم القرآني لها.إن النظرة العامة للملك باعتباره منهجا الهيا لادارة الافراد حين يصبح الملك ممثلا للارادة الالهية على الارض، هو في الواقع تفسيرمن خلال رؤية (تاريخانية) لتبرير تسلط احد الافراد على المجتمع وبالتالي تكريس هذا التسلط ليكون فعلا مستمرا داخل حلقة العائلة التي ستمثل احد اشكال المنظومة القبلية .فالقيمة العليا للملكية تحددها القدرة على الاستمرار في الحكم داخل العائلة الواحدة وفي حالة ظهور بعض اشكال الصراع ستتمثل في الحكم داخل منظومة القبيلة، ومن هنا فان رؤساء وزعماء القبائل عادة يتصرفون كملوك صغار، باعتبار ان الحفاظ على زعامة القبيلة هو من من اشكال الحفاظ على الملك. ومن هنا تجد العبيد والخدم والتسلسل الترتيبي في القرب او البعد عن شيخ العشيرة وطبقة المحيطين بالشيخ وكلهم من اصحاب الاملاك وكبار المزارعين والتجار وحتى بعض رجال الدين ممن لهم مصالح مباشرة في استمرار الشيخ بالحكم كمثل حال الملوك مع تغيير بسيط في المسميات وفق الحالة الزمانية والمكانية لكل منهم.تهافت عقيدة النزعة الالهية في الحكم الملكي:لعل اكثر الاتجاهات فسادا هي تلك الساعية الى تبرير الحكم الملكي باعتباره ممثلا لارادة الله على الارض، في حين ان الله يقول: " قالت ان الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون ". النمل/34. فالفساد واذلال الشعوب هو من اشهر صفات الملوك، وعندما قالت ملكة سبأ ما ذكره الله عن لسانها هو لاشتهار هذه الصفات عن الملوك بين الناس، وهذه الصفة ليست صفة آنية ولكنه صفة للاستمرار، اما اشتراطها فتحدده قضية دخول الملوك للقرى اي احتلالهم لاراضي الغير. وتأكيد ذلك في قوله: ( وكذلك يفعلون). ولما كانت النزعة الى الفساد هي موقف بشري باعتبار ان الله عزوجل لا يصدر عنه الفساد كما لايصدر عنه الشر، فالملك مع انه استخلاف اللهي: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير ". آل عمران/26. الا انه لايعني وجود نص الهي بتسمية فلان للحكم، ولكن الخالق يهيء الظروف الموضوعية العامة ويترك للناس حرية الفعل. فتحول بعض الافراد ليكونوا ملوكا هو نتاج لصراع الطبقات وتغلب القوة في فرض السلطة.فملوك مثل ملوك السعودية والاردن والمغرب (والبحرين المتحول من الامارة للملك ومن يسمون جزافا بامراء الخليج) ليسوا ملوكا بالنص الالهي (كداود وسليمان) عليهما السلام، ولكنهم ملوك بالغلبة والقهر ونتيجة لصراعات سياسية وقبلية ودينية استغلتها الحقبة الاستعمارية التي ظهرت بعد الصراع بين الممالك الاوربية الذي اوجدته الثورة الفرنسية، وظهور مرحلة الاستعمار اثر ما يسمى جزافا بالثورة الصناعية وحاجة هذه الدول الاخيرة الى اسواق تجارية ادت الى توسيع مستعمراتها اضافة لحاجتها المستمرة لحلفاء دائمين في تلك المناطق، هذا غير الحاجة الى الايدي العاملة الرخيصة، فالحكم الملكي اذا لم يكن له علاقة بالشأن الديني، ولكن تم استغلال الموقف الديني لتعلق العقل العربي بالدين لوجود تلك المراكز الدينية العريقة في الاماكن التي انشأت فيها الملكيات.لاشك ام محاولة استغلال مفاهيم الملك الالهي وتطبيقها عشوائيا على الملك الدنيوي انما هي محاولة لتبرير كل الجرائم التي ترتكب باسم الدين وحرف العقل الجمعي عن القيم الالهية الحقيقية ليصبح الملك ممثلا لله على الارض وان افسد وقتل وانتهك الاعراض وشرب واكل الحرام، وهو نفس المنهج الذي اوجد السقيفة وقضية الشورى والتي كانت اساسا للدولتين الاموية و العباسية، التي اتخذت الخلافة ملكا مستندة في ذلك لفقهاء قالوا بنظرية (الجبر والتفويض) خلافا للنص الالهي حيث اعتبروا ان الانسان مجبرا على فعله او مفوضا تفويضا مطلقا من الله في التصرف بالحياة دون رأي للارادة الالهية.هذا الاتجاه كان منشا لفساد الحكم ولظهور ملوك القهر والتعنت ولتكريس الانحراف عن الحق الالهي، من هنا تظهر حتمية زوال هذه الممالك باعتبارها حتمية تاريخية وقبل كل شيء باعتبارها حتمية الهية وفق السنن القائلة بزوال الامم.لاشك ان ما يحدث الان من صراع تقودة الحركة الوهابية ضد العالم الشيعي وبوادر انهيار المملكة في صراعها ضد اتباع المذهب الزيدي من الشيعة سيكون حجر الاساس في انهيار مملكة ابن سعود ومؤشرا لبداية نهاية الانحراف الوهابي.من جانب آخر امارات الخليج تعيش كلها مرحلة التحول لاثبات قدرتها على البقاء ومن هنا نجد ذلك التوجه للمصالحة مع اسرائيل عبر عروض رياضية وتجارية ومحاولة البقاء في مركز التفاعل لان اي خروج جزئي او الوقوف خارج معادلات اللعبة السياسية سيعني بداية السقوط وفق المفهوم السياسي.جمهوريات اشبه بالممالك:لعل احدى اشكاليات الجنس البشري تلك النزعة اللامتناهية بالتسلط، والرغبة بالحكم، فالقوة الجسدية، القوة العقلية، الثراء، والرغبة الشديدة بالتملك وقضايا نفسية واجتماعية تدفع الافراد للتسلط والهيمنة، فالاثرياء يريدون السلطة السياسية والعسكرية، واذا نالوها طمعوا في المزيد، حتى يريد الحكام ان يصبحوا أمراء، والامراء يسعون ليكونوا ملوكا، والملوك يقاتلون من ان يكونوا اباطرة، وهؤلاء يدفعون كل شيء كي يخلدوا حتى وان خلودا بالدماء. لكن الحكام يقفزون دائما على هذا الترتيب ويريد احدهم ان يصبح امبراطورا ومخلدا بنفسه أو عبر ذريته حتى وان كان رئيسا لدولة كبيرة او اخرى بحجم قلامة الاظفر. فاذا كان التوريث السياسي قضية تاريخية فهو في ذات الوقت نزعة نفسية اقرب الى اللوث العقلي منها الى الاتجاه السليم في التفكير العقلاني، ولعلها نتاج لقضية الخلود والرغبة اللامتناهية بالاستمرار.ففي الوقت الذي تسجل حركة التاريخ مرحلة انهيار الممالك نرى الكثير من الجمهوريات وخصوصا في الشرق وبالذات الجمهوريات العربية تحاول ان تحل محل الممالك عبر استنساخها لفكرة التوريث ولعل تدشين الجمهورية السورية لهذه التجربة الاستنساخية دفعت العديد من الحكام العرب لخوض نفس التجربة ويبدو ان صدام حسين كان يسعى هو الاخر لتحقيق ذلك الحلم بالاستمرار.أن محاولات التوريث الجمهوري في مصر وليبيا واليمن تكشف عن نزعة في خوض تجربة الاستمرار عبر الجيل الجديد المتشبع بالفكر الغربي والراغب في رفع الحاجز بين المجتمع العربي واسرائيل تمهيدا للاندماج الكامل وفق الطروحات الامريكية - الاسرائيلية المتمثلة بأوهام ما يسمى (بعملية السلام).لم تكن خطة السلام إلا جزء من خطة اكبر تسعى الى إيجاد حالة من الفراغ في الذهن العربي ليبقى في تردد بدلا من حسم الامر نهائيا لصالح المقاومة، ومن هنا لم تحسم عملية السلام ولن تحسم ابدا حيث ان الغاية من الامر ليس ايجاد او احلال السلام بين العرب واسرائيل في موقف تعادلي متوازن ولكن الغاية الاساسية تكمن في ابقاء العقل العربي والوعي الجمعي بعيدا عن حقيقة المقاومة كحل وحيد للقضاء على اسرائيل والخروج من المأزق التاريخي الذي شكلته اتفاقيتي سايكس - بيكو ووعد بلفور.من هنا كانت مهمة ايصال الجيل الثاني من التوارث الجمهوري ليتكامل مع التوارث الملكي مما سيعني اتخاذ قرارات عربية علنية لصالح اسرائيل، تشكل حسما نهائيا من وجهة نظر اصحابها متناسين موقف السنن الالهية من عملية الصراع الذي سيتمثل بالحسم النهائي على يد المستضعفين وليس على يد الاقوياء.الجمهوريات والممالك وجغرافية الصراع:ان وقوع كل من مصر وسوريا وليبيا على البحر المتوسط اضافة لحدود غزة فهذا سيعني ان معظم حركة الصراع ستكون في حوض المتوسط على الاقل من وجهة نظر بعض المحللين، غير ان حركة التاريخ الاسرائيلي تسير نحو الشرق باتجاه حدود الفرات مما سيعني الاردن والسعودية وبقية امارات الخليج، وهكذا تحصل اسرائيل على دعم جمهوريات التوريث وممالك النفط، ولايمكن تغييب العراق او ابعاده خارج هذه المعادلة بإعتباره احد اهم حدودها، بل انه القاسم المشترك في عملية الصراع، فهناك نزعة سياسية في العراق للاعتراف باسرائيل وإن كانت هذه النزعة تختفي حاليا تحت ستار الوطنية، او لانها تختبيء خلف الصراعات السياسية الانية فالكثير من الاحزاب والسياسيين مستعدين لتوقيع اتفاق مع اسرائيل ان كان ذلك سيؤدي لتحقيق مطامحهم السياسية في السلطة والحكم.لاشك ان موقع العراق الجغرافي بين عروش الممالك وعروش جمهوريات التوريث وهو بهذه الحالة من الضعف السياسي والاقتصادي سيعني تأثره بكلا الاتجاهين بشكل أو بآخر، وبالتالي فان مستقبله السياسي سيتوقف كثيرا على هذه التأثيرات مما سيعيق وصول قيادة واقعية وقوية للحكم، او انه سيؤخرها، مما سيعني المزيد من الصراعات والدماء وتأخر عجلة التطور، وربما ظهور عناصر جديدة في عملية الصراع.من المؤسف ان تكون ادارة عملية الصراع خارج الجميع ممن ذكرنا وان كانت المواقف والنسب تتفاوت، إلا ان تأثيرات الداخل ضعيفة اذا استثنينا حزب الله باعتباره احد اهم مراكز التأثير وبالتالي فان موقعه في المعادلة المستقبلية لجغرافية الصراع سيكون في الجانب المؤثر، ومن هنا يمكن ان نتوقع اتجاها آخر في حركة التاريخ قد يؤدي الى قلب المعادلات والموازين بشكل نهائي، خاصة اذا تذكرنا موقف القوة الايرانية - التركية وتأثيراتها في المنطقة.خاتمة:لعل احد اكبر الاخطاء التاريخية التي ترتكبها الجمهوريات هو محاولة تحولها الى ملكيات ولو شكليا بالتوارث السياسي، فمع كل فساد الانظمة الجمهورية المعاصرة إلا ان محاولة عودتها للملكية سيعني المزيد من الكوارث في عصر المتفجرات، ولعل خسارة الجمهورية الفرنسية لموقعها القيادي بعد الثورة يكمن في عودة نابليون للنظام الملكي، وهو بذلك لا يختلف عن النزعة المعاصرة.ستشهد حركة التاريخ في العشرين سنة القادمة سقوط العديد من الملكيات، بل ان بعضها مرشح للسقوط في حدود الزمن المنظور، وقد تحقق بعض جمهوريات التوارث ما تسعى اليه من توريث الابناء بحجج سياسية ولو بلوي عنق الدستور، غير ان الاهم في حيز كل هذه المتغيرات هو ثبات السنن الالهية، ومن هنا فان حركة الصراع النهائي ستكون وفق المعايير الالهية فقط.

أ.د. وليد سعيد البياتيرئيس ومؤسس الاتحاد الشيعي العالمي (اتشيع)dr-albayati50@hotmail.co.ukالمملكة المتحدة - لندن

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك