دراسات

فلسفة العصمة

8171 00:27:00 2009-07-30

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

لاشك ان ثمة علاقة جدلية بين العصمة وعلم الاخلاق، فكون أن العصمة في اللغة تعني (المنع) بالفتح فهي تعني التحصين ومحل الالتجاء من الافعال السلبية، ولما كانت الاخلاق حالة عقلية ونفسية هي نتاج للتراكمات الايجابية في قبال التراكمات السلبية، فهذا يعني ان كل من العصمة والاخلاق تتطور في عملية التكامل وصولا إلى الكمال، ولكن الاشكالية هي ان البشر مهما تكاملوا عصمويا لايمكن لهم بلوغ مطلق الكمال الالهي، وهم بالتالي يبقون في سعي مستمر لتحقيق المثل العليا، ومن هنا نجد ذلك التبايبن بينهم في مراتب الكمال. حتى أن الله عزوجل فضل بعض النبيين على بعض: " وربك اعلم بمن في السماوات والارض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا ". الاسراء/55.

عصمة الانبياء:

إن الاعتراف التاريخي بالقيم الاخلاقية والانسانية لدى الاشخاص الذين يختارهم الله ليكونوا انبياء ورسلا واولياء، يؤكد حالة التطور التكاملي لهذه الجوانب عبر المراحل الزمنية المختلفة، والحالات البيئية والاجتماعية التي يتواجد فيها هؤلاء، فتاثير البيئة والعلاقات الاجتماعية يبقى واضحا في النشوء والتنامي الاخلاقي للانسان، فقد كان الانبياء والرسل يعرفون في طفولتهم بالادب والخلق القويم، وكلما طال بهم العمر عرفوا بمكارم الاخلاق والابتعاد عن المساوئ والدنس حتى تتكامل عصمتهم بنزول الوحي، ويتم توثيقها من الله عزوجل بالايات والادلة السماوية كما في رسولنا الخاتم (صلوات الله عليه وآله وسلم)، فقد وصفه الحق بالخلق العظيم: " وانك لعلى خلق عظيم ". القلم/4. ثم قال عن تطهيره هو واهل البيت عليهم السلام: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ". الاحزاب/33. وقال عنه ايضا في معرض ذكر ان كل ما يقول به الرسول هو وحي الله: " إن هو إلا وحي يوحى ". النجم/4. وهذا حكم قطعي من الله بان قول الرسول وفعله وتقريره هو وحي من الله، فكيف يعقل ان يخالف الرسول الوحي الالهي. وهذا بدوره يقطع بعصمته (صلوات الله عليه وآله) فان كان وحيا فمن أين يأتيه الخطأ والسهو والنسيان؟!

هذا النوع من التكامل الاخلاقي والعصموي لم يأتي من فراغ، كما انه لم يقع دفعة واحدة بل شكل مرحلة واسعة من حياة الرسالة السماوية، وكل نبي يمر بعدد من الاختبارات الالهية لاجل التكامل العصموي (تكامل العصمة لديه وتطويرها).

ففي حياة النبي ابراهيم عليه السلام نرى مراحل الاختبار الالهي بشكل واضح في التنامي التعبدي، وتطوير هذا الاختيار في مراحل تكاملية، فقال الله تعالى: " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ". الانبياء/51. فإتيان الرشد هو التكامل العقلي بالنبوة حيث قال الله على لسان ابراهيم: " قال بل ربكم رب السماوات والارض الذي فطرهن وأنا على ذلك من الشاهدين ". الانبياء/56. ويذكره ايضا: " واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا ". مريم/41. وهذا إعتراف بنبوته وانه يبلغ عن الله بدليل شهادته. ثم تمر مراحل الاختبار الالهي باعتزال ابراهيم الناس وما يعبدون فتتكامل عليه الاختبارات حتى اختبره الله بابنه: " فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر وستجدني انشاء الله من الصابرين ". الصافات/102. فبعد ان اتخذه رسولا أتخذه خليلا : واتخذ الله ابراهيم خليلا ". النساء/125. وهنا نجد ان ابراهيم كان صديقا، نبيا، رسولا، خليلا، وبعد هذا التكامل يرتقي به الله ليتخذه اماما : " واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات قال إني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين ". البقرة/124.

نفس الامر يقال في التكامل المعرفي والتعبدي المؤدي للعصمة العليا في نبوة ورسالة موسى عليه السلام، حيث اتخذه الله نبيا فرسولا ثم اجتباه بكلامه فجعله كليما، حتى قال: " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ". النساء/164.

هذا التطور في مراحل النبوة والرسالة والوحي يترافق مع تطور كمالات النبي اخلاقيا وتعبديا وعصمويا ليصل إلى المرحلة العليا التي ارادها الله له وفق منهج التفاضل الذي هو سنة الهية ثابتة، مما يكشف ان العلاقة بين الانسان والله تحتل حيزا كبيرا من الافعال والاختبارات ولا تنحصر بحدود ضيقة، وكلما كان العبد مخلصا لله تعالى كلما كان الاختبار اشد، زيادة في تخليص العبد من الاثار الدنيوية وارتقاءا به نحو المستويات العليا من الاخلاص، وفي ضوء هذه العملية التكاملية، تتطور العلاقة من مجرد دخول الانسان في الاسلام بشهادة أن ( لا إله إلا الله محمد رسول الله) حتى يرتقي في مراقي السمو الاخلاقي والتفاعل التعبدي مع الخالق، والانبياء والرسل غير مستثنين من هذه الحالة وهم ليس خارج هذه القاعدة، فهم كغيرهم يخضعون للاختبارات، ويتحملون الالام بسبب الطبيعة البشرية، فالنبي والرسول والوصي يجوع ويعطش ويستشعر الالم والاذى الجسدي والنفسي لكنه كأنسان رسالي يتعالى عن الدنيويات ويوظف كل ذلك في مفاهيم الصبر، والتقرب لله، ومن هنا قد نقول عن بعض الاشخاص من العلماء والزهاد والاتقياء انهم يتصفون بخلق الانبياء، فكل له عصمته الجزئية، فسنن التفاضل تقضي بوجود تباين حتى بين الانبياء والرسل انفسهم ومن هنا فمن بين (124) الف نبي ورسول هناك (330) رسولا فقط، ومن هؤلاء يوجد خمسة هم أولي العزم (نوح، ابراهيم، موسى، عيسى ومحمد الخاتم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين). ومن هؤلاء الخمسة يختار الله حبيبه المصطفى محمد خاتما للانبياء والرسل، وهذا التناقص في عدد الانبياء بدءا من آدم وحتى الرسول الخاتم يكشف عمليه التفاضل والتمحيص الالهي والتكامل العصموي نحو الافضل فالافضل.

من هنا نفهم لماذا قال الله عزوجل عن آدم عليه السلام: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل لم نجد له عزما ". طه/115. فآدم لم ينجح في التمحيص الخاص بدرجات النبوة والرسالات ومن هنا لم يدخل في تصنيف أولي العزم، لكن ذلك لا يمنع من نبوته، ولا يحط من قيمته الرسالية، كلما في الامر انه خضع لمنهج التفاضل حسب السنن الالهية.

الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيdr-albayati50@hotmail.co.uk رئيس ومؤسس الاتحاد الشيعي العالمي (اتشيع)المملكة المتحدة - لندن

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
علي لور الفيلي
2009-08-07
وان كان الانبياء والائمه غير معصومين ويرتكبون المعاصي حالهم حال باقي البشر ويقعون في نفس المحرمات التي ينهون الناس عنها فما الفائده من اتباعهم من الناس اذا كانوا هم لا يعصمون انفسهم
حسام الدين
2009-08-04
اذا كانت العصمه الاهيه تامه للانبياء والائمه الاثنا عشر... اي ان النبي والامام معصوم عن الخطأ بأراده الاهيه. اذ لايستطيع المعصوم ان يعمل الخطأ بأرادته لان ارادة الله تمنعه. وبهذا يكون المعصوم مسير من قبل الباري بأن تكون اعماله خيرا فقط فلا اراده له بتغيير ذلك وبهذا يصبح مثله مثل الملائكه مسير لا مخير ومن كان مسير لا يحاسبه الله في يوم الحشر....
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك