دراسات

نفحات قرآنية ﴿49)


رياض البغدادي ||

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» ﴿30﴾ النور

قوله تعالى ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الخطاب موجه الى المؤمنين، مع أنهم أحرص الناس على تحصين أنفسهم عن ارتكاب مثل هذه الذنوب الحقيرة، التي تخل بمروءة الإنسان ووقارة في المجتمع، وهو أسلوب خطابي عالي البلاغة، يراد به دفع المجتمع الى تقمص صفات المؤمنين والدخول في حوزتهم، وإن لم يكونوا منهم، فلا أحد يتقبل أن يكون خارج الدائرة المقربة الى النبي (ص)، والخطاب وإن كان موجهاً الى المؤمنين، فهو من باب أولى موجه الى غير المؤمنين، فهم الى ذلك أحوج.

قيل إن ﴿مِنْ﴾ زائدة في قوله تعالى ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ وقيل إنها للتبعيض، وأباه سيبويه، فالبصر كله ممنوع الى ما حرم الله، وهي ليست بزائدة ولا للتبعيض، بل هي من صلة الغض، يقال غضضت من فلان اي قللت من شأنه.

وأما في حفظ الفرج فهو حفظه من اللمس والوطء والنظر، وإن قيل ان الحفظ هاهنا من النظر لسياق الآية، قيل له إن كان الحفظ من النظر واجب، فاللمس والوطء محرم من باب أولى.

وقد قدم الله تعالى غض البصر على حفظ الفرج، لأن البصر مقدمة للزنا في العادة، وقد يكون المعنى، أن غض البصر سبب لحفظ الفرج، ولذلك أمر الله تعالى بغض البصر ليحفظ فروج المؤمنين.

وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ أي أطهر لهم من باب ما يُزَكّوْنَ به، ويستحقون الثناء عليه، ولهذا اختص الخطاب بالمؤمنين لأن الكافر لا يُزكّي.

لم يقل الله تعالى (أطهر) لأنه يفيد طهارة الفاعل، بينما أزكى تفيد النماء والعموم، فغض البصر فائدته عامة، يتحصن بها المجتمع من ولوج رذائل الأخلاق.

ولو كان الله تعالى قد ختم الآية بـ (عليم بما يصنعون) لكان المعنى إنه يعلم ظاهر فعلهم، لأن قضية مدّ البصر الى ما حرم الله، يمكن لكل إنسان أن يعلمها إذا شهدها، وهي لا تفيد العلم بنواياهم ودوافعهم وغرائزهم التي دفعتهم الى ذلك، فجاء الخطاب ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فأفادت كل ما ذكرناه.

وقال تعالى ﴿بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ولم يقل (خبير بما يفعلون)، وذلك لأن الله تعالى عالج الموضوع على أنه قضية اجتماعية، يتولد عنها صناعة حدث اجتماعي له تبعاته وارتداداته، التي لا يمكن ان تتوقف عند حد الفعل، ولذلك قال ﴿بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فأفادت ذلك المعنى الواسع.

والله العالم

 

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك