دراسات

الإنسان ما بعد المسيحية / الحضارة  الغربية ..

1665 2023-03-10

كندي الزهيري||

 

أرنولد توينبي(١٨٨٩-١٩٧٥) هو مؤرخ بريطاني،  تولى  عام ١٩٢٥ إدارة المؤسسة الملكية للشؤون الدولية في لندن.  وصدر كتابه بعنوان(دراسة التاريخ ) في ثلاثة أجزاء عام ١٩٣٤م، وقال غرين برينتون " ان كتب(توينبي )  هي نوع من أنواع أعمال اغوستين القديس و ويكو وباكل واشبنغلو.  كتاب في فلسفة التاريخ الميتافيزيقيا،  وحتى الإلهيات لكنه ليس تاريخ الأحدث.

وتوينبي شأنه شأن اشبنغلر،  عمل من خلال دراسة الحضارات وتعاقبها،  على كشف سر هذا التغير والتطور وفي الحقيقة كشف فلسفة التاريخ،  وتحدث عن عودة الاعصار . واستشهد بآراء اشبنغلر في بحثه عن سبب إنهيار الحضارات،  وكتب بعد دراسة النظريات المختلفة المقدمة حول إنهيار الحضارات بقول "أن كل حضارة تمر بالعصور والمراحل التي يمر بها كل إنسان " .

وتحدث على غرار اشبنغلر عن عودة العصور،  ولاحظ كل إرهاصات تفتت الحضارة الغربية،  منذ السنوات الأخيرة للقرن السابع عشر للميلاد .

ويصف توينبي المجتمع الغربي الحالي بالمسيحي سابقا،  أو الشعوب التي كانت تعتنق المسيحية في يوم من الأيام ويخاطب الإنسان الغربي بالإنسان ما بعد المسيحية،  ويقول " ويمكن معالجة هذا الأزمة بنهضة دينية...أن بوسعنا،  ويجب الصلاة والدعاء إلى الله لكي يمدد لنا المهلة التى منحنا إياها لتطبيق حكم الإعدام بحق مجتمعنا وأنه سيستجيب أن  توجهنا إليه بروح تائبة وقلب حزين"

يرى توينبي ان المشيئة والالهام الرباني جاريان في سير التاريخ،  ويصفهما بالخريطة  الإلهية،  التي تحظى فيها البشرية بحدود من الحرية والاختيار،  في العمل والتي لا تنسحب على كل البشرية،  وأن صانعي التاريخ هم شخصيات مبدعة وعباقرة واناس فوق البشريين.

إن رؤيته قريبة إلى حد ما إلى النظرية الدينية،  مع إختلاف ان توينبي يرى أن غاية الله عز وجل مجهولة ويعحز عن تبيان خارطته.

أن جملة الناس هم كالاسماك التي تسبح في نهر ما ، من دون أن يكون لها علم ببداية ونهاية هذا النهر،  وتقلباته والمسار الذي يسلكه.

إنها تسير إلى الأمام وترجع إلى الخلف،  في نطاق إرادة ضيقة وفي فضاء محدود من دون أن تعلم مصير ونهاية هذه المرحلة.

لقد أكد توينبي أن للتاريخ عصورا وتحدث عن ازدهار هذه العصور وتدهورها،  لكنه أكد أنه بالإمكان الحد من هذا السقوط والانحطاط،  أي أنه يمكن تحديث المجتمع ومنعه من الانزلاق في براثن الانحطاط.

ولهذا السبب فإنه أعتبر بعد مشاهدته تراجع الغرب وسقوطه،  أن طريق الخلاص والنجاة والإصلاح يمر عبر العروج إلى(الله عز وجل ) والنهضة الدينية،  ويصر في الختام،  وكأنه أحد أتباع الديانات الإلهية على أن  " المعجزة التي إلى وحدة ونجاة البشرية هي ان يظهر مسيح ومنقذ  اخر يؤسس لحياة جديدة ".

ويرى توينبي أن فلاح الغرب يكمن في العودة إلى الدين،  لكنه يفتقد في أفكاره إلى إله حقيقي شأنه في ذلك شأن عامة الفلاسفة والمفكرين الغربيين( على مدى أربعمائة عام الأخيرة ) .

وهذه الرسالة لا تنوي طرح ونقد آراء فلاسفة  التاريخ،  لكنها تريد التذكير بأن الحديث عن نهاية الغرب وتدهوره وسقوطه،  هو حديث ذو خلفية تطرق آلية الكثير من المفكرين الغربيين.

ويقول توينبي " ليس من  الضروري أن تحيي الحضارة الغربية،  المسيحية لتتخلص من التهديدات،  بل بوسعها أن تتحد من خلال الانظمام إلى الأديان السامية مثل ( المسيحية والإسلام والهندوس والبوذية )؟ ، وحذف العناصر الزائلة والاهم من كل شيء،  حذف عدم الاحتمال إزاء سائر الديانات،  والتخلص من هذا الزعم بأنها تستحوذ على مجمل الحقيقة،  وعندها ستؤسس مجددا السيادة المعنوية والدين وتنتقد نفسها ".

ويعتبر توينبي ان توافر إمكانية تركيب الديانات الأربعة أي(الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية ) مشروع   (الديانة  الإبراهيمية ) ، بدعم من الخالقين والمدافعين والرجال فوق البشريين الجاهزين للهجوم والهجرة،  يشكل سبيل لتحقق المشيئة الإلهية،  والحد من زوال وانهيار  الحضارات،  ومع ذلك فإن الوجهة النهائية كانت ممكن عن طريق كنيسة جديدة وحقيقية- الحاكمية الارادية الله  عز وجل عم طريق الكنيسة، لكنه يعطي بين الأمل  والرجاء تفسير مفعما بالامال عن التاريخ.

ولا يجب نسيان ان فيلسوف التاريخ،  يمزج الهاجس الكبير الناجم عن التذكير الروحي للإنسان،  مع المشاهدات المحسوسة و الدراسات التاريخية.

ومن هنا يسعى لكشف القوانين التي تسود التاريخ،  وتعاقب الحضارات والثقافات وتقلبات الإنسان على أمتداد  التاريخ، ومن هذا المنطق فإن الترديد والظن،  هما جزء لا يتجزأ من هذه الآراء.

إن حصيلة الدراسات،  تدفع توينبي الر تسمية العصر  الجاري بعصر ( المصائب ) ، ويعتبر أن الحروب والمذابح الوطنية المتبادلة،  تشكل جوهر المشاكل.

لكنه يرى أن الفشل الروحاني للحركة التنويرية للقرن الثامن عشر،  تسبب بالابتلاء بهذا العصر،  الملئ بالنزاعات،  ويقول بنوع من الأمل المفعم بالتفائل " على الرغم من أن ستة عشر حضارة قد اندثرت لحد الآن  ، حسب علمنا ، وتسع حضارات أخرى تلفظ أنفاسها الأخيرة  ، ومع ذلك فإننا بوصفنا الحضارة السادسة والعشرون  ،لسنا مرغمين بالرسم الأعمى للارقم الإحصاءات،  على الاستسلام أمام لغز قدرنا  ، أن الشرارة السماوية للسلطة الخلاقة،  ما زالت حية في عصرنا،  وأن كنا سعداء لتحويلها إلى شعلة ملتهبة،  فعندها لن تستطيع حتى النجوم والافلاك منعنا من نيل أهدافنا ".

ويكتب هذه الجملة الأخيرة في دحض نظرية الاناس الذين يعزون سبب تدهور الحضارات إلى الإختلاف في(نظام الكائنات أو شيخوخة الأرض )، ومع ذلك فإن كان توينبي قد لمس ولاحظ العقود الأخيرة من  القرن العشرين،  فهل كان سيتحدث بلغة منفعلة بالأمل عن تجديد الحضارة الغربية الايلة إلى الزوال؟.

إنه يتفلسف،  لأنه يغفل سر هذا الانحطاط،  ويجب التساؤل: من هم رجاله فوق البشريين الجاهزين للهجوم والهجرة؟ ، ومن أين يهاجرون ومن يهاجمون؟، الهجرة من  التاريخ المتأزم، لكن إلى أين؟،  وهل ان الرجال فوق البشريين الذين يتحدث عنهم، القوا بظلال من الشك على مبادئ وأسس هذا التاريخ الذي تجسد في الحداثة والعصرنة؟، أم أنهم يتحولون من خلال ذلك إلى  منقذ للحضارة الغربية؟...

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك