دراسات

اختبارات صعبة أمام العلمانيين العرب والمسلمين/ 12

2968 2022-05-01

د. علي المؤمن ||        إذا كان علمانيو البلدان العربية والإسلامية، موضوعيين في التشبث بمعادلة صراع النخب العلمانية الأوروبية، خلال عصر التنوير والنهضة الأوروبية، مع الكنيسة المسيحية وأنظمة الحكم المطلق، وإسقاط هذه المعادلة على واقع المسلمين؛ فينبغي عليهم عدم إطلاق النار عشوائياً على دين محمد بن عبد الله وتشريعاته والنظم التي يفرزها، بل النظر بدقة الى حقيقة الدول والأنظمة المتشبِّهة بالثيوقراطيات المسيحية القسطنطينية، وتحديداً نسختها الأموية السلطانية، لأن الإسلام لايفرز دولة ثيوقراطية، ولا نظاماً سياسياً ملكيا وراثياً، ولا مؤسسة دينية كهنوتية، بل أن كل ما أنتجه واقع المسلمين منذ معاوية وحتى الآن، من أنظمة ثيوقراطية سلطانية وراثية، كالأموية والعباسية والإدريسية والفاطمية والأيوبية والبويهية والسلجوقية والعثمانية والصفوية والقاجارية والبهلوية والهاشمية والسعودية؛ أنما هي أنظمة تستند الى فكر سياسي أرضي استبدادي، لاعلاقة له بالفقه السياسي الأصيل الذي تفرزه الشريعة الإسلامية. أما دولة الشريعة الإسلامية، فهي دولة القانون والحقوق والحريات، وأن نظامها السياسي ــ في غياب إمامة أل البيت ــ هو نظام يمثل عقيدة الأمة وإرادتها ووعيها بنفسها.    وإذا كان العلمانيون الجدد الفاعلون في البيئة الإسلامية، صادقين في الانخراط في معركة نهوض العرب والمسلمين، وتقدمهم ونمائهم القانوني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، ومعركة تحقيق الاستقلال الكامل، وانتزاع الحقوق والحريات؛ فأدعوهم الى ما يلي:    1- دراسة تجربة النظم والأحزاب العلمانية في البلدان العربية والإسلامية التي حصلت على الاستقلال السياسي منذ أربعينات القرن الماضي وما بعده، وطنية وقومية وشيوعية، مدنية وعسكرية، والتي أمعنت في تبعيتها الفكرية الى الغرب أو الشرق، وفصلت الدين وشريعته عن الدولة والتشريع، وبالغت في محاربة الجماعات الإسلامية، وكذلك دراسة البنية القعمية والاقصائية لهذه الأحزاب والأنظمة، وأسباب تخلفها وفسادها، وفشلها الذريع في بناء الدولة، وفي إقامة نظمها القانونية والسياسية والاقتصادية والتعليمية، وفشلها في إحداث نماء اجتماعي مستدام أو تطور علمي وتكنولوحي، حتى وإن كان نسبياً.      2- دراسة تجربة ثلاثة بلدان إسلامية، حكمها الإسلاميون عبر آليات ديمقراطية، هي: ايران وماليزيا وتركيا، والقفزات النوعية التي حققتها على كل المستويات، قياساً بالأنظمة العربية العلمانية، المدنية والعسكرية، وإن كان لكل منها بعض القواعد المذهبية والفكرية والأنساق العامة التي تختلف عن الأخرى، لكنها تشترك في كونها أنموذجاً للحكومات المسلمة غير الثيوقراطية وغير العلمانية، وأنها استعارت أدوات وأليات ديمقراطية، وأن أحزاباً إسلامية ايديولوجية تتفرد بحكمها. ولا أتحدث هنا بمنطق الميول العقدية والسياسية إطلاقاً، بل بمنطق الواقع الملموس، سواء اختلفنا مع هذه البلدان الثلاثة أو اتفقنا.      3- إعلان العلمانيين عن استقلالهم الفكري والمفاهيمي الكامل، عبر رفض المذاهب الفكرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الغربية، والتشريعات والنظم التي تفرزها، لأن سيادة الدولة واستقلالها السياسي واستقلال سلطاتها وأحزابها، لا تنفصل إطلاقاً عن استقلالها العقدي والفكري والتشريعي، ومن يعتقد بأن الفسلفات والأفكار والمذاهب والتشريعات التي أنتجتها البيئات الدينية والاجتماعية الأخرى، بناءً على الوقائع التراكمية؛ تصلح لبيئات أُخرى، مختلفة جذرياً، وأن بالامكان استعارتها وتطبيقها في بيئات أُخرى؛ فهو يجهل ببديهيات نشوء الأفكار والمذاهب والنظم والتشريعات، وامتداد صلاحيتها، وعلاقتها الجدلية بالواقع الاجتماعي وعقيدته وأحداثه التراكمية، ولا يختلف هنا المذهب الفكري بين علماني ليبرالي أو ماركسي شمولي.     4- بموازاة التخلص من أعباء التبعية والعمالة الفكرية والسياسية؛ ينبغي على علمانيي البيئة الإسلامية إنتاج أفكار ونظم اجتماعية وسياسية واقتصادية وتشريعية محلية وطنية، لا تتعارض مع الواقع العقدي والفكري والاجتماعي للمسلمين. ويعني عدم التعارض هنا، إمكانية استعارة الآليات والأدوات الإنسانية المفيدة والناجحة التي يمكن أن تكون مشتركاً عاماً بين البشر.     5- أن يكون تركيز العلمانيين لمعركتهم، مع النظم الثيوقراطية الوراثية التابعة سياسياً للغرب، والتي يتعارض أصل وجودها مع بديهيات الفكر العلماني والمذهبين الليبرالي والديمقراطي، ومع منظومة الحقوق والحريات الإنسانية، وكذلك مع الأنظمة العسكرية والدكتاتورية، الشبيهة بالنظم الثيوقراطية الوراثية في تبعيتها الفكرية والسياسية للغرب. ولعل من أكبر التناقضات التي ظلت النخب العلمانية في البلدان الإسلامية تسقط فيها، منذ تصاعد الغزو الفكري الغربي، هو دعمها لأنظمة الحكم الوراثي المطلق، والدكتاتوريات العسكرية والمدنية، بل وإصرار هذه الأنظمة على استخدام النخب العلمانية لتلميع صورتها والترويج لها، وبالتالي؛ يتبيّن أن مشكلة هذه النخب ليست مع هذه الأنظمة التي تتعارض شرعيتها وممارساتها مع الفكر العلماني وركيزتيه الليبرالية والديمقراطية، بل مشكلتها مع الإسلام نفسه، لأنها لا تكف عن الصراخ بأن الإسلام دين بلا دولة، أسوة بالديانات المسيحية والبوذية والهندوسية والفلسفات الطاوية والكنفوشيوسية، وأن الشريعة الإسلامية متخلفة تصلح لزمان صدور أحكامها فقط، وأن هذه الأحكام تتعارض مع الحقوق والحريات، وأن المؤسسة الدينية الإسلامية هي مؤسسة كهنوتية رجعية تعيش خارج العصر، أسوة بالكنيسة المسيحية قبل عصر النهضة الأوروبية. هذا في أحسن الأحوال طبعاً، وإلّا فإن مسلسل الإتهامات يطال حتى الرسول محمد نفسه والتشكيك برسالته وبكتاب الله.   
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك