دراسات

9/ صياغة منهج ملموس للإصلاح


 

د. محمد أبو النواعير ||

 

·        كيف يؤثر الخطاب الديني في تكوّن أنماط المعرفة السوسيولوجية في مجتمعات المذاهب الإسلامية؟!

 

يرى الكثير من فقهاء ومفكري العالم الإسلامي أن إصلاح الخطاب الديني بات من ضروريات خلق مجتمعات معرفية صالحة في هذا الزمن, معتمدين في ذلك على :

أولا: لا يصح عقلا ولا شرعا أن نترك تطوير أساليبنا ومفاهيمنا لأن الغرب يرغب بذلك، فما يقوله الآخرون فينا أو ينتقدوننا به قد يكون بعضه صوابا، ومن واجبنا أن نستمع ونحاكم ونتأمل، وبعد الاستماع والمحاكمة والتأمل إما أن نقبل أو نرفض، أو نصحح البعض ونترك بعضا آخر، أما أن نُعْرِضَ عن فكرة التجديد والتطوير للخطاب الديني جملة واحدة لمجرد أن مَنْ يخالفنا يريد ذلك فليس هذا واردا في العقل ولا في الدين.

ويرى بعض العلماء أن ما يصلح في القرن الثاني الهجري ربما لا يصلح في القرن الخامس عشر الهجري، والأسلوب الذي كتب به الخطاب الديني في عصر ما ليس صالحا بالضرورة لكل عصر، وخاصة العصر الحديث.

ويصبح الإصلاح ضرورة حين يدرك العقل البشري حقائق الوجود والأشياء، ومقومات النهضة والتغيير والتطور على سبيل التدرج. ومن ثم، فبدون تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن تنهض الأمة العربية والاسلامية، ولا يتسنَّى للشباب أن يجدوا ضالتهم المنشودة في الارتقاء في العلم والمعرفة وصولا إلى الإبداع والتغيير.

يحمل الوضع القائم عدة عواقب وخيمة على مجتمعنا، فقد رأينا كيف أنتج الخطاب المتشدد منظمات إرهابية مثل: “القاعدة” و “داعش”.

ثورة الاتصالات والتواصل الحديثة جعلت العالم اليوم قرية صغيرة، وصار للناس تطلعات ومفاهيم جديدة، الأمر الذي فرض عليهم سُلَّم أولويات جديدا في القيم والسلوك، فإذا لم يغيّر الخطاب الديني اليوم طروحاته ليواكب ذلك سيكون في واد آخر غير الوادي الذي تستمع له الناس أو تراه أو تمارسه، وحينئذ يفقد أهميته وتأثيره.  فالأسلوب العاطفي ودغدغة المشاعر لم يعد كافيا اليوم، ولا بد أن يسير في خط مواز مع الفكر والعقل، وأن يُطَعَّم مع التقدم العلمي المعاصر حتى ينسجم ويتناغم معه.

لذا فهم يرون أنه وفى حال فشل المجتمعات الإسلامية والمتممات الدينية الأخرى في تنفيذ تلك الإصلاحات فإن البشرية ستخسر معركتَها لصالح دَعَوات وشعارات التطرف والتزمت التي تسود فضاء وخطابات أهل التدين

ونحن نتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أنه ليس كل خطاب ديني على مستوى واحد من الانضباط بالأصول المنهجية وعلى مستوى واحد من الكفاءة والجَوْدة. فهناك مَنْ اتَّسم خطابهم بالخرافة، والأحاديث الموضوعة، والقصص الغريبة العجيبة، يريدون بذلك استثارة حماس الناس وإعجابهم بهم والصعود على أكتاف عواطفهم. وهناك من يغلب على خطابهم الاهتمام بالجزئيات الصغيرة، ويطرحون المسائل الهامشية، ما دعا كثيرا من الناس إلى اتهام الخطاب الديني بأنه لا يحقِّق طموحاتهم، ولا يستجيب لمطالب العصر.

كل ذلك مِنْ شأنه أن يحمِلَ أرباب الخطاب الديني على بذل مزيد من الجهد لمحاولة التطوير المستمرة لخطابهم، بحيث يكون على المستوى المطلوب الذي يلامس تطلعات الشباب والأجيال القادمة.

وخلال كل تأريخ الأديان, تم توظيف الدين أحيانا من قبل البعض لأغراض سياسية؛ لأجل السلطة والمكاسب الدنيوية، وليس من أجل إصلاح المجتمعات وإصلاح العمران وبناء الدول, مما نَتَجَ عنه حدوث صراعات دامية بين أتباعها، لذلك يصبح تجديد الخطاب الديني عند كل الأديان وليس الخطاب الإسلامي فقط، ضرورة ملحة؛ لتقضي على كل أشكال التعصب الديني وكراهية الآخر المختلف دينيا ومذهبيا وعِرْقيا. ويتطلب ذلك منا القيام بدورنا على أكمل وجهه لتعزيز هذه الإصلاحات.

 

*د. محمد أبو النواعير دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة

27014

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك