دراسات

الحقيقة بين الدين والفلسفة ...


 

الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||

 

هناك جدليات قائمة وقادمة في استيضاح مسألة الحقيقة من الجانبين  الاطلاقي والنسبي ، وقبل ذلك هناك تساؤل مطروح هل الإنسان متديناً منذ البداية ، أم إنّه مفكّراً قبل أن يكون متديناً ؟ ولعل السبب في هذا السؤال المطروح مرده إلى أن الدين لا يمكن إدراكه أو الاعتقاد به دون أن تنفتح الافاق الفكرية والذهنية للإنسان ليحدد وجهته الدينية بناءً على قناعاته المستندة على أدلة .

يقول الفيلسوف ( برتراند رسل ) : " كل جواب يتحول إلى سؤال جديد " ، وشخصياً أتفق معه في هذه الجزئية لجملة أسباب أهمها :

1ـ عدم اتفاق الفلاسفة على إجابة محددة للسؤال الواحد مما يعني تناسل الأسئلة والإبقاء على بابها مفتوحاً .

2ـ قلق الانسان الدائم وتحيّره في البحث عن الحقيقة مع عدم وجود أجوبة شافية تدعوه لطرح تساؤلات جديدة .

3ـ الجواب نفسه يحمل ويستبطن بداخله دلالات الغموض والفهومات المتعددة مع وجود التفاوت العقلي بين النخب والعامة ، مما يفضي لطرح سؤال جديد لاستيضاح هذا الجواب .

ولذلك نجد أن تعامل الدين مع الحقيقة يختلف عن تعامل الفلسفة معها ، فالأول ـ أي الدين ـ تعامل مع الحقيقة وفق رؤية وحيانية مقدسة ومطلقة ( مُنزلة من الأعلى ) ، أما الفلسفة فتعاملت مع الحقيقة وفق رؤية نسبية من انتاج الفكر البشري ( مرفوعة من الأسفل ) ، ولما كانت رؤية الفلاسفة تنطلق من مبدأ أن ( قيمة الفلسفة في أسئلتها التي لا تنتهي ) دفعت بالإنسان إلى الطلاق معها ، لأن الإنسان يبحث عن أجوبة نهائية تشفي غليله وتسكن نفسه وتهدأ روعه وتطمئن قلقه المتواصل.

 ولذلك وجد ضالته الباحثة عن إرواء ضمأ أسئلته في الدين ، ليأخذ الحقيقة دون تردد وهو ما يبحث عنه ، وهذا ما يفسّر لنا استيلاء اليهودية والمسيحية على قلوب الناس وتسللها إلى أعماق الفكر الإنساني ، في قِبال دخول الفلسفة في خريفها ، فأصبحت الفلسفة منضوية تحت لواء الدين ، والكلام ينطبق على الفلسفة الإسلامية فإنها لم تتثبت في نفوس المسلمين إلا عن طريق الحقيقة الدينية وتقديمها في طبق على طاولة الفكر الإنساني كنسقية مترابطة للحقيقة بين الدين والفلسفة أو أنهما اختان في الرضاعة .

ولذلك بالرغم من المحاولات العديدة التي بذلها الفيلسوف ( ابن رشد ) في محاولة لعقد صلح بين الدين والفلسفة في مسألة الحقيقة لكنها لم تجدِ نفعاً ، فأبعد العقل عن الدين في الأخير وأصبح النقل هو الحاكم في هذه المسألة ، ولنا في رؤية ابن رشد أيضاً كلمة وهي أن الدين ليس عدواً للعقل بل داعية له ولا تدرك الأحكام إلا بالعقول ، والنقل الذي يتبناه ابن رشد هو نتاج العقل الإنساني ، ناهيك عن تشديد القرآن الكريم في ضرورة التفكر والنظر والتدبر العقلي في جزئيات الحياة أرضها وسمائها ، فلا يمكن مصادرة أو تعطيل العقل كما فعلته الكنيسة في العصور المظلمة .

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك