دراسات

النجف الأشرف: قاعدة مراسيم أربعينية الإمام الحسين

2406 2021-09-25

 

د. علي المؤمن ||

 

    مسيرة المشاة السنوية الى مرقد الإمام الحسين بن علي (ع) في ذكرى أربعينيته، هي ممارسة شرعية، ومنتجة في آثارها ومخرجاتها، وعظيمة في تأثيرها وشكلها ومضمونها.

    لقد بدأت المسيرة بشكلها المنتظم الحديث في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي؛ بأفراد ينطلقون من مدينة النجف الأشرف الى مدينة كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام لمدة أربعة أيام، بمعدل 20 كيلومتراً في اليوم.

    تبدأ المسيرة في يوم 16 صفر؛ حيث ينطلق الزوار المشاة في صباحه من النجف الأشرف الى خان المصلى (خان الربع)، ويبيتون الليلة هناك. وفي يوم 17 صفر ينطلقون من خان المصلى الى خان الحماد ( خان النص في ناحية الحيدرية حالياً)، ويبيتون ليلتهم فيه. وفي يوم 18 صفر ينطلقون من خان الحماد الى خان النخيلة ( خان الثلاثة أرباع)، ويبيتون ليلتهم فيه. وفي يوم 19 صفر ينطلقون من خان النخيلة باتجاه مدينة كربلاء، ويبيتون الليلة في كربلاء بجوار مرقد الإمام الحسين. وفي صبيحة الـ 20 من صفر يقوم النجفيون بالإشتراك مع مواكب المدن العراقية وغير العراقية الأخرى بإحياء المراسيم النهائية لذكرى أربعينية الإمام الحسين.

    جدير بالإشارة الى ان الخانات هي ثلاثة مباني قديمة تعود الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين؛ وتقع في الطريق بين مدينتي النجف الأشرف وكربلاء، وتفصل بينهما مسافات غير متساوية؛ ولكن معدل المسافة بين كل خان وآخر هو 20 كيلومتراً؛ إذ تبلغ المسافة من مرقد أمير المؤمنين في النجف الى مرقد الإمام الحسين في كربلاء حوالي 75 كيلومتراً. وهذه الخانات بنيت خصيصا كأماكن لاستراحة الزائرين القادمين من النجف الى كربلاء وبالعكس. كما كانت تستخدم أحيانا كمقرات عسكرية لحماية الزوار والمنطقة من قطاع الطرق والعابثين بالأمن. وبقيت هذه الخانات تستخدم للغرض نفسه حتى العام 1979؛ حين أقدم النظام البعثي على منع مسيرة المشاة من النجف الى كربلاء نهائياً؛ فتعرضت الخانات الى الإهمال والتخريب بمرور الزمن. ولاتزال اليوم شبه مهجورات؛ بعد أن أخذت مئات المباني الحديثة والحسينيات والمخيمات المتراصة من النجف الى كربلاء محلها في خدمة الزوار.

    في صباح يوم الـ 20 من صفر؛ الذي يصادف ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين؛ يدخل المشاة الى مرقده؛ معزين بالذكرى الأليمة، ومواسين الإمام علي بن الحسين السجاد والسيدة زينب بنت الإمام علي وأرامل وأيتام آل البيت الذين وصلوا في مثل هذا اليوم الى كربلاء قادمين من عاصمة يزيد بن معاوية (دمشق الشام) ومعهم رأس الإمام الحسين ليدفنوه مع جثمانه الطاهر.

    وكانت هذه المراسيم التي أحياها الإمام زين العابدين والسيدة زينب ومن معهما في عام 61 للهجرة هي التي أسست لمراسيم ذكرى أربعينية الإمام الحسين سنويا. وكان معهم أفراد من الصحابة والتابعين وبعض القاطنين قرب كربلاء؛ أهمهم جابر بن عبد الله الأنصاري.

    وإذا كانت مراسيم إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين بشكلها الحديث؛ أي السير على الأقدام من مدينة النجف الى مدينة كربلاء؛ قد بدأت بمبادرة أفراد من النجف قبل حوالي 150 عاما؛ فإنها تطورت الى جماعات بالمئات في أوائل القرن العشرين، واستمرت بحشود بعشرات الآلاف في أواسط القرن العشرين الميلادي. وها هي تصل هذا الى 20 مليون مشارك في أكبر مسيرة راجلة متعددة الجنسيات عرفتها وتعرفها البشرية في تاريخها وجغرافيتها. هذا العدد الهائل الزاحف عبر طرق متعددة تمتد بمجموعها الى أكثر من 2000 كيلومتر داخل العراق، وحشود تنتمي الى أكثر من 70 دولة؛ لم تنظمها جهة أو حكومة، ولم تصرف على طعامها وشرابها وسكنها وتداويها ونقلها أية جهة أو حكومة.

    صحيح إن الدولة العراقية بعد عام 2003 تسهر بقواتها المسلحة ودوائرها المدنية على حماية المراسيم، وتدافع عن مشروعيتها داخل مؤسسات الدولة، وتدعمها لوجستياً أحياناً؛ إلّا أن الأهالي المشاركين في المسيرة، سواء المشاة أو القائمين على خدمتهم؛ لا يقبضون من الدولة العراقية وأية دولة أو جهة أخرى أي دعم مالي أو عيني.

    وقد وصل عدد هيئات الخدمة ومواكبها في الطريق بين النجف وكربلاء وحدها الى حوالي 7000 ( سبعة آلاف ) هيئة. ويصل العدد الى عشرين ألف هيئة وموكب وحسينية في طرق العراق الأخرى، ولاسيما في مناطق الفرات الأوسط والجنوب والغرب والعاصمة بغداد. وربما يبلغ حجم الإنفاق الأهلي على مراسم الأربعينية الحسينية خلال خمسة يوماً؛ ما يقرب من نصف مليار دولار؛ يتحمل أهالي النجف الأشرف 10 بالمائة منها، أي مايقرب من 50 مليون دولار.

    وقد انتفض النجفيون ضد نظام البعث الحاكم مرتين حين منعهم من أداء مراسيم المسيرة الراجلة، الأولى في العام 1976، وكانت انتفاضة صغيرة ومحدودة، والثانية في العام 1977، وهي الانتفاضة النجفية الصفرية الكبرى، وفي كلا الإنتفاضتين كان النجفيون عزّل من السلاح، وكانوا يعلمون إن الخروج في مسيرتهم السلمية

الدينية الصرفة؛ يساوي الموت؛ ولكنهم لم يأبهوا للموت، وخرجوا بعشرات الآلاف لإقامة المراسم. و كانت نتيجة انتفاضتهم الكبرى في العام 1977 تعرّض حوالي 30 ألف شخص الى الإعتقال. كما أعدم النظام البعثي عشرة من قادة الإنتفاضة، وحكم على العشرات من المشاركين في الانتفاضة بالسجن المؤبد أوالسجن لمدد مختلفة.

    ويعبر النجفيون عن انتفاضتهم التاريخية الصفرية الكبرى بأنها نموذج مشرق لتطبيق مفهوم هوان الدنيا من أجل خط آل البيت (عليهم السلام)، و يعتقدون أن من عاش لذة هذا العشق والتحدي والفداء في أيام النظام البعثي، ولا سيما الفترة من صفر عام 1976 ومابعدها؛ هو الذي يعي مايعنيه مفهوم هوان كل شيء من أجل آل البيت.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك