دراسات

إشكالية الارتداد وعلاقتها بحرية الفكر

2202 2021-04-25

 

د. علي المؤمن ||

 

    انتهينا في المقال السابق الى أن الأرتداد المعلن، أي إشهار الكفر بعد الإيمان، وفق التعريف الفقهي، والمتضمن الدعوة الى فكر وسلوك معاديين للإسلام، هو مثال الفكر والسلوك اللذين يجب على المجتمع والنظام الاجتماعي الديني والدولة منعهما تحت قواعد (( النهي عن المنكر)) و((لاضرر)) و((حفظ النظام العام)). أي أن إشكالية الارتداد عن الإسلام، تدخل في صلب موضوع حرية الفكر من وجهة نظر الإسلام، وهو يعني ــ باختصار ــ ترك المسلم بالأصالة (المسلم الفطري) أو المسلم بالاكتساب (المسلم الملي) الدين الإسلامي أو إنكار أحد أصول الإسلام، سواء اعتنق ديناً آخر وعقيدة أخرى أو لم يعتنق عقيدة أخرى، وسواء أعلن عن ارتداده ودعا اليه أو لم يعلن، وهو ما تسميه الشريعة الإسلامية بموجبات الإرتداد. ويدخل الإلحاد في إطار هذا التقسيم أيضاً، بوصفه أحد أنواع الارتداد؛ فالمسلم الذي ألحد؛ أما أن يكون قد أخفى ارتداده، سواء اعتنق عقيدة إلحادية معينة، كالوجودية والماركسية، أو لم يعتنق، وأما أنه أعلن عن إلحاده ودعا إليه، أو روج لعقيدته الإلحادية الجديدة.

    وبالتالي؛ يكون للارتداد ثلاثة أنماط وفق الرؤوية الإسلامية، ولكل نمط أحكامه في الشريعة، مع يعض الفروقات التفصيلية بين المرتد الفطري والمرتد الملي، وقرن بكل حكم عقوبة، وأدوات للتنفيذ:

    1- الارتداد القلبي، وهو أن يحتفظ المرتد بارتداده لنفسه، ويمارسه فكراً وسلوكاً معارضاً للإسلام دون إعلان، وهذا المظهر يرتبط بالنوع الأول من الحرية، أي حرية التفكير والاعتقاد. وهذا النوع من الارتداد لايمكن لأي مخلوق المحاسبة عليه، وحسابه موكول الى الله.

    2- الارتداد المظهري، ويتمثل بإعلان المرتد عن ارتداده بشكل صريح، من خلال إنكار الإسلام أو أحد أصوله، أو إعلان اعتناقه ديانة وعقيدة أخرى. وقد حسمت الشريعة الإسلامية الموقف من مُعلن الارتداد؛ إذ سلبته حرية الإعلان عن ارتداده، ومنعته من التعبير عن ردته؛ ذلك أن المرتد، مع إعلانه الارتداد؛ يستهدف وحدة المجتمع المسلم وتماسكه وأمنه، لأنه يضرب العقيدة التي تحقق الاستقرار والتوازن المجتمعي.

    3- الارتداد المحارب، وهو الارتداد المركب، والذي لايكتفي فيه المرتد باعلان ارتداده، بل يتحول الى محارب للاسلام، وداعية للقضاء عليه، وينتقل خلال ذلك الى المعسكر الذي يحارب الإسلام والمسلمين، سواء تمثل هذا المعسكر في جماعة منظمة أو دولة. وتقف الشريعة الإسلامية موقفاً حاسماً من هذا اللون من الارتداد، يتمثل في اقتلاعه، لأنه يمثل أعلى مراتب الإفساد في الأرض، وفق التعبير الفقهي.     

    وهناك تفاصيل كثيرة في موضوع العقوبات المترتبة على الارتداد وأنواعه ومراتبه، يمكن مراجعتها في الكتب الفقهية. وهنا ينبغي التأكيد على أن مدخلية المصلحة الإسلامية العليا، وفق ما تراه مرجعية النظام الاجتماعي الديني أو الدولة التي تحكم بالشريعة؛ تنقل الحكم الأولي الى عناوين أخرى، تعمل على تغيير الأحكام. 

    وبعد هذه الجدولة السريعة لإشكاليات حدود الحرية الفكرية والسلوكية وفق الرؤية الإسلامية، نرى أن سعة الموضوع وتشعّبه، وتشابكه مع مواضيع أخرى كثيرة، تفرض تظافر جهود الفقهاء والمفكرين والمثقفين الإسلاميين لمعالجته ووضع ثوابت وأسس لأحكامه، وخاصة مع سرعة التطورات الهائلة لحركة الحياة، والتحول في الموضوعات والمفاهيم، وتغير وسائل التفكير والتعبير، في ظل واقع دولي، سياسي ودبلوماسي وثقافي وقانوني ضاغط.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك