دراسات

أمثلة مواجهة حرب الإشاعات

3110 2019-04-15

علي عبد سلمان

 

الإشاعة سلاح ماض وخطير له دوره الفعال في مواجهة الخصم وتشويه صورته وإنهائه سياسياً واجتماعياً. والمعروف أن ذهنية المجتمع العراقي خصبة ومهيأة لتصديق الإشاعات، ومهما كانت غير معقولة. وما يجعل سوق الإشاعة رائجة هو انقسام الشعب العراقي على نفسه إلى مكونات دينية وطائفية وعرقية متصارعة، إضافة إلى كيانات سياسية متنافسة على السلطة والنفوذ والمال. وقد أثبت الواقع بعد أن سقطت سلطة القمع، ومعها سقطت ورقة التوت عن عورات المجتمع العراقي، تبين أن هذه المكونات هي متعادية فيما بينها، لذلك فكل جماعة عندها الاستعداد والأذن الصاغية لتصديق أية إشاعة ومهما كانت بذيئة وغير معقولة ضد الخصم والترويج لها. وإذا ما احترم الإنسان عقله وتصدى للإشاعة ونبه الآخرين عن زيفها ومخاطرها، فسرعان ما توجه له تهمة العمالة لهذه الجهة أو تلك ما لم يسبح مع التيار والمساهمة في ترويج الإشاعة.

ويمكن القول أن  ألأشاعة هي الخطر الداهم الذي ساهم في تشويش وبلبلة عقول وضمائر شريحة واسعة من الناس، بمن فيهم أناس كانوا ومازالوا من ألد خصوم البعث.

ليس هناك أكثر خبرة من البعثيين في صناعة الإشاعة ونشرها على أوسع نطاق، فمنذ تأسيس حزبهم وخاصة خلال الستينات أيام حكم الأخوين عارف، وهم خارج السلطة، كانوا نشطين في هذه الصناعة. وخلال 35 سنة من استحواذهم على السلطة، أرسلوا آلاف البعثات الدراسية للغرب وبالأخص لألمانيا الشرقية في التخصص في الإعلام والتجسس والتدرب على التعذيب والحرب النفسية، والتفنن بتلفيق الإشاعات للسيطرة على عقول الناس، وإثارة الصراعات بين خصومهم (فرق تسد)، لإضعاف المجتمع  وإخضاعه لحكم البعث. وفي عهدنا هذا استفادوا كثيراً من تقنية نقل المعلومات مثل الانترنت والبريد الإلكتروني والفضائيات، وبرامج الكومبيوتر للتلفيق وتزوير الوثائق والتلاعب بعقول الناس.

الخبرة الأخرى التي امتلكوها هي، معرفتهم للعزف على الوتر الحساس لكل مكونة من مكونات المجتمع، واللغة التي يمكن أن تؤثر في كل منها. فإذا كانت الإشاعة موجهة للعرب السنة ضد الشيعة، يستخدمون تعابير مثل: "الصفيون"، و"الفرس المجوس"، و"عملاء إيران"، والنفوذ الإيراني،...الخ، أما إذا كانت الإشاعة موجهة لمخاطبة الشيعة لإثارة فئة ضد أخرى، أو ضد زعيم سياسي شيعي، وفي أكثر الحالات يكون السيد نوري المالكي هو المستهدف، فهنا يستخدمون عبارات من القاموس الشيعي، مثل أسماء بعض المرجعيات الشيعية لتتبعها عبارة "قدس الله سره"...الخ، واختيار أسماء خاصة بالشيعة لكاتب الإشاعة أو صاحب التصريحات المزيفة التي يراد تمريرها. المهم في هذه الحالة اعتماد كل الوسائل لإقناع المتلقي بصحة الإشاعة.

وعلى سبيل مثال لا الحصر، استلمنا قبل أيام تقريراً بعنوان: "السيستاني يكشف عن وصيته: الحكيم يصلي على جنازتي.. وأمنعوا المالكي وأعضاء حكومته من السير فيه". نجتزئ بعض الجمل من هذه "الوصية" التي زعم كاتبها أنها وصية المرجع الشيعي المعروف، آية الله السيد علي السيستاني.

يبدأ التقرير: " بغداد/ المستقبل نيوز: ذكر السيد باقر العلوي وكيل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني في نيوزيلندا ان "سماحة المرجع الأعلى كتب في وصيته لذويه ان يدفن كما دفنت جدته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) دون ضجة"، وأضاف خلال خطبة مناسبة الليلة الثالثة من ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في مسجد وحسينية الإمام المنتظر في مدينة أوكلاند، ان "سماحته أوصى بأن يصلي عليه صلاة الجنازة سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم".

الملاحظ هنا اسم وكالة الأنباء (مستقبل نيوز)، ولم اسمع بهذه الوكالة من قبل، وإن وجدت فهي واحدة  من عشرات "الوكالات البعثية" التي هي مجرد أسماء وهمية لهذا الغرض. الثاني، اختيار اسم "السيد باقر العلوي"، والإدعاء أنه وكيل السيد السيستاني، ليس في النجف الأشرف، ولا كربلاء، ولا في أية مدينة عراقية، بل في نهاية العالم، في نيوزيلندا. وإذا كان السيد السيستاني حقاً قد كتب هذه الوصية، فلماذا لم يسلمها لأحد وكلائه المقربين منه في العراق، ولماذا يرسلها إلى وكيل لم يسمع به أحد مقيم في نيوزيلندا؟

 

جملة أخرى جديرة بالتأمل: "وأضاف خلال خطبة مناسبة الليلة الثالثة من ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في مسجد وحسينية الإمام المنتظر في مدينة أوكلاند،...". هل حقاً هناك حسينية وبهذا الاسم في مدينة أوكلاند؟ وأي قارئ يريد أن يتحقق من ذلك؟

المهم هنا هو التركيز على اسم الشخص المستهدف من هذه "الوصية" المزعومة، وهو السيد نوري المالكي، فيقول: [وبيَّن وكيل المرجع إن "السيد السيستاني أشار في وصيته الى جملة من الأمور منها رفضه سير رئيس وأعضاء حكومة المالكي خلف جنازته،.."]. لماذا؟ فيوضح قائلاً: " وذكر السيد باقر العلوي إن "المرجع الأعلى ممتعض جداً من فشل المالكي وعلى مدار أكثر من ست سنوات من تحقيق أي منجز يذكر للشعب العراقي". فالبعثيون يبكون دماً على الشعب العراقي! وقال العلوي ان "المالكي يمتاز بالمكر والخديعة والقدرة على التفرقة بين الآخرين".] وهذا هو بيت القصيد من هذه الإشاعة.

على أي حال، تبين أن هذه "الوصية" قديمة، كانت متداولة منذ نهاية العام الماضي، وكان مكتب السيد السيستاني قد أصدر بياناً جاء فيه: "نفى مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني أمس صحة ما تداولته مواقع اخبارية بشأن وصية السيستاني، معرباً عن اسفه لنشر تلك المعلومات نقلاً عن شخص زعم انه وكيل المرجعية في نيوزيلندا." وأضاف "ان هذا الخبر مفبرك جملة وتفصيلا ولا يوجد لسماحته وكيل في نيوزلندا في الاسم المذكور ".المصدر:الصباح.(1)

إشاعة الأخرى قيد التداول هذه الأيام بعنوان: "هكذا باع نوري المالكى سيارة الملك غازى وقبض ثمنها 8 مليون دولار". وقد أتضح، أن سيارة الملك غازي استحوذ عليها عدي صدام حسين في التسعينات، وباعها. وهكذا راح هؤلاء يستعيرون جرائم أسيادهم وينسبونها للمالكي.

ومثال آخر هو إشاعة إستبعاد إرسال الشيعة من بعثة الطيارين للتدريب في أمريكا..الخ، الخبر الذي نفاه آمر القوة الجوية، أو خبر (منع غير المحجبات من دخول الكاظمية يثير استغراب الأهـــالـي ويــزعــج التــجــار)، جاء فيه: "أعلنت الحكومة المركزية والمحلية منع دخول النساء السافرات في عموم مدينة الكاظمية تلبية لطلب احد القادة الأمنيين الذي كان قد حضر مجلس عزاء بمدينة الكاظمية واثناء تجواله بالمدينة شاهد امرأة غير محجبة فطلب منع دخول غير المحجبات إلى عموم مدينة الكاظمية... وطالب باستحداث شرطة اطلق عليها اسم شرطة الآداب". وعند صدور مثل هذه الإشاعة لا بد وأن تتبعها ردود أفعال بين إدانة وتأييد، وإثارة الرأي العام وتضليله وإشغاله بمثل هذه الأمور.

هذا الخبر، هو الآخر تبين أنه مفبرك، حيث نفته وزارة الداخلية جملة وتفصيلاً، إذ كما جاء في السومرية نيوز: (الداخلية تنفي منع دخول النساء "غير المحجبات" إلى مدينة الكاظمية)، ورد فيه: "نفت وزارة الداخلية العراقية، الأربعاء، (29/8/2012) الأنباء التي تحدثت عن منعها النساء غير المحجبات (السافرات) والشباب الذين يرتدون ملابس الموضة والقصيرة من الدخول إلى مدينة الكاظمية، وفي حين أكدت أن ذلك يدخل ضمن الحريات الشخصية، أشارت إلى أنها لا تضم في تشكيلاتها شرطة الآداب".

والسؤال هنا: ما الغاية من نشر هذه الإشاعات والأخبار الكاذبة، ومن المستفيد منها؟ الغاية واضحة، وهي التصيد بالماء العكر لإفشال العملية السياسية والديمقراطية بغطاء الدفاع عن الديمقراطية "الحقيقية". والديمقراطية الحقيقة في رأي هؤلاء هي أن تكون حسب مقاسات البعثيين ، وأن الإسلاميين لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، ويرددون مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه). ولا أدري متى كان البعثيون وحلفاؤهم، ومن لف لفهم، كانوا ديمقراطيين حقيقيين؟

أن الدولة الديمقراطية لا يمكن بناؤها على الإشاعات وتلفيق الأخبار الكاذبة. فهذه الحملة ليست نزيهة، ودليل على أن المستهدف منها هو على حق، لذلك يلجأ خصومه إلى التلفيق ومحاربة الحقيقة. وهم على خطأ، لأن ما بني على باطل فهو باطل، ودليل على الإفلاس الفكري والسياسي والأخلاقي.

خلاصة القول، أن العراق الجديد يواجه هجمة ضارية من الشباطيين، القدامى والجدد، في تضليل الناس بنشر الإشاعات، والأخبار المفبركة، القصد منها إرباك القيادة السياسية، وتضليل الناس، وخدعهم لإفشال العملية الديمقراطية، وتمهيد الطريق لعودة حكم البعث الفاشي. وحسناً فعل مكتب آية الله السيد السيستاني بالرد السريع وتكذيب الإشاعة عن الوصية المزعومة. لذلك نقترح على من يهمه الأمر، وخاص مكتب رئاسة الحكومة، تشكيل لجنة من الإعلاميين مهمتها ترصد الإشاعات والأخبار الكاذبة، والتصدي لها وفضحها وهي في المهد، وملاحقة صناعها ومقاضاتهم لحماية الرأي العام من التضليل.

 

لا شك أن مواجهة الخرافة والإشاعة عملية صعبة، لأن السباحة عكس التيار أصعب من السباحة مع التيار، ولكن يجب أن لا تثنينا هذه الصعوبات عن أداء واجبنا الوطني وإرضاء ضميرنا، إذ كما قال جورج أورويل: "قول الصدق في زمن الخديعة عمل ثوري".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك