دراسات

هل كان إدريس الأول مؤسس أول دولة إسلامية بالمغرب شيعيًّا؟

4657 20:05:00 2013-03-23

 

أعادت تصريحات الباحث الأكاديمي أحمد عصيد، أخيرًا، بخصوص “شيعية” إدريس بن عبد الله الذي تقدمه كُتب التاريخ على أنه مؤسس “أول دولة إسلامية” بالمغرب، وقوله أيضًا إن إدريس الثاني وٌلد بعد وفاة إدريس الأول بـ11 شهرًا، جدلًا وسجالًا بين مراقبين ومختصين، فمنهم من اعتبر أن الأمر وارد جدًّا بالنظر إلى اعتقاد إدريس الأول بأحقية أهل البيت في الإمامة، ومن يرى أن إدريس الأول لم يكن شيعيًّا بل كان إمامًا من أئمة السنة، ولأن “الإمام مالك بايع أخاه محمدًا، ومالك لا يبايع إلا سُنيًّا”.

إدريس الأول شيعي

وكان عصيد قد أفرد حيزا رئيسيًّا، في محاضرته التي ألقاها السبت المنصرم حول الهوية بالمغرب في العرائش، لمسألة “تزوير” الحقائق التاريخية التي انبنى عليها تاريخ السلالات الملكية التي حكمت المغرب بما فيها الأسرة العلوية”، موضحًا بأن “الخطاب الرسمي للدولة المغربية يقدم تحليلًا غريبًا يقوم على تزوير فادح للتاريخ بخصوص تحديده للهوية”.

وقال عصيد، في محاضرته تلك، إن التاريخ الرسمي يتحدث عن كون إدريس بن عبد الله هو مؤسس الدولة المغربية، لكن إدريس هذا لا يمثل المغاربة فهو رمزية مرتبطة بعائلة معينة فقط dynastie، مشيرًا إلى أنه عندما جاء إدريس الأول لم يكن المغرب بدون دولة ، فقد كانت تحكمه حينئذ ثلاث إمارات قوية..

وتابع الباحث الأمازيغي بأن إدريس الأول قدم من المشرق، وبويع إمامًا وليس ملكًا، وكان شيعيًّا، وهذه الأمور يتم إخفاؤها الآن، يضيف عصيد، وتتحدث الوثائق عن كونه كان شيعيًّا لأنه كان من بين الذين اضطُهدوا من طرف العباسيين حيث شُتتوا وقُتلوا في معركة “فخ” التي كانت بين العباسيين والعلويين الشيعة”، وزاد الباحث بأن إدريس الأول قضى في المغرب 5 سنوات بين ظهراني المغاربة ثم توفي مسمومًا، وولد نجله “المُفترض” إدريس الثاني بعد 11 شهرا من وفاته، وهذه معطيات لا توجد في التاريخ الرسمي” يجزم عصيد في محاضرته تلك.

ولعل طرح عصيد هذا أثاره من قبل الباحث الشيعي إدريس هاني الذي سبق أن انتقد فيه المُنْكرين لـ”شيعية” إدريس الأول، حيث قال في ثناياه إن “البعض يسعى إلى إنكار شيعية المولى إدريس بن عبد الله دون أن يكلف نفسه سوى ترديد أحكام اجترها من يزعجه شيعية هذا القائد العلوي الذي حتى لو جارينا افتراضهم بأنه ليس كذلك، فالأقرب من ادعاء سنيته هو ادعاء زيديته أو اعتزاليته؛ لكن لا هذا صحيح ولا ذاك، يضيف هاني، إذ مستند المنكر لشيعية إدريس بن عبد الله، هو خطاب مذهبي مهلهل يحتج في أرقى محاولاته العبثية بالقول: إن إدريس لم يؤمن بالعصمة ولا بالرجعة ولا بالتقية، وهذا استدلال ضعيف إن لم أقل مغالط لأسباب منهجية وأخرى تاريخية”، يؤكد هاني.

بين الصواب والخطأ

وتعليقًا على مضمون ما قاله عصيد، أفاد الباحث في الفكر الشيعي عصام احميدان إن “السيد عصيد ارتكب أخطاء منهجية وعلمية فادحة بصدد حديثه عن الشرعية التاريخية للملكية، فمن جهة قوله إن إدريس الأول كان “شيعيًّا”، فإن كلمة “شيعي” لغة تعني النصرة، وفي الاصطلاح استعملت للدلالة على أنصار آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحيث إن إدريس الأول هو أحد أفراد أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يصنف على هذا الأساس، فذرية الرسول عامة الناس هم محبوهم وأنصارهم وشيعة لهم”.

وتابع احميدان: “أما لو كان قصد عصيد أن الدولة الإدريسية كانت شيعية الهوى، وأن التشيع لآل البيت غلب على مجتمعها، فهذا وارد لأن إمام أهل السنة والجماعة في المغرب وغيره ؛ وهو أبو الحسن الأشعري وهو ممن عاصر نهاية الدولة الإدريسية ؛ شهد بذلك في كتابه “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ” ـ الطبعة الثالثة لدار إحياء التراث العربي، الصفحة 63،64، في باب عنونه بـ “رجال الرافضة ومؤلفو كتبهم ” والتشيع غالب على أهل قم وبلاد إدريس بن إدريس، وهي طنجة وما والاها والكوفة ..”،

واستدل احميدان أيضا بما قاله ابن أبي زرع في روض القرطاس “فقال راشد جعلت فداك إن الأمر كما ذكرت، قال فمن أي الأقاليم أنتما؟، قالا من الحجاز، قال فمن أي بلاده، قالا من مكة، قال وأخالكما من شيعة الحسنين الفارين من وقعة فخ، فهما بالإنكار، ثم توسما فيه الخير أرأيت إن أخبرناك من نحن أكنت تستر علينا، قال نعم ورب الكعبة وأبذل الجهد في صلاح حالكما، فقال راشد هذا إدريس بن عبد الله بن حسن وأنا مولاه راشد، فررت به خوفًا عليه من القتل ونحن قاصدون بلاد المغرب، فقال الرجل لتطمئن نفوسكما: فإني من شيعة آل البيت وأول من كتم سرها فأنتما من الآمنين ثم أدخلهما منزله وبالغ في الإحسان إليهما ..”، فضلًا عن العملة الإدريسية التي حملت اسم “محمد وعلي”، وهناك العديد من الأدلة والحجج التاريخية التي لا يسع المقام لبسطها لها في هذا المقام تؤكد شيعية الدولة الإدريسية” يورد احميدان في معرض أدلته على شيعية الأدارسة.

ومن جهة أخرى، يرى احميدان بأن “تشكيك السيد عصيد في نسب ملايين من الأدارسة في المغرب والعالم قد جانَب الصواب، لكونه اعتمد على ادعاء قديم بكون إدريس الثاني ولد بعد وفاة إدريس الأول بأحد عشر شهرا بكل ما يتضمن ذلك من غمز ولمز، وتشكيك بلا حجة أو دليل، خاصة أن تاريخ استشهاد مولاي إدريس الأول غير معلوم بأي شهر على وجه الدقة، بل إن النصوص التاريخية اضطربت حتى في إطار تحديد السنة بين قائل أنها سنة 174 هـ وقائل أنها سنة 177 هـ..فمن أين للسيد عصيد بهذا التحديد الدقيق الذي غاب عن جل المؤرخين والمحققين؟، يتساءل احميدان في ختام تصريحاته لهسبريس.

مغالطات تاريخية

وبالمقابل، اعتبر الدكتور عبد الحق الطاهري، أستاذ التاريخ بجامعة مكناس،  بأن “عصيد ليس أهلا لأن يتحدث في كل موضوع، فهو ناشط ومثقف أمازيغي لكنه ليس مؤرخًا حتى يلم بتفاصيل وقضايا تاريخ البلاد، ويتعين عليه عدم الخوض في كل شاردة وواردة إذا أراد أن تكون لديه مصداقية لدى المستمعين والمتلقين” يقول الطاهري.

وأردف الأستاذ الجامعي بأن “عصيد لم يأت بجديد في هذا السياق، وهو ليس أول ولن يكون آخر من يقول إن إدريس الأول كان شيعيا على الطريقة الزيدية”، مشيرا إلى أن الشيعة الزيدية تعد أقرب الطوائف الشيعية إلى السنة، فشيعة الزيدية بخلاف الرافضة لا تقول بتكفير الصحابة والأئمة الكرام أو سبهم.

وأفاد المتحدث بأن الحَكَم الفيصل في هذا الموضوع التاريخي الشائك يعود إلى ما بقي من تراث إدريس الأول رغم قلته، باعتبار أن هناك مصادر تاريخية تؤكد بأن إدريس الأول كان سنيا مالكيا، وبأن الإمام مالك رحمه الله كان تلميذا لوالد إدريس الأول عبد الله، وأثنى عليه وعلى خصاله ومناقبه كثيرا.

وبالنسبة للقول بأن إدريس الثاني وُلد بعد 11 شهرا من وفاة إدريس الأول، يردف الطاهري، فهذا غير صحيح تماما، ويتعين على عصيد الذي أتى بهذا الادعاء أن قدم حجته وبرهانه التاريخي في هذه المسألة، مشيرا إلى أن كتب التاريخ تتحدث عن كون إدريس الأول توفي وزوجته حامل في شهرها السابع بنجله إدريس الثاني، بمعنى أنه رأى النور بعد شهرين من وفاة والده إدريس الأول، وليس 11 شهرا كما قال عصيد.

وألمح الطاهري إلى أن ” عصيد  يثير مواضيع هامشية لإثارة الانتباه ولا يتطرق إلى القضايا الرئيسية”، مردفًا بأن عصيد لا يستطيع الخوض مثلا في مسألة هل كانت كنزة الأوروبية ـ ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية ـ زوجة لإدريس الأول أم كانت جارية له مثلا كما تورد بعض المصادر التاريخية.

نداء إدريس الأول إلى “البربر”

ولعل أصل قضية “شيعية” إدريس الأول من عدمها ليست وليدة اليوم، فقد أفاد الزعيم الروحي لحزب الاستقلال علال الفاسي بأن إدريس الأول لم يكن سوى سُنيا وما كان شيعيا أبدا، مستشهدًا بوثيقة أدرجها في أحد كتبه عبارة عن “نداء” من إدريس ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي أبي طالب، دعا من خلاله المغاربة إلى الانضمام إلى “ثورة” أخيه محمد الملقب بـ”النفس الزكية” أيام خلافة المنصور العباسي سنة 145 هـ.

ومما جاء في نداء إدريس الأول الذي وجهه إلى المغاربة دعوته إياهم بإقامة الإسلام نقيا صافيا انطلاقا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، و”التوبة عن الذنوب بعد الإنابة والإقلاع، والنزوع عما يكرهه الله، والتواصي بالحق والصدق، والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلها..”.

وقال إدريس الأول مخاطبا المغاربة، وفق الوثيقة التي نشرها علال الفاسي، “وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقاً وغرباً، وأظهروا الفساد، وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً، فليس للناس ملجأ، ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء، فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر، اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين، من ذرية النبيين، فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين.. واعلموا معاشر البربر أني أتيتكم، وأنا المظلوم الملهوف الطريد الشريد، الخائف الموتور الذي كثر واتره، وقل ناصره، وقتل إخوته، وأبوه وجده، وأهلوه، فأجيبوا داعي الله، فقد دعاكم إلى الله، فإن الله عز وجل يقول: (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء).

واستنتج الفاسي من مضامين هذا النداء التاريخي بأن “إدريس الأول ما كان شيعياً، بل كان إماما من أئمة السنة، لأن خطبته ضمت مفاهيم توحيدية لا تشبه ما عند “المعتزلة”، ولأن الإمام مالكاً بايع أخاه محمداً، ومالك لا يبايع غير سني، ولأن العباسيين لو علموا أن إدريس كان شيعياً لشنعوا عليه في مؤامراتهم”، وفق رأي الزعيم المغربي الراحل.

19/5/13323

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك