دراسات

الديمقراطية والأديان في العراق: تعارض أم تعايش؟

3898 23:24:00 2012-04-09

قاسم العجرش

في هذه المقاربة نحاول تلمس طريقا للعلاقة بين الديمقراطية كمنهج لبناء الدولة وممارسة الحكم من جهة ورسم ملامح العلاقة بين مكونات الشعب، وبين الأديان والمذاهب في العراق من جهة أخرى، وكمفاتيح لبوابة هذا الطريق سنتعرض للإجابة على أسئلة عديدة وشائكة، وإن لم تكن الأجابة على كل سؤال على حدة، والأسئلة التي سنطرحها أسئلة غرضية من قبيل: هل ثمة تعارض بين الأديان والمذاهب السائدة في العراق من جهة، والممارسة الديمقراطية الجارية فيه من جهة أخرى؟..أو بصورة أدق، هل تشكل الأديان والمذاهب عائقا أمام تطبيق الديمقراطية فيه؟ أو بصورة سؤال آخر، هل في آليات الديمقراطية تناقض مع الأديان والمذاهب؟ وهل أن التناقض أصيل أم مصطنع ؟ وإذا كان أصيلا فما هي حلول المشكلات الناجمة عن هذا التناقض؟ وإذا كان تناقضا مفتعلا فهل أنه مفتعل بقصدية السوء أم أن أفتعاله طبيعي وناجم عن التطبيقات؟ وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك فما هو توصيفه؟..ومن يقف وراء الترويج للتناقض وإفتعاله؟ وهل ثمة مستفيد من التناقض؟.. وهل نجد مصداقا واقعيا لما قاله الملك فيصل الأول في مذكرة سرية له وجهها الى المس بيل المرأة البرطانية التي لعبت دورا محوريا في صناعته ملكل على العراق وكانت تعمل آنذاك كضابطة مخابرات تحت عنوان سكرتيرة المعتمد السامي البريطاني، كتبها في بدايات تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الفائت، حين يقول: " أقول وقلبي ملأن أسى أنه في إعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل كتل بشرية خالية من أية فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائما للإنقضاض على أية حكومة كانت، نحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعب نهذبه وندربه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لأتمام هذا التكوين وهذا التشكيل "؟!!ثم هل أن العلاقة بين الديمقراطية والأديان والمذاهب في كل مكان هي مثلما هي ما عليه في العراق؟

كما ترون فإن باب التساؤل الأول قد إنفتح على سلسلة ربما ليس لها نهاية منطقية من الأسئلة، ومعظمها ليس من النوع العبثي، إذ أنها أسئلة ناتجة عن إعمال العقل في الموضوع.. وقبل محاولة التوصل الى إجابات منطقية على حزمة الأسئلة هذه لابد من توصيف الوضع الديني والمذهبي في العراق، لا من زاوية تعداد مكوناته وعناصره الدينية والمذهبية، لأن هذه مهمة تناولها الكثير من الباحثين والكتاب وأشبعوها بحثا وتحليلا، فبعضهم تناولها بشكل علمي رصين مجرد من الأهواء ، وبعضهم الآخر لم يوفق الى التوصل الى عرض محايد للموضوع بل كان بحثه مليئا بالضغائن . وآخر يوزع الإتهامات بكل الإتجاهات التي يحمل فيها الأحزاب الأسلامية العاملة في الأوساط الشيعية (حصرا) كل الأسباب التي تؤدي الى نكوص في آليات تنفيذ الديمقراطية ..غير أن في الأوساط الأكاديمية الرصين من يقرأ الواقع قراءة مختلفة، اذ ترى أن العالم يعود الآن الى الأديان والعقائد‏.‏ ونري مظاهر هذه العودة في بلاد شتي ومناطق عدة مسلمة ومسيحية وهندوسية وغيرها‏.‏ وقد تناولت دراسات عدة هذه العودة‏,‏ وآخرها دراسة نشرتها فورين أفيرز بوليسي في عددها الأخير(.‏ وخلصت هذه الدراسة الي نتائج من أهمها أن التدين ينتشر في العالم‏,‏ وأن دور الدين يزداد في العلاقات الدولية كما في التفاعلات الداخلية لكثير من الدول‏,‏ وأن العولمة تدعم هذا التطور وتوفر الوسائط اللازمة لدور جديد للدين‏.‏ وإذ يحدث ذلك في الغرب‏,‏ وليس في الشرق فقط‏,‏ فهذا مؤشر جديد علي أن النموذج العلماني الذي ارتبط صعوده بقيم عصر التنوير يفقد جاذبيته يوما بعد يوم‏.‏ فقد تبين أن العقل يفسد مثلما يصلح‏,‏ ويدمر مثلما يعمر‏.‏ ثبت أن العقل لا يقود دائما الي العقلانية‏.‏ وكان من نتيجة ذلك عودة بطيئة ولكنها مطردة الى المسيحية في بعض بلاد الغرب‏.‏ وفي إيضاح لما تناولت المجلة الأمريكية ذات الإنتشار الواسع في الأوساط المعرفية يعلق الدكتور وحيد عبد المجيد في مقاله الرصين "الدين

والدولة المدنية في الانتخابات البرلمانية" المنشور في عدد جريدة الأهرام الصادر في الثلاثاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2010 حين يقول "أن الإحياء الديني الأقوى والأوسع يحدث في الشرق المسلم الذي تنتفخ هوياته الدينية في تطور يثير خلافا علي إيجابياته وسلبياته ويطرح أسئلة قد يكون أهمها السؤال عن تأثيره على طبيعة الدولة في بعض بلادنا العربية والمسلمة‏".‏

ونعترف أنه قد ثار الجدل وسيظل ثائرا حول الدولة المدنية والدولة الدينية. واشتد اللغط حول طبيعة ومفهوم الدولة الاسلامية وفى ظل الجدل السياسي والفقهي حول مرجعية الدولة وهل هي مدنية لا مكان فيها للأديان ؟ أو مدنية ذات مرجعية إسلامية رغم ما قد يثيره هذا المفهوم الاخير لدى دعاة المدنية من تكريس للدولة الدينية ؟ نتساءل ماذا يعنى المفكرون الاسلاميون قولهم ان الحكم الإسلامي يقوم على المدنية والشورى وأن الشريعة الاسلامية لا تقر ولا تعترف بالدولة المدنية ؟ وكيف يمكن فض الالتباس ين الدين والسلطة ؟ وماهي الضوابط التي اقرها الفقهاء أساسا لنظام الحكم في الدولة الاسلامية ؟

وفي هذا الصدد نستحضر رأي السيد محمد باقر الحكيم الذي يبين بكلمات قليلة تصل الى المتلقي بيسر من أنه وقد أشار إلى ذلك في الجمعة الثانية/ الخطبة الثانية بقوله:

(كما توجد في العراق مذاهب مختلفة، فيه شيعة وسنة، بالإضافة إلى طبقات اجتماعية مختلفة في مستواها وأوضاعها، والجامع الذي يجمع هؤلاء العراقيون حتى المسيحيين منهم هو الإسلام) " عندما يكون الحكم فاسدا، فأنه يقوم على أساس التمييز والأضطهاد للأمة والشعب، وعندما يكون بهذا الشكل، لابد أن ينتهي الة هذا المصير دون أن يكون هذا الحكم يستلزم هذا المنهج أو ذاك، وهذه الأيدولوجية العقائدية أو تلك...وعندما يكون الحكم فاسدا تكون النهايات للمجتمع هذا الدمار وهذا الأذى..وبالإشارة إلى قضية الحركة الاجتماعية مصداقا للآية القرآنية {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}( وهنا كان يؤكد على أن مثل هذه الواجبات في إصلاح وإدارة المجتمع لا يمكن أن يقوم بها المواطن بمفرده وإنما يأتي من خلال الجماعات، ولذلك قال في الجمعة الخامسة/ الخطبة الأولى: (هذا الموضوع يعتبر من أهم الموضوعات التي لابد من الانتباه إليه، لاسيما في مجتمعاتنا المعاصرة التي تحتاج إلى حركة جماعية حتى تصبح الجماعة عندئذ قادرة على أداء واجبها وتكليفها. ولذلك دعونا وندعو المؤمنين جميعا في مختلف مناطقهم، أن يشكلوا لجانا وجماعات تقوم بالمهمات العامة، سواء كانت هذه المهمات واجبة كإقامة الشعائر الدينية والواجبات الشرعية، أم كانت مهمات مقاومة المنكرات التي يواجهها مجتمعنا).

ويعود في جانب آخر من نفس الخطبة ليؤكد على دور الجماعة في قيادة المجتمع وإصلاح أوضاعه حيث يقول: (ضرورة إيجاد المؤسسات والتجمعات والكتل الصالحة القادرة على ملاحقة هذا النوع من المنكرات الجماعية، فالفرد الواحد عاجز عن النهي لضعفه أمام المؤسسة الكبيرة المتمثلة بأجهزة الدولة، أو أجهزة ذات طابع غير رسمي، ولكنها تمارس مثل هذا الفساد الاجتماعي أو المنكرات الاجتماعية)ويمضي الى القول أن ه لابد أن نفهم أن قضية الحكم في أي مجتمع من المجتمعات هي القضية الأساسية المركزية التي تربط مصائر الناس، فإذا كان الحكم صالحا فالناس في صلاح، وإن كان فاسدا فالناس في فساد، ولذلك أقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الحكم في أول يوم دخل المدينة المنورة

ولا بد من ولوج معنى الدولة المدنية والمجتمع المدني ليس للتعريف بل بغاية التوصيف ،.. فقد ظهرت فكرة الدولة المدنية عبر محاولات فلاسفة ما أصطلح عليه بعصر التنوير، لتهيئة الأرض ــ فكريا ــ لنشأة دولة حديثة تقوم على مبادئ المساواة وترعى الحقوق، وتنطلق من قيم أخلاقية خاصة فى الحكم والسيادة.. ولقد تبلورت فكرة الدولة المدنية عبر إسهامات لاحقة وجهد كبير شارك فيه متخصصين بمصادر مختلفة فى العلوم الاجتماعية،ولكى يبلور المفكرون طبيعة الدولة الجديدة، لجأوا إلى تصوير أن الحالة السائدة آنذاك، والتي يدعون الى نقضها تقوم على الفوضى وعلى طغيان الأقوى. وهم يرون أن هذه الحالة تحكمها مشاعر القوة والغضب والسيطرة.وتفقد الى روح المدنية التى تتسم بالتسامح والتساند والتعاون من أجل العيش المشترك. ليوصلوا المتلقي ـ وهو هنا المجتمعات البشرية على تنوعها وإختلافها ـ الى أن لا سبيل الى سيادة هذه الروح التى تمنع الناس من الاعتداء على بعضهم

البعض ألا بتأسيس الدولة المدنية، من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو الدينية والمذهبية، تستطيع أن تنظم الحياة العامة وتحمى الملكية الخاصة، وتنظم شئون التعاقد، وأن تطبق القانون على جميع الناس بصرف النظر عن مكاناتهم وانتماءاتهم..

وهم يرون بأن الدولة المدنية وحدها قادرة على أن تمثل إرادة المجتمع، بما يعنى أن فكرة الدولة المدنية تنبع من إجماع الأمة ومن إرادتها المشتركة، وإذ تتأسس الدولة المدنية على هذا النحو، فإنها تصبح دولة توصف بأوصاف كثيرة من أولها: أنها دولة قانون، فالدولة المدنية يعرفها المنظرين لها على أنها اتحاد من أفراد يعيشون فى مجتمع يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل. فمن الشروط الأساسية فى قيام الدولة المدنية، ألا يخضع أى فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فثمة دائما سلطة عليا ـ هى سلطة الدولة ـ يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك، هذه السلطة ـ وحدها ـ هى التى تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل الأطراف، وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم. ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا. ومن خصائص الدولة المدنية أنها تتأسس على نظام مدنى من العلاقات التى تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة. إن هذه القيم هى التى تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق؛ أى وجود حد أدنى من القواعد التى تشكل خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها، على رأسها احترام القانون (وهو يشكل القواعد المكتوبة). وتأتى بعده قواعد عرفية عديدة غير مكتوبة تشكل بنية الحياة اليومية للناس، تحدد لهم صور التبادل القائم على النظام لا الفوضى، وعلى السلام لا العنف، وعلى العيش المشترك لا العيش الفردى ،وعلى القيم الإنسانية العامة لا على القيم الفردية أو النزعات المتطرفة ..

ومن ثم فإن الدولة المدنية لا تستقيم ألا بشرط ثالث هو المواطنة. ويتعلق هذا الشرط بتعريف الفرد الذى يعيش على أرض هذه الدولة. الفرد في الدولة المدنية مجرد من توصيفاته الأخرى المتعلقة بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته, وإنما يُعرف فقط تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين تساويا مطلقا. فإذا كان القانون يؤسس فى الدولة المدنية قيمة العدل، وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فيها قيمة السلام الاجتماعى، فإن المواطنة تؤسس فى الدولة المدنية قيمة المساواة. وكما يلحظ من هذا التعريف أنه مغرق بالطوباوية، ويفقتقر الى إشتراطات الواقعية التي سنرى لاحقا أنها من ضرورات الدولة المدنية، وهنا واحد من أكبر سقطات دعاة الدولة المدنية..

فالمواطنون يتساوون أمام القانون، ولكل منهم حقوق وعليه التزامات تجاه المجتمع الذى يعيشون فيه، ويجب أن يكون جلهم من المواطنين النشطاء الذين يعرفون حقوقهم وواجباتهم جيدا، ويشاركون مشاركة فعالة فى تحسين أحوال مجتمعهم بحيث يرقون بمدنيتهم على نحو دائم، ويخلصون إخلاصا كبيرا لكل ما هو «عام»: الصالح العام، والملكية العامة، والمبادئ العامة. فهم يحرصون دائما على كل ما يتصل بالخير العام ،وهو تصور وإن كان لذيذا في مظهره لكنه تصور صعب المنال لأن الموطنين غير متساوين بما توفروا عليه من إدراك معرفي ، وليس بالمقدور الحصول على مجتمع يتوفر على نسبىة معيارية تحقق هذا التصور..

وتأسيسا على مبدأ تساوي المواطنين بالحقوق والواجبات آنف الذكر، فإن الدولة المدنية لها خصيصة رابعة مهمة وهى الديمقراطية. فالديمقراطية في الدولة المدنية هى التى تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية. وفي المجتمع المدني فإن الديمقراطية هى وسيلة الدولة المدنية لتحقيق الاتفاق العام والصالح العام للمجتمع، كما أنها وسيلتها للحكم العقلانى الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها. إن الديمقراطية تتيح الفرصة للتنافس الحر الخلاق بين الأفكار السياسية المختلفة، وما ينبثق عنها من برامج وسياسات. ويكون الهدف النهائى للتنافس تحقيق المصلحة العليا للمجتمع (إدارة المجتمع والسياسات العامة بأقصى درجات الدقة والإحكام والشفافية والأداء الإدارى المتميز النزيه) والحكم النهائى فى هذا التنافس هو الشعب الذى يشارك فى انتخابات عامة لاختيار القيادات ونواب الشعب، لا بصفتهم الشخصية وإنما بحكم ما يطرحونه من

برامج وسياسات.. وعلى هذا فإن الديمقراطية هى الوسيلة التى تلتئم من خلالها الأفكار المختلفة والتوجهات السياسية المختلفة، للارتقاء الدائم بالمجتمع وتحسين ظروف المعيشة فيه، وكذلك الارتقاء بنوعية الثقافة الحاكمة لعلاقات الأفراد وتفاعلاتهم، ويفترض دعاة الدولة المدنية ـ العراقيين خاصة ـ تحقق ذلك دون الإلتفات الى تجذر الدين في الثقافة العراقية، متجاوزين كثيرا من الإشتراطات التي تحقق نقطة شروع واحدة يقف عليها المواطنين، ففي الشورى الإسلامية يقف المواطنين عند نقطة شروع واحدة وكلما تقدموا الى أمام تميزوا بالعمل"قل أيكم أحسن عملا"،والعمل الصالح في الشورى الأسلامية هو معيار المواطنة الأول، فيما تعوم المواطنة في نظام الحقوق والواجبات المدني على قاعدة التوازن بينهما ..

بمعنى مختصر إن الديمقراطية هي الطريق الأوحد في النظام المدني نحو التقدم الدائم، ولا تتحقق الديمقراطية ألا بقدرة الدولة المدنية على تطوير مجال عام أو ميدان عام ،وهو مصطلح يطلق على مجال النقاش والتداول العام الذى يحقق التواصل الاجتماعى بين الجماعات المختلفة والآراء المختلفة. ويضم المجال العام مجالات فرعية للنقاش والحوار، تبدأ من الصالونات الفكرية وتتدرج عبر الجمعيات الأهلية والمنتديات والمؤتمرات العامة وصولا إلى النقاشات التى تدور فى أروقة النقابات المهنية وجماعات الضغط والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية. وهذا الميدان العام يحافظ على استقلاله، بحيث يكون قادرا على طرح أفكاره على نحو موضوعى ومحايد، فالمجال العام هو الذى يلهم المجتمع الأساليب القويمة فى التفكير والتدبر العام والتواصل الجمعى. إنه يحول المناقشات المتفرقة إلى مناقشات تصب فى هدف عام، وتتم وفق قواعد وأصول عقلية بحيث لا يتحول النقاش إلى فوضى، طالما أنه يقوم على العقل والبصيرة والتدبر والقدرة على التفاوض وتقديم الحلول والمرونة فى الاستجابة لأفكار الأطراف الأخرى.

ونعلم أن في المجال العام هناك متطرفين من العلمانيين مثلما هناك متشددين متدينيين، وربما نشهد تشددا وتطرفا علمانيا أكثر مما نشهد تطرفا في الجهة المقابلة، ووفقا لنظريات الأتصال فإن المجال العام ينبني ـ بجانب عملية التدبر العقلى والتفاوض ـ على ما يطلق عليه الاتصال. وهو فعل يقوم على احترام أفعال الآخرين وأفكارهم، والاستجابة إليها على نحو عقلانى بحيث يتجه النقاش صوب المصلحة العامة دون إحداث صخب أو ضوضاء أو عنف أو تنافر أو تنابذ أو رفض، وتجنب الوقوع في التشدد والتطرف مهما كان مصدرهويؤشر ذلك يتوسع فريد د .برهان شاوي في كتابه مدخل في الأتصال الجماهيري ونظرياته الى نقطة مهمة في موضوع توظيف الأتصال في بناء الدولة والتأثير في الرأي العام.

إن ما يقال عن الحرية والعقلانية في الإديان يمكن أن ينطبق على المساواة والتعددية وسيادة القانون أيضاً. والتعامل مع الديمقراطية لآ يقتصر على البعد الفكري فيها. إذ أن قيم الأديان في مجملها منهجاً حياتياً. وهي متأصلة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بغض النظر عن موقف الإسلام من قيم الديمقراطية ذاتها. إن الاتصال السليم القائم على أسس الاعتراف بالاخر وعدم الرغبة في الهيمنة واحترام الهوية والذات لا يمكن أن سببا في توليد الصراع، وهناك مجتمعات كثيرة تقوم على أساس التعددية العرقية والدينية والثقافية وتمكنت من خلال الدستور والديموقراطية أن تزيل أسباب التو تر الناجمة عن أختلاف الثقافات والأديان والأعراق، وفي هذا الصدد يقول الإمام الخميني " لقد تمكنت الدولة الإسلامية قديما من تحقيق هذا التوازن وعاش اليهود والمسيحيون والهندوس وغيرهم في ظل الحكومة الإسلامية ينعمون بالتسامح على كل مستوياته ويحققون هويتهم الدينية والثقافية.وأن ما تشيعه الماكنة الأعلامية المعادية للأسلام وعملت عليه بزيادة الهوة وركزت في أذهان الناس أن ألسلام دسن لا يختلف عن سائر الأديان الأخرى، وأن وظيفته ينبغي ان تقتصر على المسجد فقط، وأن علاقة العبد بربه فقط دون المساس بالقضايا الجتماعية والسياسية المهمة، وروجت لقضية فصل الدين عن السياسة ".

ومهما يكن التنظير الطوباوي،فإن الدين يظل فى الدولة المدنية عاملا أساسيا فى بناء الأخلاق وفى خلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. هذه وظيفة للدين أصيلة فى كل المجتمعات الحديثة الحرة.. ومن ثم فليس صحيحا أن الدولة المدنية تعادى الدين أو ترفضه. فالدين جزء لا يتجزأ من منظومة الحياة وهو

الباعث على الأخلاق والاستقامة والالتزام، بل إنه عند البعض الباعث على العمل والإنجاز والنجاح فى الحياة. ينطبق ذلك على الإنسان فى حياته اليومية كما ينطبق على رجال السياسة بنفس القدر .. ويتعين النظر الى المؤسسات الدينية والتشكلات المذهبية كمؤسسات مجتمع مدني أصيلة، إذ ليس ثمة تعارض بين التمدن والتدين، بل وعلى مر العصور كنا نجد أن المؤسسات الدينية هي مؤسسات ذات طابع تمديني حضاري. وفي الحالة العراقية ونظرا للتنوع الشديد دينيا ومذهبيا لعبت المؤسسة الدينية دورا مهما في الحفاظ على المظاهر الثقافية والمعرفية للشعب العراق إذا كانت هي المؤسسة الوحيدة التي تشيع التمدن وتعمل وفق إشتراطاته، ولم ينافس المؤسسة الدينية في قيادتها للمجتمع إلا الحكام الذين وجدو أن منافستهم خاسرة إذا لم يكيفوا أنفسهم وفقا لتوجهات المؤسسة الدينية، وفي الحالة السيعية كانت إستقرلية المؤسسة الدينية عن السلطات عاملا مهما لكبح جماح الحكام من جهة، وتشكيل واقع مجتمعي رافض للإستبداد السلطوي,,أما على صعيد المؤسسة الدينية السنية فقد كان الوضع يختلف بعض الشيء بسبب أن الفقه السياسي الذي تعتنقه تلك المؤسسة يوجب عليها أن تحتفظ بعلاقة حسنة مع االحكام ماداموا يمثلون ولي الأمر الذي توجب عليهم طاعته، حتى وإن تمكن من الحكم بالسيف..إن تعدد الأديان والمذاهب في العراق عامل دعم للديمقراطية وليس عامل تثبيط لها، لأنه لولا التعددية الدينية والمذهبية لكنا لونا واحدا يسهل قيادته والسيطرة عليه وتوجيهة.

إن ما ترفضه الدولة المدنية في حالات شعوب غير حال شعبنا هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية, فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه الدولة المدنية، فضلا عن أنه ــ وربما يكون هذا هو أهم هذه العوامل ــ يحول الدين إلى موضوع خلافى وجدلى وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة. من ثم فإن الدين فى الدولة المدنية ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح، ولكنه يظل فى حياة الناس الخاصة طاقة وجودية وإيمانية تمنح الأفراد فى حياتهم مبادئ الأخلاق وحب العمل وحب الوطن والالتزام الأخلاقى العام، لكن في الحالة العراقية مادام التعدد موجود بهذا الكم الكبير من التنوع، فلا بد من نظم كابحة للشطط والإنحراف المجتمعي الذي يضر بالمسيرة الديمقراطية، وليس أدعى من الأديان والمذاهب ككوابح لأي شطط أو إنحراف يحبط العملية الديمقراطية..وهكذا فإن الأديان والمذاهب جزء رئيسي وفاعل وركن مهم من أركان الدولة المدنية، وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح للدولة المدنية تأخذ ركنا دون آخر، فهى أركان متكاملة متساندة، يدعم بعضها بعضا فى منظومة متكاملة تكاد تكون هى منظومة الحياة الحديثة

فالعراقيين منقسمون لصالح التوجه الديني بنسبة بينة من حيث تفضيلهم لشكل الدولة بين الدولة المدنية والدولة الدينية‏,‏ ويفضل ما لا يقل عن‏60%‏ البرامج السياسية التي تركز على كل من الدين والعدالة الاجتماعية‏.‏ وتشير الاستطلاعات إلي أن الأحزاب والقوى السياسية ذات الطابع الديني مازالت في المقدمة،‏.‏ وباختصار يسعي العراقيين إلى من يقدم برنامجا أو وصفة توفق بين الدين والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بينما تصر النخبة والقوي السياسية من دعاة الدولة المدنية المطلقة على التعارض بين الدين والديمقراطية‏,‏ وهو الأمر الذي يبدو أنه يدفع الرأي في اتجاه تفضيل الأحزاب الإسلامية التي تتواجد بكثافة في الشارع العراقي معتمدة على مكانة الدين لدي العراقين‏,‏ بينما الأحزاب الأخرى والقوي السياسية مشغولة بالمعارك الفكرية والسياسية‏.‏ صوت العراقيين سيذهب في النهاية للموجودين بينهم لمن يسعون لحماية رأيهم الذي عبروا عنه في عملية إقرار الدستور‏.‏وهذا ما أعترف به العديد من الباحثين حتى العلمانيين منهم.

إن الضجة العلمانية المثارة حول مرجعية وهوية الدولة ليس لها ما يبررها إلا العداء المحض، إذ أن الاسلام لا يعرف الدولة الدينية بالمعنى الغربي على الاطلاق فهي عندهم تعنى ان الملك يحكم باسم الله ولاعتراض عليه لأنه ناطق باسم الذات الالهية والاسلام لم يعرف عبر تاريخه مثل هذا الامر وطوال تاريخه كان الملك اما شوروي أو بالإختيار أو بالنص أو بالغلبة وكلها مؤديات الدولة المدنية..

والمناداة بدولة مدنية يستوجب علينا أن نتحفظ أن نستخدم المصطلح على علاته، لان الدولة المدنية في الغرب هي المقابلة للدولة الدينية التي شهدتها اوروبا في العصور الوسطى، ومعنى ذلك ان الدولة المدنية لا تحفل بالدين لا من قريب ولا من بعيد، وفى ظلالها نشأت العلمانية التي تعنى إقصاء الدين أو

استبعاده أو فصله عن أي تأثير في المجتمع، من الناحية القانونية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والفنية، وهم حين فعلوا ذلك كانت لهم فلسفتهم ولهم ظروفهم الخاصة، فالممثلين للدين في ذلك الوقت، لم يكونوا ممثلين للمسيحية الحقيقية فأدخلوا المسيحية مع الاقطاع مع الدولة الدينية، فكانت الكنيسة أمامهم من المؤسسات التي يجب أن تتحمل نصيبا من الوزر الذى لحلق بالفقراء والشعوب، وتسيد الظلم الى آخره أيضا، كانوا يبررون ضرورة العلمانية لا نه كان عندهم طوائف دينية شكلت حدودا فاصلة فيما بينها، وحدث الاقتتال عندهم بين الكاثوليك والبروتستانت وحرب دامية وشديدة فزعوا منها كثير،ا إذن أي دين سيسود وكل طائفة لها أتباع من الاديان والممثلين، وقالوا إن الحل الوحيد للهروب من صراع الاديان وإقامة ونهضة الدول، هو إقصاء كل الاديان من المشهد السياسي، أما نحن عندنا الدولة الحديثة فيها الحرية والشورى والديمقراطي،ة الدولة في الاسلام ليست دولة دينية ولكنها دولة ذات مرجعية دينية تنضبط فيها الاخلاق بالإسلام، لان كثيرا من المفاهيم الاخلاقية تختلف فيه النظرة الاسلامية عن الاخلاق الغربية، الان كما هو الحال مع قوانين الاسرة في المجتمع الإسلامي المصاغة بأسس دينية وبين الدولة المدنية في الاسلام

والصراع الدائر الان بين انصار الدولة المدنية والدولة الدينية يرد عليه بأنه ليست في الاسلام سلطة دينية ولا دولة دينية، دولة الاسلام دولة مدنية في دائرة لها إطار أخلاقي قيمي ديني، لكنها من الداخل تعمل العقل والاجتهاد، وتعطى للخبرة الانسانية مجالا واسعا جدا، كما تقوم الدولة المدنية على اسس رئيسية: هي ان الامة مصدر السلطات، وعلى فصل السلطات الثلاث، وعلى عقيدة تشكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، اما الدولة الدينية التي ظلت تحكم العالم في الحضارات القديمة فكانت تقوم على الحق الإلهي في الحكم لبشر معينين، اما راي الاسلام في الدولتين المدنية والدينية فهو ان الدولة المدنية الاولى هي تلك التي نشأت على يد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والتي كان من بين أول مبادئها "الشورى" المستمدة من النص الألهي ، وعلى هذا فليس في تاريخ الاسلام الحكم بناء على حق إلهى مطلق للحكم .

وإذا كانت المرجعية الاسلامية للدولة الدينية تشير المخاوف والالتباس بين الرؤية الدينية والسلطة الحاكمة، فإنه لا يوجد تنافر بينهما، فالأصل في السلطة الدينية والسلطة المدنية إنهما يؤديان الى تحقيق العدل والمساواة، والاسلام دولة مدنية دستورها الشريعة الاسلامية تجمع بين الدين والدنيا، وحقوق الله وحقوق العامة، والدولة الدينية ليس لها وجود والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان رئيس دولة مدنية مبلغ من عند الله، فعندما يأمر بما يخص الدين يطاع أما فيما يخص أمور الدنيا والحكم بين الناس فكان شخصا مدنيا يستشير الصحابة في امور الحرب والدنيا.."وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله"...

هل في الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية في الحكم والمحددات الإسلامية‏؟

ومرة أخرى نلج باب التساؤل المحض كطريق للتعرف على معالم الدولة التي تلائم واقعنا،ونعيد تكرار السؤال الآنف، ونرى أن"الدولة ‏المدنية" التي يبشر القائلون بها والداعون إليها، بأن كل أزمات المسلمين في العصر الحاضر من الاستبداد ‏السياسي إلى التخلف التقني، إلى الفقر والبطالة وتدني الخدمات، أن كل ذلك سيزول بمجرد أن تتحول ‏دولنا إلى دول مدنية، ولما كانت المنافع المعلقة على هذا التحول منافع كبيرة يحرص كل إنسان يريد الخير ‏لأمته ومجتمعه على الحصول إليها، كان لا بد لنا من معرفة مدلول هذا اللفظ حقيقة قبل قبوله والدعوة ‏إليه، حتى لا نذهب إليه ثم يتبين لنا ما فيه من الفساد العريض، لكن بعد أن يكون فات القطار، فماذا ‏تعني الدولة المدنية؟

هل يراد بالدولة المدنية، التعليم الحديث واستخدام التقنية المعاصرة في شتى مناحي الحياة ‏والإدارة الحديثة، والتوسع في العمارة وإنشاء الطرق السريعة؟ قد يكون هذا بعض المطلوب، لكن هل ‏هذا هو المطلوب أو كل المطلوب؟ وهل يكفي أم لا بد من شيء آخر؟ وهل الشيء الناقص يعد جوهريا ‏أو ثانويا؟ ولما كان الحديث طويلا متشعبا لكثرة المتكلمين في ذلك فقد لا نتمكن من إيراد كل ما قيل في ‏الموضوع، لكننا نأمل أن تكشف لنا هذه الورقة عن حقيقة ذلك الأمر

الدولة المدنية في التراث الإسلامي: ‏

بالتقليب في تراث الإسلام الفكري وما يتعلق بمفاهيم مثل "الخلافة" و"الحكم" و"السلطان" و"الأحكام السلطانية" أو "السياسة الشرعية" لا نجد لهذا ‏المصطلح وجودا مع أن مفرداته "الدولة" و"المدنية" هي من مفردات لغتنا، مما يتبين معه أن المصطلح ‏مستورد من بيئة غير بيئتنا-وهذا في حد ذاته ليس عيبا، لو كان لا يحمل مضمونا مخالفا لما هو مقرر في ‏ديننا-وعليه فإن محاولة البحث عنه في تراثنا لن تجدي شيئا، وعلينا أن نبحث عن معناه في البيئة التي ‏ورَّدته إلينا ثم ننظر في معناه في تلك البيئة هل يناسبنا فنقبله أم يتعارض مع ديننا فنرفضه؟ .‏

ولعل هذا ما دعا بعض الكتاب إلى القول: "بما أن مصطلحات‎ ‎الدولة‎ ‎المدنية، والدينية ‏‏(الثيوقراطية)، و(الأوتوقراطية) مصطلحات نشأت في الغرب‎ ‎أساساً أنظر ـ معجم المصطلحات السياسية لموريس كراتسون ـ ، فلا بد قبل أن نسعى إلى تطبيقها ‏على واقعنا، أو نقرر رفضها وقبولها اجتماعياً ودينياً، أن نستوعب معانيها كما هي في الثقافة التي أنشأتها، ‏وأي منها يتعارض مع‎ ‎الإسلام ويتفق معه"‏ ‏.‏

لكن عدم وجود المصطلح نفسه في تراثنا، هل يعني أن المضمون الذي يحمله-سواء بالسلب أو ‏الإيجاب-لم يكن موجود أيضا؟.‏

‏ الدَّوْلة تعني في اللغة الغلبة، والغلبة يترتب عليها سلطان للغالب على المغلوب، ومن هنا يمكن ‏القول أن العامل الأساس في تعريف الدولة هو السلطان أو السلطة، فإنه راجع إلى أصلها اللغوي، وفي ‏كثير من كتب القانون الدستوري يعرفون الدولة عن طريق بيان أركانها دون الحديث عن ماهيتها، ‏وأركان الدولة كما يجيء في هذه الكتب ثلاثة: ركن جغرافي يطلق عليها لفظ إقليم وهو متمثل في قطعة ‏محددة من الأرض ، وركن إنساني يطلق عليهم شعب وهو متمثل في مجموعة من الناس تعيش في هذا ‏الإقليم ، وركن معنوي يطلق عليه السلطة العامة المستقلة ذات السيادة وهو متمثل في الحكومة التي تملي ‏إرادتها على ذلك الإقليم وما حواه من مخلوقات أو موجودات، وهذا الركن الأخير يتفق مع المعنى ‏اللغوي في الدلالة على الدولة.‏

‏ وإذا كان كثير ممن كتب في السياسة الشرعية يقتصرون في كلامهم على ما يتعلق بالدولة في ديار ‏الإسلام، ولا يتعدون ذلك إلى تفسير تنوع الدول، فإننا نجد ابن خلدون يقدم تفسيرا في ‏ذلك حيث يبين أنه نظرا لاختلاف الإرادات والمقاصد بين الناس وملوكهم فقد يجر ذلك إلى هرج ‏وتقاتل فكان لا بد للتغلب على هذا الاحتمال من " أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها ‏الكافة، وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم، وإذا خلت الدولة من مثل هذه ‏السياسة لم يستتب أمرها، ولا يتم استيلاؤها: " سنة الله في الذين خلوا من قبل"، ثم يبين أنواع السلطة في ‏الدولة فيقول: " فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة ‏عقلية، وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي ‏الآخرة" فهو يفرق هنا بين سياسة عقلية وهي الأشبه بما يدعونه الدولة المدنية، وبين سياسة دينية ثم ‏يقدم رحمه الله تعالى أصول التنوع الكامل للدول فيقول: "أن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى ‏الغرض والشهوة، والسياسي هو حمل الكافة على مقتضي النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع ‏المضار، والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة ‏إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن ‏صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"‏ ‏ فكانت الدولة عنده ثلاثة أنواع: فدولة قائمة على ‏حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة وهي ما يمكن أن نطلق عليه الدولة المستبدة، أو الديكتاتورية، ‏ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، وهي ما ‏يمكن أن نطلق عليه الدولة المدنية، ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم ‏الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الدولة الإسلامية أو الشرعية ‏

الدولة المدنية في الثقافة الغربية: ‏

الدولة المدنية: "هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة ويقصد به الدولة التي ‏تستقل بشئونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح ‏والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا يخضع لتدخلات الكنيسة"‏ ‏ والكنيسة في الغرب كانت ‏هي راعية الدين والممثلة له، فاستقلال الدولة المدنية عن تدخل الكنيسة ووضعها للقوانين حسب ‏المصالح، معناه عند القوم استقلالها عن الدين ‏ وهو ما يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية.‏

‏ ويقول كاتب آخر: "فمن الناحية التاريخية إذا رجعنا إلى أصل اصطلاحها الغربي، نجد أن للدولة ‏المدنية مفهوما فلسفيا- سياسيا، مناقضا للدولة الدينية (الثيوقراطية)، والتي يتأرجح مفهومها (نظريا) ‏بين حكم رجال الدين وتحكيم الدين نفسه في السياسة، بغض النظر عن طبيعة من يحكم به ! ويتمثل ‏مفهومها عمليا بتنحية الدين عن السياسية مطلقا، باعتبار الدين هو مجموعة قوانين إلهية مميزة للدولة ‏الدينية... فكانت الدولة المدنية بمبدئها الرافض لتدخل الدين في السياسة دولة علمانية.. وأنها تمثل عبر ‏التاريخ سواء في الشرق أو الغرب عند دعاتها إطارا سياسيا للعلمانية قابلا لتوظيف أي اتجاه فلسفي ‏إيديولوجي في الحياة بشرط تنحية الدين عن السياسية"‏ ‏. "الحكومة المدنية في الفضاء المعرفي الغربي تعني ‏تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين‎ ‎أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى سواء دينية أو غيرها، أي إن شرط ‏‏(العلمانية) أساسي في‎ ‎تلك الحكومات"‏

‏ إذا رجعنا إلى الوراء ثمانين سنة إلى أول من أدخل هذه المصطلحات إلى بيئتنا أو من يُعد من ‏أولهم نجد الكلام نفسه حيث يقول علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم، ، ص 90، الطبعة الأولى عام 1343هـ 1925م.: "طبيعي ومعقول إلى درجة البداهة أن لا توجد بعد النبي زعامة ‏دينية، وأما الذي يمكن أن يتصور وجوده بعد ذلك فإنما هو نوع من الزعامة جديد ليس متصلا بالرسالة ‏ولا قائما على الدين، هو إذن نوع لا ديني، وإذا كانت الزعامة لا دينية فهي ليست شيئا أقل ولا أكثر من ‏الزعامة المدنية أو السياسية، زعامة الحكومة والسلطان لا زعامة الدين وهذا الذي قد كان"‏ ، فالدولة ‏‏(الزعامة) المدنية عنده هي دولة (زعامة) لا دينية .‏

والمتابع لما يكتب هذه الأيام عن الدولة المدنية يمكنه رصد اتجاهات أربعة في بيان ما تعنيه الدولة ‏المدنية ، كلها تدور حول ما تقدم من معنى سواء بالموافقة عليه أو المخالفة له

الاتجاه الأول: وهو يمثل من قَبِل هذا المصطلح كما جاء من الغرب:‏

وهذا الاتجاه يمكن تقسيمه إلى فئتين:‏

فئة قبلت اللفظ ومفرداته لكن لم تصل به إلى غايته، أما الفئة الثانية فقد وصلت باللفظ إلى غايته ‏وصرحت بأن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية:‏

الفئة الأولى: فإذا ذهبنا إلى من قَبِل هذا المصلح في بيئتنا العربية لننظر كيف تلقوه عن الغرب ‏وكيف يفهمونه، فإننا نجد من يقول مبينا خصائص هذه الدولة: والدولة‎ ‎المدنية هي الدولة التي تقوم ‏على المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون ، ومن يقول: الدولة المدنية هي الدولة التي يحكم ‏فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسية والاقتصاد ... الخ وليس علماء الدين بالتعبير ‏الإسلامي أو " رجال الدين " بالتعبير المسيحي"‏

ومن يقول: الدولة المدنية هي دولة المؤسسات التي تمثل الإنسان بمختلف أطيافه الفكرية ‏والثقافية والأيدلوجية داخل محيط حر لا سيطرة فيه لفئة واحدة على بقية فئات المجتمع الأخرى، مهما ‏اختلفت تلك الفئات في الفكر والثقافة والأيدلوجيا ‏.، ‏

لكن هذا الكلام إذا أُخذ مفصولا عن لواحقه فقد لا يتبين منه شيء، فهو كلام محتمل يسهل ‏التخلص من لوازمه، لذا لو رجعنا إلى تفصيلات الكلام فإنها تكشف كثيرا من هذا الإجمال أو ‏الغموض، ففي تفصيلات الكاتب الأول ، نجده يضع الدولة المدنية في مقابل ما يسمونه بالإسلام ‏السياسي، ما يعني أن علاقة هذا المصطلح في فهمهم بالإسلام ليست علاقة توافق، وإنما هي علاقة ‏تعارض.‏

‏ والحقيقة أنه ليس هناك ما يمكن أن يسمى إسلاما سياسيا وإسلاما غير سياسي، ، فالإسلام هو الدين الذي رضيه رب العباد للعباد، بما فيه من عقائد ‏وعبادات وتشريعات ومعاملات، فتقسيم الإسلام إلى سياسي وغير سياسي ونحو ذلك من ‏المصطلحات، وقبول ما يزعمونه بأنه إسلام غير سياسي وينعتونه بالإسلام المعتدل، ورفض ما يسمونه ‏بالإسلام السياسي وينعتونه بالإسلام المتشدد، هو

مناظر لفعل المشركين من قبل: "الذين جعلوا القرآن ‏عضين"، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا ‏بِبَعْضِهِ "‏ ‏.‏

وهناك من يقابل بين الدولة المدنية والدولة البوليسية فيزعم أن كل دولة ليست مدنية هي دولة ‏بوليسية قائمة على القمع والظلم بغض النظر عن أي انتماء عقدي، وكلامه هنا يعني أن الدولة الإسلامية ‏دولة بوليسية لا يمكن القبول بها، لأنها من وجهة نظره ليست دولة ديمقراطية فيقول: والدولة المدنية : ‏نقيض الدولة العسكرية، وكل حكم سلطوي قمعي لا يقوم على الأسس الديمقراطية، هو حكم بوليسي ‏سواء كان متسميا باسم الدولة الدينية أو بغيره من الأسماء التي مهما تنوعت فإن السلطة التي تحتكر ‏الحكم عن طريق فئة واحدة وفكر واحد هي سلطة لدولة بوليسية استبدادية متخلفة... ليس هناك دولة ‏دينية، وإنما دولة مدنية أو دولة بوليسية، لان الدولة المدنية كفيلة باحتضان كل الأديان والأفكار، أما ‏الدولة البوليسية. فإنها دولة لا تقبل الآخر وتستعدي التعدد والتنوع مرة تحت مظلة الحكم العسكري ‏المعلن ومرة تحت مظلة الحكم الديني، وكلاهما حكم بوليسي لا علاقة له بمبادئ الدين ، فكل حكم لا ‏يقوم على الأسس الديمقراطية-عنده- هو حكم بوليسي استبدادي متخلف، سواء كان يستمد مرجعيته ‏من الإسلام أو من غيره، ‏

‏ الفئة الثانية: وهناك من يصرح تصريحا دون مواربة أو تلاعب بالألفاظ أن الدولة المدنية تعني ‏الدولة العلمانية، فهذا كاتب يقول في مقال له بعنوان لماذا ننادي بالدولة العلمانية؟: "ومن هنا حرصت ‏البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة، وأقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين ‏دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة،... إن إقامة الدولة المدنية العلمانية وفق الصورة المنوه عنها، باتت ضرورة ‏لإخراج مجتمعاتنا المتخلفة من شرنقة الجدل وحالة اللاحسم حول الكثير من القضايا الصغيرة والكبيرة ‏التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها وبالتالي الاختلاف المرير حولها"‏ ، وهذا كاتب آخر ‏يقول: " لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة المذهبية أو الدينية المجردة من العلمانية، لأن العقيدة، ‏أية عقيدة كانت لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد. ‏ومن هنا تبرز أهمية حرية العقيدة في المجتمع المدني...إلى أن يقول: وأخيرا نؤكد أن الدولة المدنية العلمانية ‏الليبرالية الدستورية ليست شكلا مجردا إنما مضمونا يساهم في تقدم المجتمع بكل مكوناته وقومياته ‏وأديانه "‏ ، وهذا كاتب آخر يضع الشروط الأساس لبناء الدولة المدنية فيقول : "استكمال بناء الدولة ‏المدنية الحديثة بما يتطلب من خلو المجال العام من كل الإِشارات والرموز الدينية، حتى يصبح من ‏الرحابة إلى الحد الذي يسع فيه كل المختلفين. وأن تجرى السياسة على أساس المصلحة، وأن يكون ‏التشريع تعبيرا عن تنوع الأمة"‏ ‏.‏

ـــــــــــــــــــــــــــ

مصادر البحث

ـــــــــــــــــــــــــــ

1ـ أنظر ستيفن همسلي لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث وعبد الرزاق الحسني في كتاباته عن الطوائف والأديان في العراق: أليزيديين في ماضيهم وحاظرهم مثلا"

2ـ لاهوت السياسية أو الأحزاب الدينية في العراق ـ رشيد الخيون وأنظر رشيد الخيون في كتابه الأديان والمذاهب في العراق.

3ـ أنظر مثلا مقالة هرمزكوهـاري التكتلات القومية والمذهبية..والديمقراطية ! وأنظر مجمل مقالات الدكتور كاظم حبيب. وفالح عبد الجبار .. العمامة والأفندي : سوسيولوجيا خطاب وحركات الأحتجاج الديني ..ترجمة أمجد حسين ..منشورات الجمل ، بيروت -بغداد 2010، و شاكر الناصري صراع العلمانية والدين وضرورة بناء الدولة المدنية الديمقراطية في العراق /الحوار المتمدن - العدد: 3209 - 2010 / 12 / 8 - 21:30

4ـ دين المدنية ـ اليكسي دو توكفيل

5ـ الحكومة الأسلامية (ولاية الفقيه) الإمام الخميني

6ـ بيان حقوق الإنسان والذي اعتُمد بموجب قرار الجمعية العامة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948

7ـ تاريخ الوزارات العراقية بأجزاءه العشرة لعبد الرزاق الحسني

8ـ الأحزاب الدينية في العراق لرشيد الخيون

9ـ القرآن الكريم.

10ـ أنظر مجمل كتابات الإمام الخميني في الحكومة الأسلامية.

11ـ أنظر مجمل كتابات السيد محمد باقر الحكيم في الجماعة الصالحة.

12ـ نقد العقل السياسي العراقي/ الأصدار 14

14ـ حركات التحرر ـ حسن النحوي

15ـ مفهوم السلطة في الأحزاب السياسية الكردية ـ ناهض حسن الراوي

16ـ عن الديمقراطية في أمريكا ـ اليكسي دو توكفيل.

17ـ معجم المصطلحالت السياسية ـ موريس كرانستون

18ـ الفيدرالية ومستقبل العراق ـ مركز العراق للدراسات

19ـ بناء الدولة ـ فرانسيس فوكوياما

20ـ سرديات العقل وشقاء التحول الديمقراطي غي العراق المعاصر ـ د. عامر حسن فياض

21ـ الأربعة عشر مناهج ورؤى ـ السيد محمد باقر الحكيم

22ـ التداول السلمي للسلطة مباديء وتصورات عامة ـ المجلس الأعلى الأسلامي العراقي

23ـ المكان العراق /جدلية الكتابة والتجربة ـ لؤي حمزة عباس

24ـ مفهوم السلطة في الأحزاب السياسية الكردية ـ ناهض حسن جابر الراوي

25ـ مدخل في الأتصال الجماهيري ونظريات التأثير ـ برهان شاوي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك