الشعر

طلائع بن رُزَّيْك: الوزير الشاعر الوفيّ لآل البيت الحافظ لمناقبهم..الذي تجاهله الأدب، وتنكّر له التاريخ!

4316 08:25:00 2013-12-05

 

إعداد محمد عبد الشافي القوصي

 

 

·      ناقد أكاديمي يستخرج كنوز الشاعر المجهول من غياهب النسيان.

 

لم يسعد ((العقاد)) بكتاب ألّفه مثلما سعد واحتفى بكتابه ((ابن الرومي)) قائلاً: ((يكفي أنني أنقذتُ تراث هذا الشاعر من غياهب النسيان))!

  ومازال هناك عشرات الشعراء الذين يعانون جفاء الأحياء وتجاهلهم، إما لظروف سياسية، أو مذهبية، أو بيئية، أو اجتماعية.. أمثال الشعراء السود، وشعراء المعارضة، والصعاليك، وأصحاب التوجّه الإسلامي، وغيرهم.

وقد نجح العالم الكبير الدكتور/ محمد عبد الحميد سالم  (أستاذ الأدب والنقد بكلية الألسن بجامعة عين شمس) في إنقاذ تراث شاعر كبير من طي النسيان وغيابات اللاوعي الثقافي التي تعيشها مجتمعاتنا، فنجح بامتياز في إنقاذ كنوز الشاعر الوزير ((طلائع بن رُزّيك الملقب بالملك الصالح)) واستخراج درره وميراثه الفكري والثقافي إلى الهواء الطلق، كي يتسنّى للدارسين والباحثين أن يطّلعوا عليه، وينتفعوا به، ويفكّوا من خلاله شفرة العصر المملوكي المفترى عليه!

يقول المؤلف: لقد أدركتُ أن ((طلائع بن رُزّيك)) من أكثر الحكام إسهاماً في بناء صرح النهضة الأدبية والعلمية في عصره.. فقد كان سياسياً ماهراً، وفارساً قاهراً في وجه الصليبيين.

هذا، وقد قسم– المؤلف- كتابه إلى ثلاثة أقسام: تناول في ((القسم الأول)) حياة الوزير الشاعر السياسية والاجتماعية والأدبية. بينما خصص ((القسم الثاني)) للحديث عن ديوان الشاعر الوزير وما يتعلق بأغراضه الشعرية كالمديح، والرثاء، والهجاء، والحنين والعتاب، والغزل، والزهد والحكمة، والفخر والحماسة، والوصف، والسياسة، وما إلى ذلك مما جادتْ به قريحة الشاعر. أما ((القسم الثالث)) وهو الأهم فقد تناول فيه –المؤلف- الخصائص الأدبية العامة للوزير الشاعر ابن رزيك، مثل اتجاهاته الإبداعية، وسماته الفنية، ومدى التزامه بالمعايير النقدية.

الحق أن هذا الكتاب الذي يقع في قرابة 300 صفحة، يعد إضافة نوعية وجديدة في الدراسات الأدبية العربية، وليس إضافة تراكمية.. ولعله بذلك يفتح شهية الباحثين والأدباء للكشف عن بقية الشعراء واستخراج كنوزهم الأدبية خاصة المبدعين والرواد منهم الذين تجاهلهم الأدب، وتنكّر لهم التاريخ، في الوقت الذي يُحتَفَى فيه بكثير من المغمورين والنكرات وعديمي الموهبة وطلاّب الشهرة ومن على شاكلتهم!

 مرة أخرى، لقد نجح الدكتور/ محمد سالم- في الكشف عن تلكم الموهبة التي أهملها الزمان وران عليها النسيان، لاسيما أن صاحبنا أحد نجوم زمانه، وواحد من أركان عصره.. حسبه آثاره الأدبية التي خلّفها من بعده، مثل كتاب ((الاعتماد في الرد على أهل العناد)) الذي ينوّه بعمق صاحبه، ويلوّح بمركزه، فضلاً عن ديوانه متشابك الأفنان والأغصان ومتنوع المعاني والألحان ومتعدد الأغراض الشعرية، التي لا يتسع المقام للحديث عنها بحال من الأحوال، لكن يكفي من القلادة ما يحيط بالعنق! 

ولعل أول ما يطالعنا في شاعرية ابن رزيك- تلك الأشواق الحارة والحنين المتدفّق في سائر أغراضه الشعرية، خاصة إذا ما اتجه الحديث عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) الذي خصص له معظم أشعاره، وبلغ بحبه ما بلغ، لدرجة انه يتخيل أنه عندما قصد قبره الطاهر، كأنه ولّى وجهه شطر المسجد الحرام، وتمسح بالركن المعظم، وانه في مقامه كأنه يسعى بين مقام إبراهيم الخليل.. إلخ، فلنستمع إليه:

 

كأني إذْ جعلتُ إليك قصديوخُيّل لي بأني في مقاميأيا مولاي، ذكرك في قعوديوأنت إذا انتبهتُ سميرَ فكري........................................عسى أُسقى بكأسك يوم حشري

 

قصدتُ الركن في البيت الحراملديه بين زمزم والمقامويا مولاي، ذكرك في قياميكذلك أنت أُنسي في منامي....................................ويبردُ حين أشربها أُوامي

·      هجاؤه الشاعر لخصوم مذهبه

 أما عن ((الهجاء)) عنده، فإنه قد جاء في معرض المدح والرثاء، فخصوم الشاعر هم خصوم الإمام علي (ع) وأعداء ذريته من بعده، فمثلاً، يقول في قصيدته في رثاء الحسين (ع):

ولم يكُ أحشاء الطغاة لِبُغضهمفمالوا على أولاده ونسائهولم يمنعوا هتك الحريم وسبيهمكبيرةُ ذنبٍ ليس ينفع عندها لعمريَ ما يلقوْن في الحشر جَدّهمإذا قال: لِمْ ضيعتموا حقّ عترتيومَن خصمهُ يوم القيامة أحمدُ 

 

على الغِلّ والأضغانِ منطوياتِوصحبٍ كرامٍ سادةٍ وسَراتوهُنّ يَجُدن الأرضَ بالعَبراتدوام صلاةٍ أو خروج زكاةِبغير وجوهٍ كثلّحٍ خَجِلاتوكيف انتهكتم جُرأةً حُرماتي؟لقد حلّ في وادٍ من النّقماتِ

·      الوزير الحكيم الزاهد

يذهب الدكتور محمد عبد الحميد سالم- إلى أن شاعرنا ابن رزيك، بالرغم من حبه للمال والملك وسعيه إلى توريث أبنائه وأحفاده، إلا أنه اتجه في شعره اتجاهاً آخر، فقد سلك مسلك الزهد والحكمة -وهو ذات المسلك الذي عرفناه في أشعار الأئمة والأولياء والعارفين- ربما لأن العمر قد تقدّم بابن رزيك، أو رغبة في ثناء الناس عليه، أو لجذب العامة إليه، أو ليدفع عن نفسه حُب الجاه والسلطة!

المهم أن –شاعرنا- برّز في هذا الغرض الشعري وأجاد فيه أيما إجادة، فها هو يحدّث نفسه، ويدعو قلبه إلى التواضع والخضوع  والخشوع، ويحذره من خدع الآمال، وطول الأماني، فإن العمر قصير والأجل قريب والموت آتِ، ففي قصيدته في رثاء الإمام الحسين (ع) يقول:

يا قلبُ كم هذا الغرورُأو ما ترى الآمال يفـوبمثل ما صرنا إليـهلو دام ملكٌ لم يكن

 

خُدعُ المُنى كذِب وزورـجعُ طولَها العمرُ القصيرالآن يعتبر البصيربعد الملوكِ لنا بصير 

ويكثر –شاعرنا- من الحكم والوصايا، ويدعو إلى التذرع بالصبر والسلوان في هذه الحياة، وينهى عن الفزع والجزع لريب الزمان، فلا حزن يدوم ولا سرور، ولا ينفع إلا الصبر، فيقول:

فاصبرْ فلا حزنٌ على الدُّلا تُنكرنْ ما قد جرىكلا ولا تجزعْ لريبِهذا الحسين بكربلاءَ

 

نْيا يدوم ولا سرورفي عصرنا فكذا العصورزماننا فكذا الدهورثوى وليس له نصير

·      العقيدة والإيمان:

  ولم يكتفِ– شاعرنا- بالثناء على آل البيت (ع) وتكريس معظم أشعاره في مدحهم ورثائهم والنيْل من عدوهم، بل لا تخرج أشعاره في مضمونها عن أن تكون دعوة لأهل بيت النبي (ص) مثل قصيدته إلى صديقه الشاعر عمارة اليمني، والتي يقول فيه ابن رزيك:

قل للفقيه عمارة: يا خير مَنْاقبلْ نصيحةَ منْ دعاكَ إلى الهدىتلقَ الأئمةَ شافعين، ولا تجِدْ

 

أضحى يؤلف خطبةً وخطاباقل: حِطّةٌ وادخل إلينا الباباإلا لدينا سُنّة وكتابا

 كما تصدّى شاعرنا ((ابن رزيك)) لبيان أهم مشكلة حار أمامها الكثير من الفلاسفة على مر العصور، وانشقت إزاءها معظم الفرق الكلامية، ألا وهي مشكلة ((أفعال العباد)) وهل هي من فعل الله سبحانه وخلقه كما يقول (الجبرية) فيكون الناس قد أجبروا على ارتكاب المعاصي وهو مع ذلك يؤاخذهم عليها، كما اجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها.. وفي هذا من نسبة للظلم إليه ما فيه- أم هي من فعل العباد وخلقهم كما يقول ((المفوضة)) وفي هذا من إخراج الله تعالى من قدرته وإبعاده من سلطانه وإشراك غيره معه في الخلق ما لا يخفى؟!

فالشاعر يطالعنا بعقيدته فيقول رداً على هؤلاء المتكلمين:

يا أمُةً سلكتْ ضلالاً بيّناًمِلتم إلى أن المعاصي لم تكنْلوْ صحّ ذا كان الإلهُ بزعمكمْحاشا وكلاّ أن يكون إلهُنا 

 

حتى استوى إقرارها وجحودهاإلا بتقدير الإله وُجودُهامنعَ الشريعةَ أن تُقام حُدودُهاينهى عن الفحشاء ثم يريدُها 

وإذا كان الشاعر قد ردّ مذهب الجبرية وغيرهم من المتكلمين، فإنه ذهب مذهباً وسطاً بين المذهبين السابقين، وأخذ بقول الإمام الصادق (سلام الله عليه): ((لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين)). 

·      حقوق الإبداع محفوظة للشاعر!

ومن خلال دراسته المتعمقة لشعر ابن رزيك، أدرك (المؤلف) الناقد محمد عبد الحميد سالم- أن هناك سمات خاصة لهذا الشاعر امتاز بها شعره، وتفرد بها عن غيره من الشعراء، منها: أنه كثيراً ما اختلطت الأغراض الشعرية عنده، فتحول شعر المديح إلى قصائد باكية، آسية، حزينة.. وصار الرثاء ممتزجاً عنده بالمديح.. بل إننا رأينا في القصيدة الواحدة أغراضاً ثلاثة أو يزيد، فتارة يتغنى الشاعر بمآثر العترة الطاهرة، فكان مديحاً، وتارة يأسى لفقدهم ويتحسر لذهابهم، فكان رثاء، كما نراه يصبّ جام غضبه على أعدائهم، فيكون هجاء!

ويشير –المؤلف- إلى سمة أخرى بارزة، لا يزاحمه فيها أحد من السابقين أو اللاحقين، وهي: كثرة إشاراته إلى نفسه، فكثيراً ما يذكر اسمه ولقبه في شعره، كأن يقول مثلاً: طلائع، أو ابن رزيك، أو نجل رزيك، أو بني رزيك، أو أولاد رزيك، وهكذا وبخاصة في أواخر قصائده في آل البيت (ع)، ومن أبرز النماذج التي تدل على ذلك قوله في ختام قصيدته في مدح الإمام (عليّ) كرم الله وجهه مفتخراً بشعره:

فخذ لبني رزيك المظفر مِدحةً         إذا أُنشدت أذرت بدُرِّ الترائب

وقوله في ختام قصيدة أخرى مفتخراً:

وإنّا بنو رُزّيك مازال جارُنا            يحلُّ لدينا بالكرامة والخِصْب

وقوله مفتخراً بولائه ومدحه لآل البيت:

أنا سيفُ دينكمُ ابن رزيك الذيأقرضتُ في حبي لكم ما قد غلا

 

يُرضيكُمُ في كل وقتٍ يُنْتَضَىفي حبكمْ حُسْناً ومثلي أقرضا

وقوله أيضاً:

إن ابن رزيك ذو قلبٍ يُواجهكمْيصوغ فيكم رياضاً من مدائحه

 

من الولاء بوجهٍ منه مقتَبِلكالروض دَبّجَه وَشْيُ النَّدى الخَضِل

ويعقّب الدكتور -محمد سالم- على تلك السمة التي تميز بها شعر ((ابن رزيك)) فيقول:

كأن ابن رزيك يظن أن القصيدة رسالة نثرية، يجب تذيلها بالتوقيع عليها، وكأنه يعني بذلك ما يعنيه المؤلفون بعبارة ((حقوق الطبع محفوظة للمؤلف))!

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك