رأي في الأحداث

في رحاب قبور الشهداء || سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

12192 2016-08-25

بالامس قمت بزيارة قبور الشهداء الابرار في وادي السلام، لعدد من فصائل الحشد الشعبي، وكنت اعيش شعورا متناقضاً، تارة لان زيارة هؤلاء الابرار، ضربوا مثالا فريدا في نكران الذات، وفي الفدائية والتضحية من اجل عقيدتهم وامتهم ووطنهم وعرضهم ،وصدقا فذا في تلبيتهم لنداء مرجعيتهم، تسقط امامه كل الشعارات، وتتهاوى امامه كل المزايدات، لذلك كان شعوري هو خليط من الغبطة والاعتزاز والشكر...

غبطة؛ لانهم اتموا دنياهم وقد انجزوا التكليف الالهي بحسن عاقبة، فخرجوا منها ببياض الوجه، وبكرامة الارتقاء الى درجة الشهداء.

واعتزازا وممنونية، اذ ان هؤلاءالابرار سرعان ما تحولوا الى مواضع تربية والهام، فالمرء قد يدرس ويحاضر الاف المحاضرات، وقد يكتب عشرات الكتب، الا انه قد لا يعثر بمن يتأثر بكلامه، الا ان هؤلاء الاشراف صغارا وكبارا؛ اختصروا طريق التربية والتاثير بالاخرين بيسر عجيب، وقطعوا شوط العلم باختصار بليغ، فتحولوا الى مواضع التاثير والالهام والعطاء بلا كلام، ففعلهم كان ابلغ من اي كلام.

وشكراً لانقطاع النفس.. لان انتخابهم لخيار ان يدفنوا في تراب الوادي، وغربتهم عن اهلهم واحبتهم، وعن الامهات والاباء وعن الزوجات والابناء وعن الاخوة والاخوات، وقبولهم بان تعلوا صرخات الابناء والاخوة والزوجات، ورضاهم بان تطلق امهات زفرات الالم وشهقات الاحشاء، وهن يطلقن كلمة ((يمّه)) فمن اجل ان يعيش غيرهم، ويرتع ويلعب من سواهم، ويحار المرء كيف له ان يجازي هذه الغيرة، وتلك الشهامة، فلا يجد الا اللسان الاخرس، فمن جاد لك بروحه ومهجته كيف ستجازيه بكلماتك؟!

ومع هذه المشاعر؛ كانت مشاعر اخرى تتملكني، هي الغضب الى حد تقطيع النواجذ وعض الشفاه، من كل الذين تسببوا بفسادهم وخياناتهم ،ودناءة نفوسهم لترك الامانة، التي تراكضوا على كرسيها، وتهافتوا على اعلامها، ولكنهم تسببوا بولادة المسخ المشؤوم، وتركوه يتربع على افياء وطننا، ومن ثم ليحصد انفس هؤلاء الفتية، الذين ما كانوا ليقبلوا بالذلة.

غضب على كل من كان يلتذ بانه صاحب قرار حياة شباننا ومماتهم، ويرتاح لكلمة سيدي واصطفاف البساطيل، وهو تفرقع باصواتها لتعلن الولاء لهم، ولكنهم تركوا شبابنا للموت تحت ظل الخيانة والتامر والفساد؛ غضب على من صنعوا كل انماط سبايكر وغير سبايكر، وغضب على كل من لم تكن له غيرة على شبابنا، وهو يؤسس لمشروع مجده الحزبي على اشلائهم المقطعة، ودماءهم النازفة التي شخبت نتيجة جنون العظمة، عند المجرم السفاح وعند القاتل الذي ترك الموصل وغيرها، نهبة لوحوش البشر ومسوخهم، فتسببت ببناء كل هذه القبور التي افترشت مساحات كبيرة من وادي السلام وغير وادي السلام.

ويبدو ان هذا الغضب؛ ليس حصرا بي لاني في الليل، حينما تشرفت بلقاء بعض المراجع العظام ادام الله ظلهم، اعادوا على اسماعي نفس ما كانت تتحدث بنفسي، فقال احدهم والغضب يكاد يتفجر على لسان،ه اذهب الى وادي السلام وانظر الى قبور اولادنا الشهداء، اتظن ان داعش هي السبب؟ بل ان الذين ملكوا مقادير الامور، وتركوا هؤلاء الشهداء لانياب مجرمي داعش، هم اشد ظلما واقسى اجراما وآلم عذابا من نفس داعش.. وهل اخطأ مراجعنا العظام في هذا التقييم؟ لا والله لانقطاع النفس؛ وانما اخطأ كل من ظن ان بعض الذين يتربعون على عروش السياسة، وتحتهم ركام الفساد هم ابعد في جريمتهم من مجرمي داعش.

وحينما زرت مواضع الشهداء؛ كنت ارى المقبرة العظيمة مملوءة بالصور والشعارات لكل الجهات، وحينما وقفت على قبر الوالدة رضوان الله عليها، والقبر الرمزي لاخي الشهيد عبد الرزاق رضوان الله عليه، حانت مني التفاتة؛ فرايت صور الشهداء، تحيط من كل حدب وصوب ،وتذكرت انين الوالدة رحمها الله، وحنينها وهي تنعى بلغة الجنوب؛ اخاها الشهيد المرحوم حجة الاسلام الشيخ احمد البهادلي الذي استشهد في اوائل السبعينات، والذي استمرت بانينها شبه اليومي، الى اخر ايام حياتها رضوان الله عليها بعد السقوط وتداعت الى ذهني صرخاتها الجنوبية التي تبتدأ ب((خوية)) وتنتهي ب((يماي)) ورايت ان والدتي التحقت بها عشرات الالاف من الامهات والاخوات في ركب الصارخات الثاكلات ووجدت ان صراع الاسماء والشعارات ايهم يدعي انه قدم شهداء اكثر نمطا من صراع الجنون فالشهداء اتحدوا بدمائهم وثكل الامهات والاباء هو واحد وانين الاخوة والاخوات هو واحد ويتم الابناء هو الاخر لا يتعدد فاليتيم يتيم والارملة ارملة والفاقدة هي الفاقدة ان كانت من هذا الاتجاه او من ذاك .. لقد رحل الشهداء موحدون الى جنان الخلد ومشت مسيرات البكاء والانين موحدة من كل المحافظات الى وادي السلام وبقيت الاحزاب والشعارات تتصارع فيما بينها الهي لا نعترض على قضائك ولكن ثمة امنية اعرضها بين يدي ساحة قدسك وجلالك: نحن نعلم بحياة الشهداء كما اوعدتنا فهلا استبدلت حياتهم بمقبرة المتحزبين..

اللهم اني اقسم عليك ان لا تحرمني من كرامة الاستشهاد في سبيلك وان تكرمني بما اكرمت هؤلاء الشهداء وان لا تخرجني من الدنيا الا وانا مخضب بدمي من اجل بقيتك في ارضك وحجتك على عبادك صلوات الله عليه

ملاحظة: وفقت لزيارة مواضع الشهداء لسرايا انصار العقيدة وكتائب الامام علي ع وسرايا عاشوراء وسرايا الجهاد وشهداء التركمان وقرأت الفاتحة وتلوت الدعاء لكل شهدائنا الابرار الذين ضحوا من اجل عزة المعتقد والدين والوطن

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك