سوريا - لبنان - فلسطين

اتفاق غزة.. تسوية تفرض الوصاية وتعيد خلط معادلة النفوذ


منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تباينت المواقف بين من اعتبره خطوة نحو إنهاء الحرب، ومن رآه بداية مرحلة جديدة من السيطرة الدولية. فالوثيقة، التي رعتها واشنطن وأشرف عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمنت ترتيبات أمنية وإدارية معقّدة، قد تغيّر ملامح القضية الفلسطينية لعقود قادمة.

تُشير تفاصيل الاتفاق إلى ثلاث مراحل متتابعة:

الأولى تشمل تبادل الرهائن والأسرى بين إسرائيل وحماس، والثانية انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من القطاع مع إنشاء منطقة عازلة، والثالثة مرحلة إدارة انتقالية تُشرف عليها هيئة دولية بمشاركة عربية، تتولّى إعادة الإعمار وضبط الأمن الداخلي. وتؤكد التحليلات الغربية أن الاتفاق يرسم نموذجًا جديدًا للسلام “القابل للرقابة”، حيث تبقى غزة تحت إشراف خارجي طويل الأمد، مع تقييد سلطة الفصائل الفلسطينية في القرارين الأمني والسياسي.

يقول أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي  إن اتفاق غزة لا يُمثّل انتصارًا لحماس، مبينًا أن “من يطّلع على تفاصيل الاتفاق سيرى أن الأهداف الإسرائيلية المعلنة قد تحققت بالفعل، فحماس باتت خارج معادلة الحكم والتأثير السياسي، وعلى قادتها مغادرة القطاع طوعًا أو بالإكراه، وتسليم سلاحها وبقية الفصائل إلى القوات العربية والفلسطينية التي ستتولى إدارة القطاع”.

ويضيف أن “غزة ستخضع لمرحلة وصاية دولية تُشرف عليها هيئة تقف على رأسها ترامب، مع وجود قوات دولية تدير الأمن والمعابر لفترة انتقالية قد تمتد لسنوات”.

تؤكد قراءات بحثية مقارنة أن هذا السيناريو يعيد إنتاج فكرة “السلام المفروض بالقوة”، حيث يتحقق الأمن الإسرائيلي مقابل فقدان الفلسطينيين لسيادتهم على الأرض. ويرى العرداوي أن “الاتفاق يفضي إلى إعادة تشكيل غزة ككيان منزوع السلاح، محكوم بمعايير أمنية دولية، لا باعتبارات وطنية فلسطينية”.

ويُتابع العرداوي أن “ما أفرزته النتائج يكشف حماقة قرار السابع من أكتوبر وقصر نظر متخذيه، إذ تحوّلت المعركة التي وُصفت بأنها معركة كرامة إلى مأساة بشرية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة، تُضاف إلى سلسلة هزائم تاريخية تُسمّى خطأً انتصارات”.

تُظهر تحليلات مراكز الدراسات الإسرائيلية أن تل أبيب خرجت من الحرب بمكاسب ملموسة على مستوى الأمن والشرعية الدولية؛ فقد نجحت في تحييد حماس عسكريًا، واستعادت عشرات الرهائن، وفرضت إشرافًا أمنيًا دائمًا على حدود غزة. إلا أن تلك المكاسب لا تخفي الخسارة الأخلاقية والسياسية التي لحقت بها أمام الرأي العام العالمي، بعد تصاعد الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وتراجع مكانتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة وأوروبا. تذهب تقديرات أمنية متقاطعة إلى أن إسرائيل تعتبر الاتفاق انتصارًا تكتيكيًا لا استراتيجيًا، لأنه لم يُنهِ المقاومة الفلسطينية بشكل كامل، بل نقلها من المواجهة المباشرة إلى المواجهة الرمزية والإعلامية.

في المقابل، تواجه حركة حماس مرحلة ما بعد الحرب بواقع سياسي جديد. فالاتفاق، رغم أنه أوقف القصف وأنقذ مئات الآلاف من المدنيين، إلا أنه وضع الحركة خارج السلطة والقرار في غزة، وهو ما يعني عمليًا نزع سلاحها وتجريدها من النفوذ الميداني الذي حافظت عليه منذ عام 2007. ومع ذلك، يرى محللون أن بقاء اسم “حماس” كطرف موقّع على الاتفاق يمنحها شرعية رمزية في المشهد الفلسطيني، حتى وإن تراجعت قدرتها التنظيمية والعسكرية.

تشير دراسات في العلاقات الدولية إلى أن هذه الصيغة من “البقاء الرمزي” تُستخدم عادة لاحتواء الحركات المسلحة عبر إدماجها السياسي التدريجي، دون الاعتراف بها كقوة حاكمة. وهو ما قد يجعل حماس تعيش مرحلة “المقاومة الدبلوماسية” بدل “المقاومة المسلحة”.

وفق تقديرات أكاديمية متقاطعة، فإن اتفاق غزة لا يمثل نصرًا لطرفٍ ولا هزيمةً صافية لآخر، بل تحوّلًا في شكل الصراع من مواجهة عسكرية إلى إدارة سياسية دولية للأزمة. فإسرائيل كسبت أمنها الآني، لكنها فقدت صورتها الأخلاقية؛ وحماس نجت من الإبادة الكاملة، لكنها فقدت قدرتها على الحكم. أما غزة، فقد أصبحت ساحة اختبار دولية لسياسات “السلام المشروط” الذي يقايض السيادة بالأمن. ويخلص العرداوي إلى أن ما جرى ليس انتصارًا لأحد، بل نقطة انهيار أخلاقي وإنساني تذكّر بأن الحروب التي تُدار بالعقيدة غالبًا ما تنتهي بالسياسة، لا بالكرامة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك