شهد الجنوب السوري، وتحديداً محافظة السويداء، خلال الأيام الماضية تصعيداً أمنياً وعسكرياً غير مسبوق، بدأ باشتباكات عنيفة بين فصائل مسلحة من الطائفة الدرزية وقوات الجيش السوري، قبل أن تتدخل إسرائيل بشكل مباشر عبر غارات جوية استهدفت مواقع في دمشق والسويداء، في مشهد أعاد الجنوب إلى صدارة الخرائط العسكرية مجدداً.
اشتباكات السويداء
اندلعت الاشتباكات بعد توتر دام أسابيع بين فصائل محلية درزية مسلحة وقوات من البدو ومن ثم الجيش السوري المنتشر في محيط مدينة السويداء وريفها، على خلفية اتهامات متبادلة بمحاولات تقويض نفوذ كل طرف داخل المحافظة.
مصادر محلية أكدت أن الاشتباكات شهدت استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وامتدت إلى محيط مواقع حكومية وأمنية حساسة، مع تسجيل وقوع قتلى وجرحى من الجانبين، بينهم مدنيون، وسط اتهامات للطرفين بارتكاب جرائم بشعة بحق السكان، شملت التصفية الميدانية، التعذيب، والاعتقالات العشوائية.
الفصائل الدرزية اتهمت الجيش السوري بارتكاب انتهاكات بحق السكان في القرى المحيطة، فيما ردت السلطات بأن الفصائل خرقت القانون واعتدت على مراكز أمنية ومدنيين موالين للدولة.
في خضم المعارك، خرج الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الدروز في سوريا، ببيان غير مسبوق دعا فيه المجتمع الدولي وحتى إسرائيل للتدخل "لحماية أبناء الطائفة من جرائم النظام"، وهو ما أثار موجة جدل واسعة.
لكن الهجري تراجع لاحقاً عن هذا البيان، معلناً أن "السويداء شأن داخلي ولن تُفتح بوابتها لإسرائيل ولا لغيرها"، محذراً من استغلال الموقف لتقسيم المحافظة أو جرّها إلى مخططات خارجية.
ومع ذلك، عاد الهجري بعدها ليقول إن "البيان الأخير الذي دعا إلى التهدئة كُتب تحت الضغط"، ليعود إلى التصعيد مجدداً، وهو ما فجّر موجة جديدة من المواجهات أسفرت عن سقوط قتلى من الجيش السوري، رغم أن القوات الحكومية كانت قد وافقت على اتفاق لوقف إطلاق النار وسحبت وحداتها من بعض المواقع.
القصف الإسرائيلي
في مساء اليوم نفسه، قصفت إسرائيل مواقع عسكرية وأمنية في العاصمة دمشق ومحافظة السويداء، مستهدفة مقرات يُعتقد أنها تأوي عناصر أمنية مسؤولة عن إدارة العمليات في الجنوب، ومراكز اتصالات عسكرية.
الغارات أسفرت عن مقتل شخص وإصابة 18 آخرين وفق المصادر السورية الرسمية، إضافة إلى تدمير منشآت حكومية ومدنية، فيما اعتبرتها دمشق خرقاً صارخاً لسيادتها وميثاق الأمم المتحدة.
ثم في أعقاب الضربات الجوية، وبدفع من وساطات محلية ودولية، انسحبت وحدات الجيش السوري من مواقعها المستحدثة في محيط قرى السويداء، وأُبقي فقط على وحدات الشرطة والأمن الداخلي داخل المراكز الحكومية، في محاولة لاحتواء الموقف ومنع تفجر المواجهات مجدداً.
ورغم الانسحاب، لا تزال الاتهامات متبادلة بين الطرفين حول ارتكاب انتهاكات جسيمة خلال الأيام الماضية، إذ تتهم الفصائل قوات الجيش بتصفية مدنيين وتعذيب معتقلين، فيما تتهم الدولة السورية الفصائل بارتكاب أعمال قتل على الهوية واختطاف مسؤولين وعناصر أمن.
ويرى مراقبون أن الأحداث الأخيرة في السويداء أعادت الجنوب السوري إلى واجهة التوترات، وربما إلى خارطة الاستهداف الإسرائيلي المباشر، وسط محاولات متجددة لتوظيف حالة الاحتقان الطائفي والمناطقي لخلق جبهات ضغط جديدة على دمشق.
الولايات المتحدة دخلت على خط التهدئة، وأعلن وزير خارجيتها ماركو روبيو أن واشنطن تواصلت مع جميع أطراف الصراع في سوريا وتم الاتفاق على خطوات محددة لتفادي أي تصعيد جديد.
في المقابل، إيران أكدت أن صمت المجتمع الدولي قد يدفع إسرائيل إلى توسيع ضرباتها لتشمل عواصم أخرى، معلنة وقوفها الكامل إلى جانب سوريا ضد أي تدخل خارجي.
https://telegram.me/buratha
