قصة القاسم بن الامام موسى بن جعفر {ع}
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
يَا صَاحِبي أَقْبِلْ لِتَسْمَعَ قِصَّتِي ******* تِلْكَ التِي فِيهَا كَثِيرُ مَعَانِ
هِيَ قِصَّةٌ وَحَقِيقَةٌ بِهَا مَا بِهَا *******مَا قَدْ يُفِيدُ فَكُنْ مَعِي يَقْظَانِ
نَلْهُو وَنَلْعَبُ لَيْسَ نَبْغِي غَايَةً **** **إِلَّا السَّعَادَةَ والنَّعِيمَ الفَانِي
وَجَلَسْتُ أَسْمَعُ آيَ رَبِّي مُنْصِتًا***** فَاهْتَزَّ قَلْبِي مِنْ جَمِيلِ مَعَانِ
واللهُ قَدْ شَرَحَ الصُّدُورَ فَأَزْهَرَتْ****وَرْدَ التُّقَى، وَفَهِمْتُ كُلَّ مَعَانِ
وَأَضَاءَ عَقْلِي بِالعُلُومِ جَمِيعِهِا ****** وَالفَضْلُ كُلُّ الفَضْلِ لِلْقُرْآنِ
وَعَرَفْتُ مَعْنَى كُلِّ أَمْرٍ حَاذِقٍ ***** ** وَالفَهْمُ زِادَ بِمِنَّةِ الرَّحْمَنِ
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (الكهف 103 ـ 105).
من أفضل أساليب التنبيه للمخاطب اذا اردت ان تجذبه ليسمع ما تريد قوله هو ان تطرح له شيء لا يعرفه ،فتتعلق مشاعره نحو معرفة ما اخفي عليه وانت تريد ان توضحه له.!! الآية الشريفة التي بين ايدينا طرحت سؤال للمؤمنين والمسلمين كافة , فقدمت قوله تعالى بسؤال ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾، وكلمة نبأ في لغة العرب تكون اخبارا لشخص او جهة لا تعرف ولا تعلم الخبر عادة . لذلك محطات التلفزيون عندما يريدون نشر خبرا
يقطعون البرامج ويقولون جاءنا هذا النبأ ..فالنبأ يكون إخبار بأمر لا يعلمه المستمع .بعكس كلمة خبر ربما يكون قد سمعه الناس قبل اذاعته. خاصة الاخبار المشهورة مثلا الاخبار عن سقوط امطار وفيضانات . كثير من الناس يعرفونها وعاشوا في تفاصيلها . او الاخبار عن وجود امراض. كما حدث في اتساع مرض الكورونا, تنبا اغلب الناس من اخبار جهات اجنبية ثم انتشر الخبر.كذلك في النشرات الرياضية, يشاهدها المشاهد في الملعب او على شاشات التلفزيون وحين تنتهي المباراة تذاع في الاخبار.. وردت خطبة مشهورة لرسول الله{ص} في حجة الوداع .قال:
يا أيها الناسُ ! إني قد نبَّأنِيَ اللطيفُ الخبيُر إني مُوشِكٌ أنْ أُدعَى فأجيبُ، وإني مسؤولٌ، وإنكم مسؤولونَ، فماذا أنتم قائلون ؟قالوا : نشهد أنكَ قدْ بلَّغتَ وجهدتُ ونصحتُ، فجزاك اللهُ خيرًا .فصار يستشهدهم على رسالته ثم قال في اخرها. إنَّ اللهَ مولاي، وأنا مولى المؤمنِينَ ،من أنفُسِهِم، فمنْ كنتُ مولاهُ فهذا علي مولاهُ – كل هذا الكلام ابتداه بكلمة نبأني اللطيف الخبير. جاء شاعر الى الامام علي{ع} وقال له اريد ان اقول فيك شعرا. والامام ليس بحاجة لشاعر او مهوال. فقال له لا تقل بي شعرا. لان الله اعلم بي من نفسي. وانا اعلم منك ما بنفسي.
لهذا يقال: في كلام العرب (تخبرني عن نفسي) ولا يقال: (تنبئني عن نفسي) هذا يعني ان كلمة نبأ اشمل واعم من كلمة خبر وقد بين القران ذلك في قوله تعالى:﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَر) وهكذا اغلب الايات التي تخبر النبي{ص} عن احوال الانبياء الذين سبقوه وما جرى مع اممهم يبدأ بكلمة انباء كما في قوله: ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ.. وقوله تعالى {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾.
** اذن معنى كلمة "نبأ" في القرآن يعني "الخبر العظيم" الخبر ذو الأهمية والفائدة الكبيرة، فكلمة نبأ تطلق على ما له شأن عظيم، هناك اية مختلف عليها حول كلمة{ النبأ العظيم} في القران وهو قوله تعالى:{ عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون} اختلف المفسرون في المراد بالنبأ العظيم، فمن قائل ان المراد (هو القرآن ــ وآخر الرسالة) وآخر قال انها صفات الله تعالى، وآخر قال القيامة، وآخر البعث، وآخر الكتاب الناطق بينما قال ائمة اهل البيت{ع} هي ولاية أمير المؤمنين (ع).اما من قال هي صفات الله. هذا مجرد قول انهزامي .. من يعرف صفات الله. وللتوضيح نحن لا نعرف الله من خلال الذات انما نعرفه من خلال الصفات وكلمة صفات تعني خلقته وعظمته وما يدل عليه ويقربه الى تصوراتنا . والا معنى وذات الله بعيدة عن عقولنا .
*** لو رجعنا الى ترجمان القران في فهم ذات الله نجدهم في خطب أهل البيت {ع} يؤكدون على تنزيهه المطلق عن أي تشبيه أو وصف يمكن أن يحدّ من ذاته. فالله لا يُدرك بالحواس ولا يُمكن قياسه على المخلوقات ،الا أن المصداق الواضح للنبأ العظيم الذي كثرت الروايات فيه هو أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع)، من تلك الروايات:
عن الباقر(ع) قال: قلت له: جعلت فداك ان الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) قال.. ذلك الي ان شئت اخبرتهم وان شئت لم اخبرهم، ثم قال: لكني اخبرك بتفسيرها قلت(عم يتساءلون)فقال: هي في امير المؤمنين(ع) كان الامام علي(ع) يقول: ما لله عزو جل آية هي اكبر مني ولا لله من نبأ اعظم مني. (الكافي ج1 ص161) .وفي خطبة اخرى قال{ع}:(ما لله آية هي اكبر مني ولا لله من نبأ اعظم مني" ولقد فرضت ولايتي على الامم الماضية فأبت ان تقبلها"(بصائر الدرجات ص88 ج3)وعن الصادق{ع} قوله(عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) قال: (النبأ العظيم هي ولاية امير المؤمنين)(الكافي ج1 ص346 ح34) .
عن أبان بن تغلب، قال: سألت الباقر{ع}عن قول الله عزوجل:(عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون )) قال: هو علي بن أبي طالب لان رسول الله (ص) ليس فيه اختلاف. (تأويل الآيات ج2 ص758 ح3) .وعن الحسين بن علي(عليهما السلام) قال: (قال رسول الله (ص) لعلي(ع): يا علي، أنت حجة الله وأنت باب الله وأنت الطريق الى الله وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الاعلى)..
ورد في كتاب{ المحجة في الرد على صاحب طنجة}. لابن تيمية رد على من يقول ان النبأ العظيم القران .عن يونس بن عبيد قال كانوا يجتمعون فأتاهم الحسن البصري قال له رجل يا أبا سعيد ما ترى في مجلسنا هذا, قوم من أهل السنة والجماعة لا يطعنون على أحد نجتمع في بيت هذا يوما وفي بيت هذا يوماً, فنقرأ كتاب الله وندعو ربنا ونصلي على النبي[ص] وندعو لأنفسنا ولعامة المسلمين ..
قال فنهى عن ذلك الحسن البصري أشد النهي. هذا الخبر يدلل على المنع عند الحسن البصري من الصلاة على النبي محمد {ص}واله ومن رفْع الصوت بالصلاة عليه, لأن ذلك بدعة والبدع لا يجوز إقرارها. *** راي الشيعة في تفسير النبأ العظيم: حين نقرأ اختلاف التفاسير لا بد ان نلج الى جهة امرنا الله ورسوله ان نسالهم , راينا نحن الشيعة، فقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" "أهل الذكر" هم محمد وآل بيته(ع)،هم الأئمة الاثني عشر. ويستدلون على ذلك بأقوالهم، لما يفسرون قوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" بأنهم آل محمد الذين أمر الله بسؤالهم. ويشيرون أيضاً إلى قوله تعالى في اية اخرى "وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون"، قالوا المقصود بـ "نحن قومه" أهل البيت وانهم المسؤولون. اختلف المفسرون في ما هو المراد بالنبأ العظيم، فمن قائل ان المراد هو القرآن، وآخر الرسالة، وآخر صفات الله تعالى، وآخر القيامة، وآخر البعث، وآخر الكتاب الناطق أو ولاية أو أمير المؤمنين (ع).نحن نحترم من يقول ان النبأ العظيم يوم القيامة او القران وهذه كلها تصح ان تكون تفسيراً للنبأ العظيم. الا أن المصداق الواضح للنبأ العظيم والذي كثرت الروايات فيه هو أمير المؤمنين (ع) نحن الشيعة ،نأخذ راينا ممن هم عدل الكتاب كان امير المؤمنين (ع) يقول: ما لله عز وجل آية هي اكبر مني ولا لله من نبأ أعظم مني. (الكافي ج1 ص161) .
عن السدي، قال: أقبل صخر بن حرب ابو سفيان,, وجلس بجوار رسول الله (ص) فقال: يا محمد هذا الأمر من بعدك لنا أم لمن، قال: (يا صخر الإمرة من بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى) فانزل الله( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) منهم المصدق بولايته وخلافته ومنهم المكذب بها.في رواية الاصبغ بن نباتة ان علياً (ع) قال: (والله أنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون حين اقف بين الجنة والنار وأقول هذا لي وهذا لك) (مناقب ابن شهرآشوب ج3 ص80).
ــــــ اسباب النزول :عَنْ إِمَامِ بْنِ رِبْعِيٍّ ،قَال :قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عَ)،فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً . قَالَ: «أُولَئِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ، كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وابْتَدَعُوا فِي دِينِهِمْ ،فَحَبِطَتْ أعمالهم مَا أَهْلُ النَّهْرِ-أَيِ النَّهْرَوَانِ - مِنْهُمْ بِبَعِيدٍ». أي الخوارج.عن أبي الطفيل ،قال:«منهم أهل النهر». وفِي رِوَايَةِ: «أُولَئِكَ هُمْ أَهْلِ حَرُورَاءَ» .فمن هم الحروراء.؟ لحرورية جماعة من الخوارج نسبوا إلى حروراء، هو موضع قريب من الكوفة اجتمعوا فيه حين خرجوا على امير المؤمنين[ع] وهناك جماعة يسمونهم المعتزلة هم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد سُمُّوا بذلك لمّا اعتزلوا مجلس الحسن البصري ،عندهم لا يُسمَّى المسلم مؤمناً إلا {من أدى الواجبات واجتنب الكبائر} يقولون: [إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد]،لا يزيد ولا ينقص، فمن أتى كبيرة صار في منزلة بين المنزلتين - خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر - هذا حكمه عندهم في الدنيا،، وحكمه في الآخرة خالد مُخَلَّدٌ في النار. فوقع الخلاف بين الخوارج الحرورية والمعتزلة في موضعين ووقع الاتفاق بينهم في موضعين. وقع الاتفاق بينهم في:اولا: نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة. الثانية /خلوده في النار مع الكفار. فوقع الاختلاف بينهم...
*** قال الطَّبْرِسِيُّ فِي(الْإِحْتِجَاجِ):عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عَ) وَ قَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ:[قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أعمالا] فقَالَ: «كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ ،الْيَهُودِ والنَّصَارَى، كَانُوا عَلَى الْحَقِّ ،فَابْتَدَعُوا فِي دينهم، وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً».
الاية المباركة تتحدث مع المسلمين الان.!! قوله تعالى:﴿الْأَخْسَرِينَ﴾ المنبأ عنهم، يتشوّق السامع لمعرفة الأمر خصوصاً المنبئ هو الله عزّ وجل، حكمهم الأخسرين في الآخرة, قد يكون الأخسر في الدنيا, ولكن من الفائزين في الآخرة ، وقد يكون العكس، فالله عزّ وجل صرّح بأنَّ ﴿الْأَخْسَرِينَ﴾ هم الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم لا يعلمون بذلك، بل يعلمون العكس، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.ما هي حقيقةُ الخسارة؟! ومَنْ هو الخاسِرُ؟! بل مَنْ أخسَرُ الناس؟!هل هو مَن خسِرَ تجارتَهُ؟! او من خسِرَ مالَهُ؟! الجواب: مَن اعتاد على الماديات في الدُّنيا، ولم ينظر إِلَى ما وراء عالم الماديات,لا يُفكِّر إلا بما يرتبط بالخسارة الدنيويّة في المادة, لكن هل هذه هي الخسارة الحقيقيَّة التي يتكفّل الجبّار أنْ يخبرنا عنها؟! قطعاً الأمر ليس كذلك،لأنَّ خسائرَ الدنيا تتّصف بأنَّها: محدودة. قابلة للتعويض والزوال. وعندنا وكثير من الناس يرون تجارب يومية، فكم من مرّةٍ نخسر ونفقد كلّ ما لدينا، ثم نقوم من جديد. عليه، ما كان شأنه محدوداً يكون قابلاً للتعويض، ليس هو الخسارة الحقيقية. ربما تكون الخسارة الدنيويَّة نعمةً من نِعَمِ الله تعالى على الإنسان، فيما لو تلقّاها بصبر، قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾،هذه تعالج بالصبر. وبعد الصبر تاتي البشارة , يقول تعالى :﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، فبشّرهم بكل خير ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.فليست الابتلاءات الدنيوية والخسائر التي تحصل فيها هي المقصودة من الآية الكريمة... فما هي هذه الخسائر المشار إليها إذن؟!!ومن هم الأخسرون أعمالاً؟..الأخسرونَ أعمالاً بحسب هذه الآية الشريفة هم الذين اتصفوا بصفتين:
الصفة الأولى :﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾:وليعلم أَنَّ ضلالَ السعيِ في الحياة الدنيا سبَبُهُ ضلالٌ وخللٌ في العقيدة، يتحكم الشيطان في تحديدها، فتكون افكار الشيطان توجهه بعيدا عن فهم القران وحديث ال محمد{ص} هذه العقيدة فاسدة . والعقيدةَ الفاسدةَ تجعلُ صاحبَها في ضلالٍ كبير .الضلال هو خلل في العقيدة على مراتب ..
اولا: يكون اختلال العقيدة من أساسها، وأصحاب هذه المرتبة ليس لهم قيمة عند الله كما نصّ على ذلك في كتابه: ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنً﴾. تعرفهم من نقاشهم يشككون في الرسالة والقران والاحكام يبتدعون دينا مقابل دين الله. او هم بلا دين اساسا.
ثانيا: يكون بضلال التصرفات المنافية للاداب الاسلامية ، وهذا ناشئٌ كما من نقصٍ في العقيدة مثل الرياء والتكبر والخيلاء عند بعض المعممين ، فيحبط الله عمله لأنه يعمل لغير الله تعالى،{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}. تشير الآية إلى صفة الرياء يظهر أعماله للناس بغرض المباهاة والمفاخرة، ولا يؤمن بالله والاخرة.
ثالثا : يتحكم الشيطان في قلبه فيضل كما ضل قومٌ كثيرون، وذلك بدلا ان تكون عبادته والنية، لكن يعرضُ له الشيطان فيدفعُهُ للتغيير نحو الظلال، ليحصل على الأغراضِ الدّنيويّةِ الرخيصةِ، كان بعض المؤمنين رهبان في صلاة الليل وحج بيت الله وزيارة الائمة. ولكن لما فتحت ابواب الدنيا امامه اختار المال وترك الزهد . كان يحدث الناس بسيرة امير المؤمنين{ع} لكن لم يصمد امام المال والنساء .استحل الحرام وبرر سرقة المال العام بفتاوى سياسية كما بدلت جميع الاحكام في صدر الاسلام سياسيا . فخسروا الدنيا والاخرة . قال تعالى:(ولاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّٰهَ فَأَنْسٰاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ)وَقَوْلُهُ تعالى: [فَالْيَوْمَ نَنْسٰاهُمْ كَمٰا نَسُوا لِقٰاءَ يَوْمِهِمْ هٰذٰا]،
*** وعندنا خير نموذج هم اهل البيت{ع} تاريخهم ابيض ناصع لانهم كانوا يعملون لله . وعندنا قصة رجل طريد هارب من ظلم العباسين هو القاسم بن الامام موسى بن جعفر{ع} يقول تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء﴾ اتبوه باب الحوائح واخوه الامام الرضا [ع].نسبه يتصل بأشرف العباد.. أمُّه تُكنّى أمَّ البنين. اخته فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم{ع} المعروفة بمعصومة مدفونة بقم المقدسة.
كان أبوه يحبه حباً شديداً وأطلعه على صدقاته وفي هذا دلالة واضحة على انه فقيه وعالم وفي رواية أبي سليمان في بحار الأنوار أنه قال كنا عند الامام الكاظم{ع}في المدينة ساعة احتضار ولده إبراهيم فقال" لولده القاسم قم واقرأ عند رأس أخيك والصافات فقلنا يا بن رسول الله عهدنا إذا احتضر المرء يُقرأ عند رأسه يس فأجاب القاسم{ع} ما قرأت عند مكروب إلا نفّس الله كربه هذا يدل على علم القاسم وعلو قدره ..
هناك حديث مسموع مستفيض عن الإمام الرضا {ع} أنّه قال من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم لما تفرق أهل البيت وتشتتوا في البلدان هربا من ظلم بني العباس فقد انتشر أولاد الإمام الكاظم{ع}في بقاع الأرض في مقدمتهم القاسم{ع} وهو الاخ الشقيق الوحيد للإمام الرضا[ع].
جاء في بعض الروايات أنه لمّا استُشهد الإمام الكاظم[ع]في سجن هارون الرشيد توارى القاسم عن العيون وهاجر من المدينة صوب العراق مع القوافل التجارية ثم فارقها عند مشارف الكوفة وسار بمحاذاة نهر الفرات تاركاً كل قرية ومدينة يمر بها حتى وصل إلى منطقة سوراء هي موضع في العراق، من أرض بابل، سكنها المزيديون قبل تمصير الحلة، وكانت مدينة للسريان، فيها نهر باسمها يعرف بنهر سورا. إذ وجد بنتين تستقيان الماء فقالت إحداهن للأخرى لا وحق صاحب بيعة الغدير ما كان الأمر كذا وكذا فسُر لسماع هذا القسم وتقدم باستحياء ليسأل التي أقسمت من تعنين بصاحب بيعة الغدير قالت أعني الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين أبا الحسن والحسين علي بن أبي طالب{ع}عندها اطمأن قلبه وهفت نفسه لأهل هذا الحي الذي يسمى {حي باخمرا} نسبة إلى خمار الطين وهو التراب المخلوط بالماء يستخدم في البناء طلب القاسم{ع}من البنت صاحبة القسم أن تدله على مضيف رئيس الحي واستجابت لطلبه قائلة إن رئيس الحي هو أبي ..فسار القاسم وهي تمشي خلفه لأن عادة العرب أن المرأة تسير خلف الرجل إلى أن أوصلته الى المضيف بيت أبيها ونزل ضيفاً عندهم وابتهج به صاحب البيت و كلما يسأله عن اسمه لا يجيبه احتياطاً وحذراً..فأكرمه صاحب الدار وأحسن ضيافته حتى مضت ثلاثة أيام ,دنا القاسم من الشيخ وقال له أنا سمعت ممن سمع من رسول الله{ص}أن للضيف حق الضيافة ثلاثة ايام وما زاد على ذلك يأكل صدقة وأنا أكره أن آكل صدقة وأريد أن تختار لي عملاً أشتغل فيه فقال الشيخ اختر لك عملا فقال القاسم[ع] اجعلني أسقي الماء في مجلسك فبقي على هذا الحال وقد ظهرت من القاسم كرامات وصفات فضلاً عما تمتع به من غزارة العلم وطيب المعشر وسمو أخلاق وحسن شمائل فاضت على أهل الحي فبقي القاسم مدة من الزمن يأتي إلى الفرات فيملأ وعاءه ويعود به إلى مجلس الشيخ وكان كل مرة يقف على الفرات يقلب الماء بكفه فيتذكر ما جرى لأجداده من العطش وهم إلى جنب الفرات فيقول: يا ماء أنت الذي قتل عندك جدي الحسين ظمآنا. //يماي الفرات اشكان عذرك // يموت السبط ضامي ابكترك // لو تستحي ما فاض نهرك/ وشلون انا بعيني انظرك// أجي النهرك واشوف الماي كل يوم//واتذكر مصاب المات مظلوم/ وأتذكر طفل بالنبلة مفطوم/واشكي أحوالي للواحد القيوم// أنادي يا إلهي الفرج يا يوم.......
بقي على هذه الحالة فأحبه الناس كانوا يسمونه العبد الصالح ذات ليلة خرج الشيخ نصف الليل فرأى القاسم صافا قدميه يركع ويسجد فعظم في نفسه وقذف الله حب القاسم في قلبه..فلما أصبح الصباح قال لعشيرته أريد أن أزوج ابنتي من هذا الغريب العبد الصالح فما تقولون قالوا نعم ما رأيت فزوجه من ابنته ولم يعرف حسبه ونسبه فلما دخل على زوجته قالت له يا ابن العم إن النساء يعيرنني ويقلن لي لقد تزوجت رجلا لا تعرفين حسبه ولا نسبه فهلا أخبرتني من أنت ومن أبوك ومن أي بلد وعشيرة أنت فدمعت عينا القاسم وقال لا والله لا أخبرك بشيء من ذلك ادعيني الغريب فبقي عندهم فترة حتى رزقه الله بنتا صار لها من العمر ثلاث سنين كانت تخرج وتلعب مع الفتيات ترجع باكية لأبيها وتقول: يا أبه لم لا تخبرهم باسمك فكان يضمها لصدره ويقول لم يا بنيه تقول تلك ابنة فلان وتلك ابنة فلان وأنا أدعى بأبنة الغريب فكان يضمها إلى صدره وهو يقول بنيه أنت قطعة من كبد رسول الله {ص}.. صدق بويه كلام اللي أسمعنه/ أحنا بلا عشيرة ولا أهل ألنا// يبويه بهلسؤال أدري يجرحونك/ لمن لحظات موتك قربت حسيت// ردت كل الهواشم حاضرة تمنيت/وصيتك فاجعة يالغالي من وصيت ..ومرض القاسم مرضاً شديداً فأحضر عمه وأخذ يوصيه بوصاياه قال إذا أنا مت فادفني في حجرتي هذه واجعل على قبري علماً أخضراً بعد أن سمع منه الشيخ هذا الكلام قال آن الأوان لأن تخبرني من أنت فقال يا عم لا تعجل الآن أخبرك بحسبي ونسبي ولكن إذا قضيت نحبي فغسلني وادفني ونوّه باسمي وهذه الصرة فيها مال من خالص حلالي أنفقها علي أما إذا كنت تسأل عن البلد فبلدي مهبط التنزيل وإن كنت تسأل عن العشيرة فهي من خدمها جبرئيل وإن كنت تسأل عن النسب فأنا القاسم بن إمامكم موسى بن جعفر فجعل الشيخ يبكي ويلطم على رأسه وهو يقول وا حيائي من أبيك موسى عشت بيننا ذليلا وأنت أعز الناس فقال له لا بأس عليك يا عم إنك أكرمتني وإنك معنا في الجنة يا عم فإذا أنا مت فغسلني وحنطني وكفني وادفني وإذا صار موسم الحج أنت ستحج وزوجتي وابنتي هذه فإذا فرغت من مناسك الحج اجعل طريقك على المدينة فإذا أتيت باب المدينة اسأل عن محلة بني هاشم وأنزل ابنتي على باب دار عالية فتلك الدار دارنا فتدخل البنت وليس فيها إلا نساء وكلهن أرامل.. بينما عمه عنده ووجوه العشرة وإذا بالقاسم استقبل القبلة ثم أدار عينيه ناحية المدينة مناديا السلام عليك يا جداه يا رسول الله نعزي مولاتنا فاطمة المعصومة : لسان حالها: يخويه شلون من درات عيونك // يخويه وين أهلك ما يجونك // ݘان الأهل يتحاولونك// وبصوت واحد يندبونك.. وين الأهل وين الأحبه/ القاسم يوصي بدار غربة// محد من الإخوان جنبه..ثم إن القاسم أغمض عينيه وأسبل يديه ونطق بالشهادتين وفاضت روحه الطاهرة المباركة فعلا الصراخ والعويل في داره كأني بالطفلة فاطمة أقبلت ورمت بنفسها عليه وزوجته تلطم على رأسها ,
إذا أقبل وجوه العشيرة لتجهيز القاسم وتشييعه //بس ساعة لن تشوف جوها لمة رجال// دخلوا عليها وقربوا ليها الشيال//قالت دخلوه جثته هيهات تنشال// ابدمعي لغسله بوسط قلبي مدفن الشاب..
ذيك اليتيمة تنتحب والقلب ملهوف// وتنادي من خلف الجنازة بدمع مذروف//يا بويه بتروح القبر وعيوني تشوف // والله لقضي العمر كله بنوح وصياح //يا بويه بتروح القبر والله هضيمه // وبين الأجانب تترك بنيتك يتيمه //ما يكفي اللي بكربلا ضاعت حريمه // فوق الترب جسمه وراسه فوق الرماح ـــــــ ثم نفّذ الوصية عمه وبنى على قبره قبة وعلماً أخضر وسافر كما أوصاه إلى الحج وأخذ الطفلة معه تأن وتحن وتتذكر أباها فوصل بها إلى المدينة ووصل إلى باب دار عالية سأل لمن هذه الدار قالوا هذه دار أولاد وذراري رسول الله ولكن ما فيها الاّ أرامل ما فيها رجال فطرق الباب وفتحت الباب فأنزل الطفلة فأخذت تدرج فاجتمعن النساء حولها فجاءت أمه وجعلت تتطلع إلى إليها وعلمت أنها ابنة القاسم من خلال شمائلها ثم أنها سألت عن ابنها فقالوا لها أنه توفي فصرخت صرخة وماتت في حينها /ـــــ
هوت ويلي على الطفلة / ولعند الصدر ضمتها /وصاحت ريحة وليدي جاسم حين شمتها..وين ابني تقلها مات // والخدين لطمتها //يا وسفه العمر قضاه/ دوم مشرد وهايم// تقلها وين أبيݘ مات//يا هو الغسله وشاله/وياهو الفصّل أݘفانه..وياهو الجاب شياله //اهنا يالجبت طفلتنا // دخبرني عن احواله //ما قلك وقت موته // حجازي اووالدي الكاظم ،،،، وليدي ميت بغربة//وقت الموت لو شفته / قلبت الولد بيدي // بدمع العين غسلته// يا ليت اللحد ضمني // قبله ولا شفت بنته...
وانـصاع من خوف العدى متخفيا //ومـن الـرزايا كاد أن لا ينهضا
https://telegram.me/buratha

