طاهر باقر
من يشككون بنزاهة القرآن الكريم هم يشككون بنزاهة الدين لأن الاسلام بني على اثنين على القرآن والسنة وباعتراف الجميع بوجود الوضع في الاحاديث الشريفة لن يبقى لدى المسلمين غير القرآن الكريم فاذا قالوا بتحريفه لم يبق شيئ يستندون اليه في دينهم.
ومن يشككون بنزاهة القرآن الكريم هم يشككون بكلام الله المجيد الذي يقول {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} "الحجر – 9" فاله سبحانه وتعالى تعهد في هذه الآية بحفظ القرآن الكريم من اي تغيير يحدث عليه ولمن يريد المزيد سيجد ان هناك ترميز في القرآن الكريم سيختل بمجرد تغيير كلمة واحدة في المصحف الشريف.
الاعجاز الرقمي في الكتاب المقدس هي حقيقة لايمكن انكارها ويعجز البشر حتى عن الاحاطة بها، ولمن يريد الاطلاع على المزيد في هذا الموضوع فهناك كتب الفت في هذا المجال يمكن مراجعتها والتأكد من محتواها لكنها جميعا تقود الى حقيقة واحدة هي انسان واحد مثل النبي الاعظم لايتمكن بمفرده من تأليف هذا الكتاب المقدس وهذا رد على من يقول بان القرآن من صنع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل حتى لو اجتمعت الجن والانس على ان ياتوا بمثل هذا الكتاب لم يتمكنوا.
كتاب كلما فتحته وجدته غضا طريا جديدا تتعلم منه وتستفيد منه لحياتك الدنيوية والآخروية ولما سئل الامام الصادق عليه السلام ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة اجاب : "لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة"(1). ونحن تعلمنا في مجال الكتابة ان نتعرف على الخصائص والحاجات الفكرية للمتلقي الذي نكتب اليه حتى لاتضيع جهودنا سدى وهنا السؤال العظيم هو مالذي كتبه سبحانه وتعالى في هذا الكتاب المجيد لكي يبقى طريا ومفيدا لكل الامم وفي مختلف الازمان ؟ وهذه الخصيصة بحد ذاتها لمن يفهم ويعقل هي معجزة هذا الكتاب المقدس.
واضافة الى كونه كتاب هدى وموعظة للمتقين فهو كتاب يحتوي على قصص الامم السابقة ينبئك الله عزوجل فيها ماجرى عليهم من احداث ووقائع ويضع صورة عاقبة امرهم امام مخيلتك لتتخذ منهم عبرة لحياتك،وهناك دخل الامام علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فقال: يا علي إنها ستكون من بعدي فتن، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ فقال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما يرد بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل وحبل الله المتين العظيم وهو الذكر الحكيم من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو الذي لم ينته الجن إذ سمعوه حتى قالوا: (سمعنا قرآنا عجبا) من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به آجر (2).
هناك قضية مثيرة للاهتمام وهي ان معظم الذين يثيرون الشبهات حول القرآن الكريم هم من جهة اللغة العربية ضعفاء، ولذا هم لايستطيعون تذوق جمالية القرآن الكريم، ولايدركون حقيقة مستوى تقدم القرآن الكريم على بقية النصوص والمتون بكافة اشكالها واوزانها بمافي ذلك الشعر، ولهذا تجد ان الضالعين باللغة العربية هم الناس الاكثر انجذابا للقرآن الكريم وفهما لعدم امكانية صدوره من جهة المخلوقات البشرية فمستوى ما اتى به القرآن الكريم هو مستوى راقي من البلاغة والادب والموسيقى الكلامية.
فقد كان الشعر احدى مفاخرهم ومن اراد التقدم عليهم فعليه ان يباريهم ويفخر عليهم ان ياتي بشعر اجود مما قيل لكن الله سبحانه وتعالى اتى في القرآن ماهو اجود من مضمون الشعر وارقى من موزونه بشيئ وهو في نفس الوقت ليس بشعر! من يستطيع ان يفعل ذلك غير الله سبحانه وتعالى؟.
اتفق ابن ابي العوجاء " وهو من أوائل الزنادقة والملحدين في تاريخ الإسلام" اتفق هو وثلاثة نفر من الدهرية على أن يعارض كل واحد منهم ربع القرآن وكانوا بمكة، وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل، فلما حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم (عليه السلام)، قال أحدهم: إني لما رأيت قوله: (يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء) كففت عن المعارضة، وقال الآخر: وكذا أنا لما وجدت قوله: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) أيست من المعارضة، وكانوا يسترون ذلك، إذ مر عليهم الصادق (عليه السلام) فالتفت إليهم وقرأ عليهم: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) فبهتوا (3).
والسؤال المثير لماذا اتجه بعض شباب الشيعة الى القول بتحريف القرأن الكريم برغم كل المنهيات الواردة عن اهل البيت صلوات الله عليهم في هذا المجال؟
للاسف يجب الاذعان الى ان بعض شباب الشيعة من لديهم ثقافة سطحية بمعارف القرآن الكريم واهل البيت صلوات الله عليهم اتجهوا الى القول بتحريف القرآن الكريم بعدما وجدوا بعض الروايات التي تتحدث عن نزول بعض الآيات بشكل آخر مغاير لماهو موجود في المصحف وتشتمل تلك الآيات بحسب مايزعمون على ذكر اهل البيت صلوات الله عليهم وفيها اسماء بعض الائمة غير مدركين ان التنزيل هنا ليس بمعنى القرآن الكريم وانما التنزيل بمعنى التفسير والتأويل يعني ان هذه الآية نزلت بهذا الشكل وبهذه الصورة على سبيل التفسير والتأويل وليس القرآن الكريم لاننا نعتقد بان التفسير والتأويل نزلا بلسان الوحي على قلب النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما نزل القرآن الكريم.
بقلم : طاهر باقر
الهوامش
----------------------------------------------------------------------
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٩ - الصفحة ١٥
(2) مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) - محمد بن سليمان الكوفي - ج ٢ - الصفحة ٣٠
(3) نور الثقلين: ٣ / ٢٢٠ / ٤٤٤.
https://telegram.me/buratha
