الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب حديث الغدير للسيد علي الحسيني الميلاني: الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث: تعلمون بأنّ علماء القوم يحاولون تبرير الواقع التاريخي، يحاولون توجيه ما وقع، يقول الله سبحانه وتعالى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ" (آل عمران 144) لكن القوم يحاولون أنّ يبرّروا ما فعلوا، فكانوا مصاديق لهذه الآية المباركة.
وعن مسألة مجيء (المولى) بمعنى (الأولى) يقول السيد الميلاني في كتابه: عمدة الاشكال: مسألة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى (الأولى). يقول الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الإثنا عشرية: بأنّ لفظة مولى لا تجيء بمعنى الأولى بإجماع أهل اللغة. فهو ينفي مجي المولى بمعنى الأولى، ويدّعي إجماع أهل اللغة على هذا النفي. نقول في الجواب: أوّلاً: قد لا نستدلّ بالحديث المشتمل على لفظ المولى، ونستدلّ بالأحاديث الاُخرى التي جاءت بلفظ (الولي) و (الأمير) ونحو ذلك من الألفاظ. وثانياً: نقول بأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً، فالألفاظ الاُخرى رافعة للإبهام المدّعى وجوده في هذا اللفظ، ولا تبقى حينئذ مشكلة. الجواب الثالث: الآية الكريمة الموجودة في سورة الحديد في القرآن الكريم، والاحاديث الصحيحة الموجودة حتّى في الصحيحين، الدالة على مجيء كلمة المولى بمعنى الأولى، لكنّ الورود في بحث مجيء المولى بمعنى الأولى على ضوء القرآن والحديث والأشعار العربية وغير ذلك يتطلّب وقتاً، ونحن لا يسعنا أن ندخل في ذلك البحث، غاية ما هناك نكتفي الآن بذكر أسامي عدّة من كبار علماء اللغة والتفسير والأدب ـ وهم من أهل السنّة ـ يصرّحون وينصّون على مجيء مولى بمعنى الأولى، فمنهم: 1 ـ أبو زيد الأنصاري، اللغوي المعروف. 2 ـ أبو عبيدة البصري معمر بن المثنى. 3 ـ أبو الحسن الأخفش. 4 ـ أبو العباس ثعلب. 5 ـ أبو العباس المبرّد. 6 ـ أبو إسحاق الزجّاج. 7 ـ أبو بكر ابن الأنباري. 8 ـ أبو النصر الجوهري، صاحب كتاب صحاح اللغة. 9 ـ جار الله الزمخشري، صاحب الكشّاف. 10 ـ الحسين البغوي، صاحب التفسير وصاحب مصابيح السنّة. 11 ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي. 12 ـ البيضاوي، صاحب التفسير المعروف. 13 ـ النسفي، صاحب التفسير المعروف. 14 ـ أبو السعود العمادي، صاحب التفسير المعروف. وأيضاً، ممّن ينصّ على مجيء المولى بمعنى الأولى من العلماء الآخرين الذين سجّلت أسماءهم هنا: 15 ـ شهاب الدين الخفاجي، الذي ذكرته لكم. وأيضاً بعض المحشّين والمعلّقين من كبار العلماء والمدرّسين في تعاليقهم على تفسير البيضاوي. ويكفي هذا المقدار للجواب عن هذه الشبهة. إذن، يتلخص الجواب عن هذه الشبهة بالقرآن الكريم، فنفس كلمة المولى موجودة فيه وقد فسّرت بالأولى، في سورة الحديد قوله تعالى: "هِيَ مَوْلاكُمْ" أي النار "وَبِئْسَ المَصِيرُ" (الحديد 15) يفسّرون الكلمة ب: هي أولى بكم وبئس المصير، والأحاديث أيضاً كثيرة، والأشعار العربيّة الفصيحة موجودة، وكلمات اللغويين أيضاً موجودة. فارجعوا: إلى كتاب عبقات الأنوار، ونفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ـ في قسم حديث الغدير ـ وارجعوا إلى كتاب الغدير للشيخ الأميني رحمة الله عليه، التفاصيل موجودة هناك، ولا أعتقد أنّ من العسير عليكم الحصول على تلك المطالب.
وعن مسألة دلالة حديث الغدير على الإمامة الباطنية يقول السيد على الحسيني الميلاني: وهل من وجه آخر ؟ قال بعضهم: نعم، إنّ حديث الغدير يدلّ على إمامة عليّ، لكنّ الإمامة تنقسم إلى قسمين، هناك إمامة باطنيّة هي الإمامة في عرف المتصوّفة، فعليّ إمام المسلمين بعد رسول الله بلا فصل لكن هو إمامٌ في المعنى، إمام في القضايا المعنوية، إمام في الأمور الباطنيّة، والمشايخ الثلاثة هم أئمّة المسلمين في الظاهر، ولهم الحكومة ولهم الأمر والنهي، ولهم القول المسموع واليد المبسوطة والكلمة النافذة. يقولون هذا، وكأنّه قد فوّض إليهم أمر الإمامة والخلافة وتقسيم الإمامة، بأن يضعوها بذلك المعنى لعلي وولده، وبالمعنى الآخر للمشايخ الثلاثة، ثمّ لمعاوية ثمّ ليزيد ثمّ للمتوكّل ثمّ وثمّ إلى يومنا هذا كأنّ الإمامة أمر يرجع إلى هؤلاء وما تهواه أنفسهم، بأن يقولوا لعليّ: أنت إمام بمعنى كذا، وأنت يا فلان إمام بالمعنى الآخر، وهذا أشبه بالمضحكة، وإنْ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عجزهم عن الوجه الصحيح المعقول، والقول المقبول. "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ" أي ليسوا بمؤمنين، أي لا يكونوا مؤمنين "حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء 65). "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة 201) "وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ" (الأعراف 43). الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
https://telegram.me/buratha
