الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الشّهيد مسلم بن عقيل عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: السلسلة هي التي أنتجت قصيا فعبد مناف فهاشما فعبد المطلب ثم عبدالله وأبا طالب ومنهما أشرق الكون بخاتم الأنبياء وسيد الأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين. والذي يجب الهتاف به أن كل واحد من عمود النسب غير مدنس بشيء من رجس الجاهلية، ولا موصوم بعبادة وثن، وهو الذي يرتضيه علماء الحق لكونهم صديقين بين أنبياء وأوصياء، وقد نزههم الله سبحانه في خطابه لنبيه الأقدس: "وتقلبك في الساجدين" (الشعراء 219) فانه أثبت لهم بلفظ الجمع المحلى باللام السجود الحق الذي يرتضيه لهم. وأن ما يؤثر عنهم من الأشياء المستغربة عندنا لابد وأن تكون من الشريعة المشروعة لهم أو يكون له معنى تظهره الدراية والتنقيب. وليس آزر الذي كان ينحت الأصنام، وكاهنة نمرود أبا ابراهيم عليه السلام الذي نزل من ظهره لأن أباه اسمه تارخ، وآزر إما أن يكون عمه كما يرتئيه جماعة المؤرخين، واطلاق الأب على العم شائع على المجاز وبه جاء الكتاب المجيد: "إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق" (البقرة 133) فأطلق على إسماعيل لفظ الأب ولم يكن أبا يعقوب وإنما هو عمه كما أطلق على إبراهيم لفظ الأب وهو جده. وإما أن يكون آزر جد إبراهيم لامه كما يرتئيه المنقبون والجد للأم أب في الحقيقة ومما يؤيد أنه غير أبيه قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" (الأنعام 74) فميّزه باسمه ولو أراد أباه الذي نزل من ظهره لاستغنى باضافة الابوة عن التسمية بآزر. كل ذلك مضافا الى مصارحة الرسول الكريم بطهارة آبائه عن رجس الجاهلية وسفاح الكفر.
وعن افتراء على عقيل يقول السيد المقرم رحمه الله في كتابه: قال الصفدي: لقد بغض عقيلا إلى الناس ذكره مثالب قريش، وما أوتي من فضل وعلم بالنسب والسرعة في الجواب، وكانت تبسط له طنفسة في مسجد رسول الله يصلّي عليها، ويجتمع إليه الناس لمعرفة أنساب العرب وأياهم وأخبارهم فقال أعداؤه فيه ونسبوه الى الحمق. واختلقوا عليه أحاديث كان بعيدا عنها حتى وضعوا على لسان أمير المؤمنين ما ينقص من قدره ويحط من كرامته زعما منهم أن في ذلك تشويها لسمعة هذا البيت الطاهر بيت أبي طالب باخراج أهله عن مستوى الإنسانية فضلا عن الدين، بعد ان أعوزتهم الوقيعة في سيد الأوصياء عليهم السلام بشيء من تلك المفتريات. فطفقوا يشوهون مقام أبيه وحامته، ولكن لا تنطلي تلكم الزخارف على الجيل المنقب حتى كشف عن نواياهم السيئة وعرف الملأ افتعال الحديث وبُعده عن الصواب. قالوا في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: مازلت مظلوما منذ كنت صغيرا، أن عقيلا ليرمد فيقول: لا تذروني حتى تذروا عليا، فأضطجع وأذرى وما بي رمد. لم أقرأ هذا الحديث إلا ويأخذني العجب. كيف رضى المفتعل بهذه القرية البينة، فإن أمير المؤمنين ولد ولعقيل عشرون سنة، وهل يعتقد أحد أو يظن إنسانا له من العمر ذلك المقدار إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء يمتنع منه إلا إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين، كلا لا يفعله أي أحد وإن بلغ الغاية في الخسة والضعف، فكيف بمثل عقيل المتربى بحجر أبي طالب والمرتضع در المعرفة خصوصا مع ما يشاهده من الآيات الباهرة من أخيه الإمام منذ ولادته. إن الضّغائن والأحقاد تحبذ لمن تخلّق بها التردد في العمى والخبط في الضلال من دون روية وتفكير، "استَحَوَذَ عَلَيهِم الشَّيطانُ فَأَنساهُم ذِكرَ اللهِ اُولئِكَ حِزبُ الشَّيطانِ أَلا اِنَّ حِزبَ الشَّيطانِ هُمُ الخاسِرُونَ" (المجادلة 19).
وعن محاورة مسلم مع معاوية يقول السيد عبد الرزاق المقرم: بعث معاوية على مسلم فأخبره بذلك وأقرأه كتاب الحسين وقال: اردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت مالا ما لاتملك فقال مسلم: أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه وقال: يا بني هذا والله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أمك. ثم كتب الى الحسين عليه السلام اني قد رددت عليكم الأرض وسوّغت مسلماً ما أخذ، فقال الحسين 7: أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما. من الصعب جدا الإستناد إلى هذه الرواية لأسباب عديدة نأتي على المهم منها: الأوّل: أنها منقطعة الاسناد وطرح رجال الحديث مما يحظ من قيمته لما فيه من الجهالة بمعرفة أحوال أولئك المتروكين والتدليس الشائن. الثّاني: أن المدائني لا يوثق بأحاديثه مهما تكثرت في الجوامع بعد ما ضعفه ابن عدي في الكامل ويؤيده أنه أموي النزعة من جهة ولائه لآل عبد شمس والولاء كالتربية حاكم على النفوس والعقائد فهو ممن يحب للبيت الأموي التحلي بالصفات الكريمة لتهوى لهم الأفئدة وتخضع لهم الأعناق ويكونوا في صف من طهرهم الذكر المجيد بقوله "إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الأحزاب 33) كما أثبت سبحانه لهم اشرف الخصال المحبوبة له إذ يقول: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا" (الانسان 8-9).
https://telegram.me/buratha
