الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن أعرج "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا" ﴿الفتح 17﴾ "ليس على الأعمى حرج" أي ضيق في ترك الخروج مع المؤمنين في الجهاد والأعمى الذي لا يبصر بجارحة العين "ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" في ترك الجهاد أيضا قال مقاتل عذر الله أهل الزمانة والآفات الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا " ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة 100) القراءة المشهورة "والأنصار" بالكسر عطفا على "المهاجرين" والتقدير: السابقون الأولون من المهاجرين والسابقون الأولون من الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وقرأ يعقوب: والأنصار بالرفع فالمراد به جميع الأنصار دون السابقين الأولين منهم فحسب. وقد اختلفت الكلمة في المراد بالسابقين الأولين فقيل: المراد بهم من صلى إلى القبلتين، وقيل: من بايع بيعة الرضوان وهي بيعة الحديبية، وقيل: هم أهل بدر خاصة، وقيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة، وهذه جميعا وجوه لم يوردوا لها دليلا من جهة اللفظ. والذي يمكن أن يؤيده لفظ الآية بعض التأييد هو أن بيان الموضوع السابقون الأولون بالوصف بعد الوصف من غير ذكر أعيان القوم وأشخاصهم يشعر بأن الهجرة والنصرة هما الجهتان اللتان روعي فيهما السبق والأولية.
وعن تفسير الميسر: قوله عزت قدرته "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة 2) أي: لا يحملنَّكم بغضُ قوم قد كانوا صدُّوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام عام الحديبية، على أن تعتدوا في حكم الله فيكم، فتقتصُّوا منهم ظُلمًا وعُدوانًا، بقصد الانتقام والتشفِّي.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز شأنه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" ﴿الممتحنة 10﴾ في سنة ست من الهجرة عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلح الحديبية مع قريش. أنظر تفسير الآية 10 من سورة الفتح فقرة (خلاصة القصة)، وجاء في عهد الصلح: ان من أتى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من قريش رده عليهم، ومن أتى قريشا من عند محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يردوه عليه. وقال المفسرون: بعد ان تم الصلح بين الطرفين جاءت امرأة من قريش مهاجرة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وجاء زوجها على أثرها، وكان مشركا، فقال: يا محمد، أردد عليّ امرأتي، فإنك شرطت لنا ان ترد علينا من أتاك منا.. فنزلت هاتان الآيتان لبيان حكم الزوجات اللائي آمنّ من دون أزواجهن، واللائي ارتددن عن الإسلام. وفيما يلي التفصيل: 1 - "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ". يقول سبحانه للمسلمين: إذا جاءتكم امرأة من دار الشرك، وقالت: أتيت مؤمنة باللَّه ورسوله فاختبروها. واختلف المفسرون في أي شيء يختبرها المسلمون؟. وأرجح الأقوال أن تشهد المرأة ان لا إله إلا اللَّه وان محمدا رسول اللَّه، لأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان يكتفي بذلك لاثبات الإسلام، وعليه إجماع المسلمين، ولقوله تعالى بلا فاصل: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ" أي خذوا بالظاهر، أما الباطن فهو للَّه وحده، وللآية 94 من سورة النساء: "ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً". فبالأولى ان لا نقول ذلك لمن نطق بالشهادتين. "فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ" أي نطقن بالشهادتين "فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ". لا تعيدوا إلى الزوج المشرك - أيها المسلمون - زوجته التي هاجرت إليكم مؤمنة لأنها لا تحل له بعد ان انقطعت العصمة بينهما. وان سأل سائل: ان قوله تعالى: "لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ" يغني عن قوله: "ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" فما هي فائدة التكرار ؟ قلنا في جوابه: من الجائز أن يكون التكرار للإشارة إلى أنه لا أثر لاعتقاد المشرك انها ما زالت في عصمته وأيضا يجوز أن يكون لمجرد التأكيد "وآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا". ولكن ردوا أيها المسلمون إلى الأزواج مثل ما أعطوا الزوجات من المهر. ويختص هذا الحكم بحال الهدنة بين الرسول والمشركين، ولا ينسحب إلى ما بعدها، لأن المهر يستقر على الزوج بمجرد الدخول، ولا يسقط بانفساخ العقد، سواء أسلمت هي من دونه أم أسلم هومن دونها. 2 - "ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ". للمسلم أن يتزوج المهاجرة المؤمنة بعد أن حرمت على زوجها، شريطة أن يفرض لها المسلم مهرا، وأن يتم الزواج بعد انقضاء العدة من المشرك إذا كان قد دخل بها. 3 - "ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ". إذا كان الزوجان مشركين، وأسلم هومن دونها حرمت عليه لانقطاع العصمة بينهما تماما كما لو أسلمت هي من دونه. وكذلك لوكانا مسلمين، وارتد أحدهما عن الإسلام "وسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ ولْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا" إذا أسلم هومن دونها يحق له أن يطالب بما أعطاها من المهر، تماما كما يحق للمشرك أن يطالب بمهر زوجته المؤمنة "ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". هذا الحكم فرض لا تجوز معصيته، فلقد شرعه سبحانه لحكمة هوبها أعلم.
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام: الرجوع إلى المدينة: بعد عقد الصلح نحر رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم الهدي وحلق رأسه وقد أخذ المسلمون شعره وأخذوا يتبركون به ويستشفون به من الأمراض، وحلق المسلمون وقصروا، وقال المؤرخون: إنَّ النبي صلی الله عليه وآله وسلم أقام في الحديبية بضعة عشر يوما، ويقال: عشرين ليلة. فوائد الصلح: لقد ترتب على صلح الحديبية الكثير من الفوائد التي أصبحت فتحا بالنسبة للإسلام ومن هذه الفوائد: دخول الكثير من المشركين في الإسلام مثل: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وكذلك ضعفت قوة قريش عندما انسحبت من ميدان الحرب وبذلك خف الضغط على المسلمين المتواجدين في مكة، وبعد هذا الصلح توجه النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم إلى اليهود الذين كانوا يكيدون بالمسلمين بعد تحصنهم في خيبر فأفشل مخططاتهم بفتح خيبر، ولقد أعطت هذه الهدنة للمسلمين فرصة كبيرة لنشر الدعوة الإسلامية فقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال. نقض قريش للصلح: لقد كان من ضمن بنود صلح الحديبية أن من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، وبعدها أصاب بنو بكر من خزاعة رجلا بعد أن اقتتلوا معهم ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتلوا معهم بالليل مستخفين حتى أوصلوا خزاعة إلى الحرم، وبذلك نقضت قريش ما كان بينهم وبين رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم من العهد والميثاق فخرج المسلمون سنة 8 هـ إلى مكة فاتحين. الآيات النازلة: قال الواقدي: وكان مما نزل في الحديبية "إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً" (الفتح 1) فالفتح قريش وموادعتهم، فهو أعظم الفتح.
https://telegram.me/buratha
