الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية في كتاب العروة الوثقى للسيد محمد باقر الصدر قدس سره (ح 1)

387 2025-04-08

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب في شرح العروة الوثقى للسيد محمد باقر الصدر: لا اشكال في طهارة الماء في طهريته في الجملة. وذلك واضح لا لضرورة، بل يمكن أن يقال بأن مطهرية الماء هي مقتضي الاطلاق المقامي لنفس أدلة النجاسات الواردة بلسان (هذا قذر) أو (نجس)، لان ظاهرها بيان فرد اعتباري وجعلي للمفهوم العام المعلوم عند العرف من القذر والنجس، ويفهم العرف بالاطلاق المقامي لهذا البيان أنه يجب أن يصنع به في مقام دفعه ما يصنع بالقدر الحقيقي من غسله بالماء. وانما يقع البحث حول تحصيل أدلة خاصة من الكتاب أو السنة على الطهارة والمطهرية، لاجل الحصول على اطللاق في دليل الطهاة والمطهرية يرجع إليه في موارد الشك، إذ لا إطلاق للضرورة لحالة الشك. وقد استدل على ذلك بالايات والروايات: الدليل من الايات: أما الايات، فهناك آينان يستدل بهما على ذلك: (الاية الاولى): فالاية الاولى قولى قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء طهورا" (الفرقان 48)، "وفي السماء رزقكم وما توعدون" (الذاريات 22)، وأطلق لفظ الانزال على المعنوي في قوله تعالى: "قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوأتكم" (الأعراف 26) فليكن الانزال من السماء جمعا بين المعنويين، فيراد الانزال المعنوي من السماء المعنوية. وفيه: أن هذا وأن لم يكن بعيدا عن اللغة، إذ يمكن القول بأن معنى الا يزال والسماء أعم لغة من المصداق الحسي، وانما ينصرف ذهننا إلى خصوص المصداق الحسي بدلا عن المعنوي لشدة أنس ذهننا بالماديات لكن ليس للاية ظهور على أي حال في ارادة الانزال والسماء المعنويين، أن لم نقل بظهورها في ماء المطر، باعتبار شدة أنس الذهن بأن (ماء السماء) هو المطر، وشيوع استعماله في ذلك عرفا. ويكفي مجرد الاجمال وتردد الانزال بين المادي والمعنوي لتثبيت الاشكال والمنع عن الاطلاق، لانه يكون محفوفا بما يحتمل قرينيته، فيبتلى بالاجمال ولا ينعقد للاية ظهور في الاطلاق.

 

ويستطرد الشهيد السيد الصدر قائلا أن جميع المياه نزلت من السماء، كما تدعيه بعض الفرضيات الحديثة فلا تكون الانزال موجبة للتقييد. وفيه: أن هذا وإن كان ممكنا في نفسه لكن التصديق به يحتاج إلى دليل عقلي أو نقلي، وكلاهما مفقود في المقام: أما الاول، فلان الدليل العقلي المتصور في المقام هو الادلة العلمية القائمة على أساس التجربة، ولم يقم أي دليل علمي على ذلك، وانما هي فرضية فرضها بعض العلماء في مقام تفسير تكون المياه، وانه بشدة الحرارة حصل البخار وأدى إلى هطول المطر، فتكون الماء على الارض. وأما الثاني، فقد استدل السيد الاستاذ دام ظله على نزول المياه بأجمعها من السماء بآيات منها قولله تعالى: "وإن من شئ الاعندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" (الحجر 21)، ومنها قوله تعالى "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه بنابيع في الارض" (الزمر 21)، ومنها قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الارض وانا على ذهاب به لقادرون" (المؤمنون 18). والظاهر أن لا دلالة في هذا الايات الكريمة على نزول المياه بأجمعها من السماء: أما الاية الاولى، فهي مخصوصة بماء الكلام، لان المراد من التنزيل فيها التنزيل المعنوي لا التنزيل من السماء، لان التنزيل من السماء لا يمكن أن يشمل جميع الاشياء، وقد صرح في الاية بشمول التنزيل لجميع الاشياء، فلا تدل إذن على المياه نازلة من السماء. وأما الاية الثانية، فهي مخصوصة بماء المطر، ولا تدل على أن جميع المياه حتى البحار مثلا قد أنزلت من السماء، بقرينة قوله تعالى: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء" (الزمر 21)، فان الاية بصدد التنبيه على حادثة اعتيادية يراها الانسان في حياته، وهي نزول المطر وما يترتب عليه من آثار تدل على الحكمة والتدبير. وأما الاية الثالثة، فليس فيها إطلاق، بل هي إخبار عن إنزال ماء من السماء بقدر، وكلمة "ماء" نكرة في سياق الاثبات، فلا يمكن التمسك باطلاقها لاثبات أن جميع المياه نازلة من السماء. ودعوى أن التهديد في ذيل الاية المستفاد من قوله تعالى: "وإنا عن ذهاب به لقادرون" (المؤمنون 18) يدل على إرادة مطلق الماء لا خصوص ماء المطر، لان الذهاب بماء المطر وحده لا يوجب بلاء، لامكان اكتفاء الناس بسائر المياه. مدفوعة بأن ارادة ماء المطر وحده كافية في صحة التهديد، لان لماء المطر آثارا عظيمة في حياة الانسان، وزراعته لا يمكن الحفاظ عليها بدونه. هذا مضافا إلى أن قرينة التهديد لا توجب إثبات الاطلاق، بل كون النازل من السماء مقرارا يصح التهديد بذهابه، وهذا لا يكفي لاثبات أن جمنع المياه حتى ماء البحر مثلا نازل من السماء، لاننا إذا افترضنا أن المقصود بالماء المتوعد بذهابه هو غير ماء البحر من بقية المياه مثلا لكفى ذلك في صدق التهديد، فلا يمكن جعل التهديد قرينة على الاطلاق. على اننا يمكننا ان نفرض تبخير ماء وصيرورة البخار ماء، فان سلمنا أن الماء الاول كان نازلا من السماء، لا نسلم كون الماء المستحيل إليه البخار عين الماء الاول، بل يعد ماء جديدا وليس نازلا من السماء، فلا يشمله الاطلاق. ولهذا فان نفس من يستدل بقوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء" (المؤمنون 18) يعترف بأن الماء النجس يستحيل بالتبخير ويكون الماء الحاصل من بحاره طاهرا. الرابع: أن الطهورية المستفادة من الاية إنما هي ثابتة لماء المطر بما هو ماء بقطع النظر عن مطريته وإنزاله من السماء، فانها جعلت صفة للماء الذي جعل موضوعا للانزال، فالانزال تعلق بالماء الطهور لا أن الطهورية تعلقت بالماء النازل، وهذا يعنى أن الطهور ثابتة للماء في المرتبة السابقة على الانزال، وإذا ثبتت طهارته بما هو ماء ثبتت طهارة جميع المياه. وفيه: أن هذا غاية ما يدل عليه أن الانزال من السماء ليس بما هو إنزال، دخيلا في موضوع الحكم بالطهورية، ولكنه لا ينفي دخالة أمر آخر يكون الانزال معرفا عنه ومساوقا له، وحيث أن الموضوع لااطلاق فيه لغير النازل فلا يمكن نفي دخالة ذلك الامر الاخر بالاطلاق.

 

وعن الماء المطلق يقول السيد محمد باقر الصدر قدس سره: والاية التي استدل بها على مطهرية الماء المطلق فهي قوله تعالى "وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به" (الأنفال 11). ويقع الكلام حول هذه الاية الكريمة من جهتين: من ناحية الموضوع تارة، ومن ناحية الحكم أخرى. (اما الجهة الاولى) وهي من ناحية الموضوع، فقد يدعى الاختصاص ويمنع عن الاطلاق من ناحيتين: احداهما ان الاية الكريمة وردت في طائفة خاصة، وهم المسلمون الذين كانوا يحاربون الكفار في وقعة بدر، ومع اختصاص المورد لا يمكن التعدي عنه. والناحية الاخرى بلحاظ كلمة "ماء" لاختصاصها بماء المطر، بقرينة قوله "وينزل عليكم"، فلا إطلاق يشمل سائر أقسام المياه الاخرى، أو باعتبارها نكرة في سياق الاثبات فلا ينعقد لها الاطلاق.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك