الصفحة الإسلامية

آيات صوم رمضان وتفسير العلامة الطباطبائي (ح 3)

137 2025-03-13

الدكتور فاضل حسن شريف

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُو خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (البقرة 183-185) وإذا أضفت إلى هذا النسخ بعد النسخ ما ذكروه من نسخ قوله: "شهر رمضان" إلخ لقوله: "أياما معدودات" الخ، ونسخ قوله: "اياماً معدودات" الخ، لقوله "كتب عليكم الصيام"، وتأملت معنى الآيات شاهدت عجبا. قوله تعالى: "فمن تطوع خيرا فهو خير له"، التطوع تفعل من الطوع مقابل الكره وهو إتيان الفعل بالرضا والرغبة، ومعنى باب التفعل الاخذ والقبول فمعنى التطوع التلبس في إتيان الفعل بالرضا والرغبة من غير كره واستثقال سواء كان فعلا إلزاميا أو غير إلزامي، وإما اختصاص التطوع استعمالا بالمستحبات والمندوبات فمما حدث بعد نزول القرآن بين المسلمين بعناية ان الفعل الذي يؤتى به بالطوع هو الندب واما الواجب ففيه شوب كره لمكان الالزام الذي فيه. وبالجملة التطوع كما قيل: لا دلاله فيه مادة وهيئه على الندب وعلى هذا فالفاء للتفريع والجملة متفرعة على المحصل من معنى الكلام السابق، والمعنى والله أعلم: الصوم مكتوب عليكم مرعيا فيه خيركم وصلاحكم مع ما فيه من استقراركم في صف الامم التي قبلكم، والتخفيف والتسهيل لكم فأتوا به طوعا لا كرهاً، فإن من أتى بالخير طوعا كان خيرا له من ان يأتي به كرها. ومن هنا يظهر: ان قوله: "فمن تطوع خيرا" من قبيل وضع السبب موضع المسبب أعني وضع كون التطوع بمطلق الخير خيرا مكان كون التطوع بالصوم خيرا نظير قوله تعالى: "قد نعلم أنك ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" اي فاصبر ولا تحزن فانهم لا يكذبونك. وربما يقال: ان الجملة اعني قوله تعالى: "فمن تطوع خيرا فهو خير له"، مرتبطة بالجملة التي تتلوها اعني قوله: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"، والمعنى أن من تطوع خيرا من فدية طعام مسكين بأن يؤدي ما يزيد على طعام مسكين واحد بما يعادل فديتين لمسكينين أو لمسكين واحد كان خيرا له. ويرد عليه: عدم الدليل على اختصاص التطوع بالمستحبات كما عرفت مع خفاء النكتة في التفريع، فأنه لا يظهر لتفرع التطوع بالزيادة على حكم الفدية وجه معقول، مع ان قوله: "فمن تطوع خيرا"، لا دلاله له على التطوع بالزيادة فإن التطوع بالخير غير التطوع بالزيادة. قوله تعالى: "وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون"، جملة متممة لسابقتها والمعنى بحسب التقدير ـ كما مر ـ تطوعوا بالصوم المكتوب عليكم فإن التطوع بالخير خير والصوم خير لكم، فالتطوع به خير على خير.

 

ويستطرد العلامة السيد الطباطبائي في تفسيره لآيات الصيام قائلا: وربما يقال: ان الجملة اعني قوله: "وأن تصوموا خير لكم"، خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة فإن ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك فيناسب الاستحباب دون الوجوب، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر فيستحب عليهم اختيار الصوم على الافطار والقضاء. ويرد عليه: عدم الدليل عليه أو لا، واختلاف الجملتين اعني قوله: "فمن كان منكم" الخ، وقوله: "وأن تصوموا خير لكم"، بالغيبة والخطاب ثانيا، وأن الجملة الاولى مسوقه لبيان الترخيص والتخيير، بل ظاهر قوله: "فعدة من أيام أخر"، تعين الصوم في أيام أخر كما مر ثالثا، وأن الجملة الاولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حق المعذور لم يذكر الصوم والافطار حتى يكون قوله: "وأن تصوموا خير لكم" بيانا لاحد طرفي التخيير بل إنما ذكرت صوم شهر رمضان وصوم عدة من أيام أخر وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره من مجرد قوله: "وأن تصوموا خير لكم"، من غير قرينة ظاهرة. رابعا: وأن المقام ليس مقام بيان الحكم حتى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبيا بل المقام ـ كما مر سابقا ـ مقام ملاك التشريع وأن الحكم المشرع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن كما في قوله: "فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ" (البقرة 54)، وقوله تعالى: "فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " (الجمعة 9)، وقوله تعالى "تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " (الصف 11)، والآيات في ذلك كثيرة.

 

خامسا: قوله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى" (البقرة 185)، شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان وشوال ولم يذكر اسم شيء من الشهور في القرآن الا شهر رمضان. والنزول هو الورود على المحل من العلو، والفرق بين الانزال والتنزيل أن الانزال دفعي والتنزيل تدريجي، والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمد(صلى الله عليه واله وسلم)باعتبار كونه مقروا كما قال تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (الزخرف 3)، ويطلق على مجموع الكتاب وعلى ابعاضه. والآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان، وقد قال تعالى: "وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا" (الإسراء 106)، وهو ظاهر في نزوله تدريجا في مجموع مدة الدعوة وهي ثلث وعشرون سنة تقريبا، والمتواتر من التاريخ يدل على ذلك، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي بين الآيتين. وربما أجيب عنه: بأنه نزل دفعة على سماء الدنيا في شهر رمضان ثم نزل على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)نجوما وعلى مكث في مدة ثلث وعشرين سنة ـ مجموع مدة الدعوة ـ وهذا جواب مأخوذ من الروايات التي سننقل بعضها في البحث عن الروايات. وقد أورد عليه: بأن تعقيب قوله تعالى: "أنزل فيه القرآن" بقوله: "هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"، لا يساعد على ذلك إذ لا معنى لبقائه على وصف الهداية والفرقان في السماء مدة سنين. وأجيب: بأن كونه هاديا من شأنه أن يهدي من يحتاج إلى هدايته من الضلال وفارقا أذا التبس حق بباطل لا ينافي بقائه مدة على حال الشأنية من غير فعليه التأثير حتى يحل أجله ويحين حينه، ولهذا نظائر وأمثال في القوانين المدنية المنتظمة التي كلما حان حين مادة من موادها أجريت وخرجت من القوة إلى الفعل.

 

والحق ان حكم القوانين والدساتير غير حكم الخطابات التي لا يستقيم ان تتقدم على مقام التخاطب ولو زمانا يسيرا، وفي القرآن آيات كثيرة من هذا القبيل كقوله تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا" (المجادلة 1)، وقوله تعالى: "إِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا" (الجمعة 11)، وقوله تعالى: "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب 23)، على أن في القرآن ناسخا ومنسوخا، ولا معنى لاجتماعهما في زمان بحسب النزول. وربما أجيب عن الأشكال: إن المراد من نزول القرآن في شهر رمضان أن أول ما نزل منه نزل فيه، ويرد عليه: أن المشهور عندهم إن النبي صلى الله عليه واله وسلم إنما بعث بالقرآن، وقد بعث اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وبينه وبين رمضان اكثر من ثلثين يوما وكيف يخلو البعثة في هذه المدة من نزول القرآن، على أن أول سورة اقرأ باسم ربك، يشهد على أنها أول سورة نزلت وأنها نزلت بمصاحبة البعثة، وكذا سورة المدثر تشهد أنها نزلت في أول الدعوة وكيف كان فمن المستبعد جدا أن تكون أول آية نزلت في شهر رمضان، على أن قوله تعالى: أنزل فيه القرآن، غير صريح الدلالة على أن المراد بالقرآن أول نازل منه ولا قرينة تدل عليه في الكلام فحمله عليه تفسير من غير دليل، ونظير هذه الآية قوله تعالى: "وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ " (الدخان 2-3)، وقوله: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر 1)، فإن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إنزال القرآن أول إنزاله أو إنزال أول بعض من أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك