الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى "فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿البقرة 182﴾ قوله سبحانه " فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿المائدة 3﴾. جاء في معاني القرآن الكريم: جنف أصل الجنف ميل في الحكم، فقوله تعالى: "فمن خاف من موص جنفا" (البقرة 182)، أي: ميلا ظاهرا، وعلى هذا: "غير متجانف لإثم" (المائدة 3)، أي: مائل إليه.
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى "فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿البقرة 182﴾ جنفا اسم، أَوْ حرف عطف، اثما اسم، إثما هنا: ظلما. و الجنف: الميل. جنفاً: ميلاً و عدولاً عن الحق، و جَوراً. جنفا: ميلا عن الحقّ خطأ ً و جهلاً. إثما: ارتكابا للظّلم عمدًا. فمَن علم مِن موصٍ ميلا عن الحق في وصيته على سبيل الخطأ أو العمد، فنصح الموصيَ وقت الوصية بما هو الأعدل، فإن لم يحصل له ذلك فأصلح بين الأطراف بتغيير الوصية؛ لتوافق الشريعة، فلا ذنب عليه في هذا الإصلاح. إن الله غفور لعباده، رحيم بهم.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قال الله تعالى "فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿البقرة 182﴾ الجنف الخطأ، والإثم تعمد الظلم. وهذه الآية استثناء من الحكم السابق، أي ان المبدل للوصية آثم الا إذا زل الوصي في وصيته، فعندها يجوز للوصي أو للولي أو الحاكم أن يبدل الوصية من الباطل إلى الحق، فالمحرّم هو تبديل الحق إلى الباطل، لا تبديل الباطل إلى الحق. هذا ما ذكره المفسرون في معنى الآية، وهو صحيح في نفسه. ولكن الذي نفهمه من سياق الآية، وقربه صاحب مجمع البيان: ان الإنسان إذا ظهرت له دلائل الموت، وأراد أن يوصي بأشياء فيها حيف، مثل أن يعطي بعضا ويحرم بعضا. وحضر هذه الوصية من حضر من العقلاء والمؤمنين فلا إثم على الحاضر أن يشير على الموصي بالحق، وأن يرده إلى الصواب، ويصلح بينه وبين الورثة، كي يكون الجميع على رضا ووفاق، ولا يحدث بينهم التشاجر والتطاحن بعد موت الموصي.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" ﴿المائدة 3﴾ "فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ" معناه: فمن دعته الضرورة في مجاعة، حتى لا يمكنه الامتناع من أكله، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي "غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ" أي: غير مائل إلى إثم، وهو نصب على الحال، يعني: فمن اضطر إلى أكل الميتة، وما عدد الله تحريمه عند المجاعة الشديدة، غير متعمد لذلك، ولا مختار له، ولا مستحل له، فإن الله سبحانه أباح تناول ذلك له، قدر ما يمسك به رمقه، بلا زيادة عليه، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وبه قال أهل العراق. وقال أهل المدينة: يجوز أن يشبع منه عند الضرورة. وقيل: إن معنى قوله: "غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ" غير عاص، بأن يكون باغيا، أو عاديا، أو خارجا في معصية، عن قتادة "فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ": في الكلام محذوف دل عليه ما ذكر، والمعنى: فمن اضطر إلى ما حرمت عليه، غير متجانف لإثم، فأكله، فإن الله غفور لذنوبه، ساترا عليه أكله، لا يؤاخذه به، وليس يريد أنه يغفر له عقاب ذلك الأكل، لأنه أباحه له، ولا يستحق العقاب على فعل المباح، وهو رحيم: أي رفيق بعباده، ومن رحمته أباح لهم ما حرم عليهم في حال الخوف على النفس.
تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" ﴿المائدة 3﴾ قوله تعالى: " فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " المخمصة هي المجاعة، والتجانف هو التمايل من الجنف بالجيم وهو ميل القدمين إلى الخارج مقابل الحنف بالحاء الذي هو ميلهما إلى الداخل. وفي سياق الآية دلالة أولا على أن الحكم حكم ثانوي اضطراري، وثانيا على أن التجويز والإباحة مقدر بمقدار يرتفع به الاضطرار ويسكن به ألم الجوع، وثالثا على أن صفة المغفرة ومثلها الرحمة كما تتعلق بالمعاصي المستوجبة للعقاب كذلك يصح أن تتعلق بمنشئها، وهو الحكم الذي يستتبع مخالفته تحقق عنوان المعصية الذي يستتبع العقاب.
https://telegram.me/buratha
