الصفحة الإسلامية

فروقات قرآنية (بلى، نعم) (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في موقع جهات إخبارية عن فائدة لغوية (35): ”بلى“ أم ”نعم“؟ للدكتور أحمد فتح الله: كثير منَّا لا يفرق بين ”بلى“ و”نعم“ في الاستعمال، لكن هذا كان حال القدماء أيضًا. يقول القاسم بن علي الحريري (صاحب المقامات المشهورة، المتوفي: 516 هـ )، أنَّ ”(العامة) لا يفرقون بين معنى نعم ومعنى بلى“ (درة الغواص في أوهام الخواص، ص: 190، طبعة مكتبة المثنى، بغداد، العراق، د. ت) بَلَى، في معجم المعاني، حَرْفُ جوابٍ لِلتَّصْديقِ يَقَعُ بَعْدَ لا النَّافِيَةِ فَيَجْعَلُهُ إِثْباتًا، كما في قوله تعالى: "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لتُبْعَثُنَّ" (التغابن 7)، وَتَأْتِي جَوَابًا لِلاسْتِفْهامِ الْمَقْرونِ بِنَفْيٍ، كما في قوله تعالى: "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلَى" (الأعراف 172). وفي المعجم الوسيط: ”بلى“ حرف جواب، يجاب به النفي خاصة، ويفيد إبطاله، سواء أَكان هذا النفي مع استفهام أم دُونه، واستشهد بالآيتين المذكورتين وبأية: "أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا: بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ" (الملك 8). معنى هذا الكلام أنَّ ”بلى“ يُجاب بها عن سؤال منفيٍّ فيُبْطِل نَفْيَه، كنحو أنْ تُسأَل وقد نجحتَ: (أما نجحتَ؟) فتجيب: (بلى)، والمعنى: بلى نجحتُ. ولو قلتَ: (نعم)، لكان المعنى: نعم ما نجحتُ وذلك لأنّها لا تُبطِل النفي، بل تُثبِته فيظلّ المنفي منفيًّا. وقد جاء في ”تقويم اللسان“، لجمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن الجوزي (ت: 597 هـ ) عن الفرق بين ”بلى“ و”نعم“: ”وتقول في جواب الاستفهام بالنفي:“ بلى ”، إذا أردت إثباته، و“ نَعَمْ ”إذا أقررت على نفيه، مثاله: أن يقال لك: أما تقومُ فتقول:“ بلى ”إذا أردت إثبات القيام، وتقول:“ نعم ”إذا أردت نفيه، أي ما أقوم“ (ص 83). ”بلى“ في بعض اللهجات العربية، على سبيل المثال، العراقية والشامية والخليجية، تلفظ: ”مْ بَلى“، بإدخال ميمًا ساكنة عليها، ويبدو أن استخدامها صحيحًا، مقاربًا للتفريق الفصيح، ولكن تحتاج هذه الملاحظة دراسة أكاديمية للتأكد من صحتها.

 

عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن بلى "بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ﴿البقرة 81﴾ بلى حرف جواب، فحُكْمُ الله ثابت: أن من ارتكب الآثام حتى جَرَّته إلى الكفر، واستولت عليه ذنوبه مِن جميع جوانبه وهذا لا يكون إلا فيمن أشرك بالله، فالمشركون والكفار هم الذين يلازمون نار جهنم ملازمة دائمةً لا تنقطع. قوله جل كرمه "بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ﴿البقرة 112﴾ بَلَى: حرف إجابة يأتي بعد نفي. ليس الأمر كما زعموا أنَّ الجنة تختص بطائفة دون غيرها، وإنما يدخل الجنَّة مَن أخلص لله وحده لا شريك له، وهو متبع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأعماله. فمن فعل ذلك فله ثواب عمله عند ربه في الآخرة، وهو دخول الجنة، وهم لا يخافون فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا. قوله عز وعلا "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ﴿البقرة 260﴾ واذكر أيها الرسول طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث، فقال الله له: أَوَلم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن أطلب ذلك لأزداد يقينًا على يقيني، قال: فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك واذبحهن وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا، ثم نادِهن يأتينك مسرعات. فنادى إبراهيم عليه السلام، فإذا كل جزء يعود إلى موضعه، وإذا بها تأتي مسرعة. واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. قوله جل جلاله "بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" ﴿آل عمران 76﴾ ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون، فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله عليه من أداء الأمانة والإيمان به وبرسله والتزم هديه وشرعه، وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه. والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي. قوله عز وجل "بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ" ﴿آل عمران 125﴾ بلى يكفيكم هذا المَدَد. وبشارة أخرى لكم: إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا الله بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه، ويأت كفار "مكة" على الفور مسرعين لقتالكم، يظنون أنهم يستأصلونكم، فإن الله يمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين أي: قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلامات واضحات.

 

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن نعم "وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" ﴿الأعراف 44﴾ حكى سبحانه ما يجري بين أهل الجنة والنار، بعد استقرارهم في الدارين، فقال، "ونادى" أي: وسينادي "أصحاب الجنة أصحاب النار" أي: أهل الجنة أهل النار، وإنما ذكر بلفظ الماضي، لتحقيق المعنى، جعل ما سيكون كأنه قد كان، لأنه كائن لا محالة، وذلك أبلغ في الردع "أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا" من الثواب في كتبه، وعلى ألسنة رسله "حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم" من العقاب "حقا" وإنما أضافوا الوعد بالجنة إلى نفوسهم، لأن الكفار ما وعدهم الله بالجنة إلا بشرط أن يؤمنوا، فلما لم يؤمنوا، فكأنهم لم يوعدوا بالجنة، وإنما سألوهم هذا السؤال لأن الكفار كانوا يكذبون المؤمنين فيما يدعون لأنفسهم من الثواب، ولهم من العقاب، فهو سؤال توبيخ وشماتة يريد به سرور أهل الجنة، وحسرة أهل النار. "قالوا نعم" أي: قال أهل النار وجدنا ما وعدنا ربنا من العقاب حقا، وصدقا "فأذن مؤذن بينهم" أي: نادى مناد بينهم أسمع الفريقين "أن لعنة الله على الظالمين" أي: غضب الله، وسخطه، وأليم عقابه على الكافرين. قوله عز وجل "قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" ﴿الأعراف 114﴾.

 

وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن نعم "وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (الأعراف 44) "ونادى أصحابُ الجنة أصحاب النار" تقريرا أو تبكيتا "أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا" من الثواب "حقا فهل وجدتم ما وعد" كم "ربكُم" من العذاب "حقا؟ قالوا نعمْ فأذَّن مؤذَّن" نادى منادٍ "بينهم" بين الفريقين أسمعهم "أن لعنة الله على الظالمين".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك