الصفحة الإسلامية

اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا


محمد جواد الدمستاني

 

تروى عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، قالها لجنادة عندما جاء لعيادته في آخر ساعات حياته الشريفة، و قد أوصى الإمام عليه السلام جنادة بوصايا و منها هذه الوصية، و كذلك و تروى عن الإمام الكاظم عليه السلام، « اِعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً ، وَ اِعْمَلْ لآِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً».

كم يُروى قريب منها عن الإمام الصادق عليه السلام عن جده رسول الله صلى الله عليه و آله «فَاعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَمُوتَ هَرِماً، وَ اِحْذَرْ حَذَرَ مَنْ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَمُوتَ غَداً».

 

والرواية عنهم عليهم السلام تشير إلى علاقة الإنسان بالدنيا والآخرة، و ضرورة اتّسامها بالتوازن، و عدم الاقتصار على أحدهما و ترك الآخر، أي عدم الركون إلى الدنيا كاملا، و السعي في تحقيق الرغبات فيها فقط مع نسيان الآخرة و القيامة و الثواب العقاب و الجنّة و النار، و كذا عدم الانصراف كاملا لأعمال الآخرة من عبادة و ذكر و طاعات و الإنكفاء التام عن الدّنيا بحيث تتعطل حياته و حياة متعلقيه.

بل العمل في الدّنيا للدّنيا و الآخرة ، قال تعالى «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا»، و في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام «قَالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ لِأَصْحَابِهِ: تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَ أَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَ لاَ تَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ وَ أَنْتُمْ لاَ تُرْزَقُونَ فِيهَا إِلاَّ بِعَمَلٍ».

 

قد ينال الإنسان الدنيا بدون عمل، و رزق العباد و المخلوقات على الله « وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا»، و لكن الآخرة تُنال بالعمل «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»، و رحمة الله واسعة، فليكن العمل في الدّنيا للدّنيا والآخرة و ليس لأحدهما فقط.

 

«اِعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً» أي اعمل لحوائج الدّنيا و متطلباتها و السعي للمعيشة و تأمين المسكن، المأكل، الملبس، وتوفير وسائل العيش الكريم، و على الإنسان السعي للكسب الحلال الطيب و المشروع و الاجتهاد في تحصيلها كأنّه يعيش إلى الأبد و لا يموت.

«وَ اِعْمَلْ لآِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً» و العمل للآخرة و تأدية الواجبات الشرعية و الالتزام بالأحكام و الحدود الشرعية، و كل الأعمال و الواجبات التي على الإنسان لله، و هي حقوق الله، و الأعمال التي تتعلق بالنّاس و هي حقوق النّاس، كل هذه يجب تأديتها.

 

و بما الإنسان خطّاء فعليه الشروع بالتوبة فورا دون تأخير، التوبة و أعمالها من الاقرار بالذّنب، والاعتراف بالتقصير والندامة عمّا سلف، والبكاء والتضرّع إلى الله سبحانه و تعالى و طلب المغفرة، و يؤدي بنفسه مافي ذمّته من حقوق الله أو حقوق النّاس و طلب البراءة منهم و لا يتوكل على غيره، و عليه بالوصية و خاصة إذا كانت عليه حقوق.

 

و الوصية الأصل ابتدأها الإمام عليه السلام بضرورة الانتباه و اليقظة للحياة الأخرى، بالاستعداد للسفر الأخروي و التزود بمواد السفر و عوامله، و تحصيل الزاد قبل الموت و «خير الزاد التقوى» ، و ضرورة الانتباه إلى التوازن بين حياة الدّنيا و الآخرة و العمل لهما دون أحدهما فقط فأكثر النّاس يطلبون الدّنيا فمنهم من يصيب منها شيئا قليلا أو كثير ، ومنهم لا يحصل منها إلا قليلها، و الموت يطلبهم جميعا حتى يأخذه حقه منهم، و بالوصية في عدم تحميل الإنسان الهمّ الزائد لنفسه، و عدم الحرص و البخل في الدّنيا و تجميع الأموال فما يكسبه الإنسان فوق قوته الذي يأكله فهو خازن له لغيره من الوارث و الحوادث، و أن ينتبه إلى موارد رزقه و مصادر عيشه فإنّ في حلالها حساب و في حرامها عقاب و في الشبهات عتاب، فينزل المؤمن الدّنيا منزلة الميتة فيأخذ منها قدر الضرورة، و أن يكون متوازنا في عمله للدّنيا و الآخرة فيعمل للدّنيا و يعمل للآخرة.

ثم أوصى عليه السلام بالخروج من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة مما يؤدي إلى العزّ و الهيبة ، و أوصى بنوعية الأصدقاء الذي ينبغي مصاحبتهم.

 

و الرواية كاملة رواها في کفایة الأثر ، ص 226 ، و نقله في البحار، ج44 ص 138

« ... عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي مَرَضِهِ اَلَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَسْتٌ يُقْذَفُ عَلَيْهِ اَلدَّمُ وَ يَخْرُجُ كَبِدُهُ قِطْعَةً قِطْعَةً مِنَ اَلسَّمِّ اَلَّذِي أَسْقَاهُ مُعَاوِيَةُ لَعَنَهُ اَللَّهُ فَقُلْتُ يَا مَوْلاَيَ مَا لَكَ لاَ تُعَالِجُ نَفْسَكَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اَللَّهِ بِمَا ذَا أُعَالِجُ اَلْمَوْتَ قُلْتُ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ .

ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ وَ اَللَّهِ لَقَدْ عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ يَمْلِكُهُ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مَا مِنَّا إِلاَّ مَسْمُومٌ أَوْ مَقْتُولٌ ثُمَّ رُفِعَتِ اَلطَّسْتُ وَ بَكَى صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ عِظْنِي يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ قَالَ نَعَمْ اِسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ وَ حَصِّلْ زَادَكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ تَطْلُبُ اَلدُّنْيَا وَ اَلْمَوْتُ يَطْلُبُكَ وَ لاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ اَلَّذِي لَمْ يَأْتِ عَلَى يَوْمِكَ اَلَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ لاَ تَكْسِبُ مِنَ اَلْمَالِ شَيْئاً فَوْقَ قُوتِكَ إِلاَّ كُنْتَ فِيهِ خَازِناً لِغَيْرِكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ وَ فِي اَلشُّبُهَاتِ عِتَابٌ فَأَنْزِلِ اَلدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ اَلْمَيْتَةِ خُذْ مِنْهَا مَا يَكْفِيكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلاَلاً كُنْتَ قَدْ زَهِدْتَ فِيهَا وَ إِنْ كَانَ حَرَاماً لَمْ يَكُنْ فِيهِ وِزْرٌ فَأَخَذْتَ كَمَا أَخَذْتَ مِنَ اَلْمَيْتَةِ وَ إِنْ كَانَ اَلْعِتَابُ فَإِنَّ اَلْعِتَابَ يَسِيرٌ وَ اِعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً وَ اِعْمَلْ لآِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً وَ إِذَا أَرَدْتَ عِزّاً بِلاَ عَشِيرَةٍ وَ هَيْبَةً بِلاَ سُلْطَانٍ فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ إِلَى عِزِّ طَاعَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِذَا نَازَعَتْكَ إِلَى صُحْبَةِ اَلرِّجَالِ حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إِذَا صَحِبْتَهُ زَانَكَ وَ إِذَا خَدَمْتَهُ صَانَكَ وَ إِذَا أَرَدْتَ مِنْهُ مَعُونَةً أَعَانَكَ وَ إِنْ قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَكَ وَ إِنْ صُلْتَ شَدَّ صَوْلَكَ وَ إِنْ مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضْلٍ مَدَّهَا وَ إِنْ بَدَتْ عَنْكَ ثُلْمَةٌ سَدَّهَا وَ إِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا وَ إِنْ سَأَلْتَهُ أَعْطَاكَ وَ إِنْ سَكَتَّ عَنْهُ اِبْتَدَأَكَ وَ إِنْ نَزَلَتْ إِحْدَى اَلْمُلِمَّاتِ بِهِ سَاءَكَ مَنْ لاَ تَأْتِيكَ مِنْهُ اَلْبَوَائِقُ وَ لاَ يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ مِنْهُ اَلطَّرَائِقُ وَ لاَ يَخْذُلُكَ عِنْدَ اَلْحَقَائِقِ وَ إِنْ تَنَازَعْتُمَا مُنْقَسِماً آثَرَكَ...».

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك