الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب فقه الإمام الصادق للشيخ مغنية (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

يقول الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره في كتابه فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" (المائدة 6). وقال الإمام الباقر والد الإمام الصادق عليهما السّلام: (لا صلاة إلَّا بطهور). وقال: (الوضوء فريضة). وقال الإمام الصادق عليه السّلام: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله: (افتتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم). وقال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام: (إنما بدئ بالوضوء ليكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه، مطيعا له فيما أمره، نقيا من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد، ثم قال: وإنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء، لأنّه ليس فيها ركوع وسجود، وانما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود). وقال الإمام الصادق عليهما السّلام: (لا ينقض الوضوء إلَّا حدث ونوم). وليس من شك إن الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس من الأحداث.

 

وعن غايات الوضوء يبين الشيخ مغنية في كتابه: إن العبادة التي من أجلها يتوضأ الإنسان تسمى غاية الوضوء، وهي ما يلي: 1 - يجب الوضوء للصلاة واجبة كانت أو مستحبة، أي لا تصح الصلاة بدونه إجماعا، ونصا. وهو قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" (المائدة 6)، وقول الإمام: (لا صلاة إلَّا بطهور). 2 - الطواف أيضا إجماعا ونصا، وهو حديث: (الطواف في البيت صلاة)، وروى علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم بن الإمام الصادق عليهما السّلام: (عن رجل طاف في البيت، ثم ذكر أنّه على غير وضوء ؟ فقال: يقطع طوافه، ولا يعتد به). 3 - مس كتابة القرآن، فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام: أنه قال لولده إسماعيل: (يا بني اقرأ المصحف. فقال: اني لست على وضوء. قال: لا تمس الكتابة، ومس الورقة واقرأ). وتجدر الإشارة هنا إلى أن مس كتابة القرآن ليس من غايات الوضوء حقيقة، بل تسامحا، ذلك ان هذا المس ليس واجبا ولا مستحبا. وإذا لم يكن كذلك، فبالأولى أن لا يكون الوضوء من أجله واجبا أو مستحبا، لأن الوسيلة لا تجب دون الغاية، والتابع لا يزيد على المتبوع، وعلى هذا يكون الوضوء لأجل المس غير مشروع البتة. أذن، المراد ان من كان على غير وضوء يحرم عليه أن يمس كتابة القرآن، ومن كان متوضئا لغاية أخرى جاز له أن يمس الكتابة المقدّسة. 4 - يجب الوضوء لإقامة الصلاة تماما كما يجب للصلاة نفسها إجماعا ونصا، وهو قول الإمام عليه السّلام: (لا بأس أن تؤذن، وأنت على غير طهور، ولا تقيم - أي للصلاة - إلَّا وأنت على وضوء). وذكرنا في أوّل هذا الفصل ما جاء على لسان الإمام الرضا عليه السّلام من أن صلاة الجنازة لا يجب الوضوء لها، إذ لا ركوع فيها، ولا سجود، فليست هي بصلاة حقيقة، بل دعاء للميت.

 

وعن واجبات الوضوء يقول الشيخ محمد جواد مغنية: للوضوء واجبات لا يتحقق، ولا يعتد به شرعا إلا بها، ومستحبات لا يجب فعلها، ولا ينكر على من تركها، وتهمنا الأولى قبل كل شيء، وهي ما يلي 1 - النية، وحقيقتها الدافع والباعث على العمل ابتغاء مرضاة اللَّه، وامتثال أمره، وأي دافع آخر، والدليل على وجوبها إن الوضوء عبادة، تماما كالصوم والصلاة، ولا عبادة بلا نية إجماعا ونصا، ومنه قوله تعالى: "وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" (غافر 14) وقوله: "فَادْعُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" (البينة 5). وليس من شك أن الوضوء من الدين، فوجب أن لا يصح ولا يقبل بدون نية الإخلاص. وبما أن الباعث والإخلاص من عمل القلب فقط فلا يجب التلفظ بالنية، ولا قصد الوجوب أو الاستحباب، ولا قصد رفع الحدث أو استباحة الدخول في الصلاة، لا يجب شيء من ذلك، ولا من غيره إلَّا وجه اللَّه وكفى. ولو توضأ انسان لوجه اللَّه تعالى، ولكن في الوقت نفسه أعجبه أن يراه الناس محسنا للوضوء فعّالا للخير، صح الوضوء بالاتفاق، لأن مثل هذا يجتمع مع فعل الخير لوجه الخير، ولقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل يعمل الشيء من الخير، فيراه انسان، فيسره ذلك؟ قال: (لا بأس. ما من أحد إلَّا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير، إذا لم يصنع ذلك لذلك). أي لم يفعل من أجل الناس فقط. وبكلمة أن عمله من أجل الناس، لا من أجل اللَّه شيء، وسروره بأن يكون من أهل الخير عند اللَّه والناس شيء آخر. ولو شك في أنّه نوى الوضوء، أو لا ؟ فان كان لم يزل يتوضأ استأنف من جديد، وإن كان قد انتهى منه مضى، ولم يلتفت. 2 - غسل الوجه مرّة واحدة، أي إسالة الماء عليه وحده، من منابت شعر الرأس إلى اللحيين طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، أي من الأذن إلى الأذن. وذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب الابتداء في غسل الوجه من أعلاه، فلو ابتدأ من الأسفل أو الوسط لم يصح، وهذا ما قالوه بالحرف: (يجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن، وإذا غسل منكوسا لم يجز). ويلاحظ بأن الأمر بغسل الوجه مطلق، ولا نصّ على وجوب الابتداء بالأعلى، فيحصل الامتثال بالغسل كيف اتفق، أما ابتداء الإمام بالأعلى فغاية ما يدل عليه الجواز والمشروعية، لا الحصر والتعيين. ومهما يكن، فلا يجب غسل ما تحت اللحية، ولا ما طال من شعرها، أو من شعر الشارب والحاجب، وغير بعيد أن يكون السر لعدم وجوب إيصال الماء إلى البشرة مع كثافة اللحية، هو أن البشرة، والحال هذه، تصير من البواطن، لا من الظواهر، وربما أومأ إلى هذا قول الإمام الباقر عليه السّلام: (كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، ولا أن يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء).

 

ويستمر الشيخ مغنية قدس سره عن ذكر واجبات الوضوء قائلا: 3 - غسل اليدين مرّة واحدة، مقدما اليمنى على اليسرى وجوبا، وحدّهما من أطراف الأصابع إلى المرفقين، والمرفق هو المفصل بين العضد والساعد، ويدخل فيما يجب غسله، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشيعة أوجبوا ابتداء الغسل من المرفق، وأبطلوا النكس، أي الابتداء من أطراف الأصابع، أمّا السنة بمذاهبهم الأربعة، فقد أجازوا الغسل كيف اتفق، ولم يوجبوا البداية من المرفق، ولا من الأصابع. وعلى هذا يرد على الشيعة بأن اللَّه سبحانه قال: "فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ" (المائدة 6) وظاهر الآية الانتهاء إلى المرفق، لا الابتداء به، ولا أقل من جواز الأمرين، فمن أين - اذن - جاء التعيين ؟ وأجاب عن هذا من أجاب بأن (إلى) هنا ليست للانتهاء، لأنّها لا تدل عليه إلَّا إذا وجدت (من) الدالة على الابتداء في الطرف الآخر، كقولك: سرت من البيت إلى السوق، والمفروض عدم وجود (من) في الآية الكريمة، فلا بد أن تكون (إلى) بمعنى مع، أي اغسلوا المرافق مع أيديكم. ونحن لا نشك أن هذا لعب بالألفاظ، وكلام لا محصل له. والصحيح أن (إلى) باقيه على ظاهرها، وأنّها تدل على الانتهاء، ولو لم تكن (من) الطرف الآخر، وانها تحديد للعضو المغسول، وهو اليد، لا تحديد للغسل، ولو كانت لتحديد الغسل لوجب تعيين الابتداء من الأصابع، ولا قائل به، حتى السنة، فإنهم ذهبوا جميعا إلى التخيير بين البداية من المرفق، أو من أطراف الأصابع. وهنا سؤال يفرض نفسه، وهو إذا كانت (إلى) في الآية تحديدا للمغسول لا للغسل، وان الذي دلت عليه الآية هو وجوب غسل هذا العضو الخاص كيف اتفق، فعلى أي شيء استند الشيعة لوجوب الابتداء من المرفق؟ وبكلمة أن الاشكال السابق يبقى قائما ما دامت الآية لا تدل على وجوب البداية من الأصابع، ولا من المرفق. الجواب: أجل، إن الآية أجنبية عن ذلك. ولكن الشيعة قد استندوا إلى دليل آخر لوجوب البداية من المرفق، وهو الإجماع، وروايات عن أهل البيت عليهم السّلام. مرة واحدة: وأوجبنا في كل من غسل الوجه واليدين مرّة واحدة لقول الإمام الصادق عليه السّلام: (الوضوء واحدة فرض، واثنتان لا يؤجر، والثالثة بدعة)، أي أن من يأتي بالثالثة بقصد أنّها من الوضوء فقد شرّع وأبدع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ومن يأتي بها دون هذا القصد فلا اثم عليه، ولكن يبطل وضوءه، ولا يسوغ له أن يمسح ببلة الثالثة رأسه وقدميه. 4 - مسح الرأس، قال الإمام الصادق عليه السّلام: (مسح الرأس على مقدّمه). وقال: (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا) أي منكوسا وغير منكوس. وقال: (ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوءك، فإن لم يكن بقي في يديك من نداوة وضوءك شيء، فخذ ما بقي في لحيتك، وامسح به رأسك، ورجليك، وان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبك وأشفار عينيك، وامسح به رأسك، ورجليك، فان لم يبق من بلة وضوءك شيء أعدت الوضوء). وسئل عن الرجل يمسح رأسه بإصبعه أيجزيه ذلك؟ قال: نعم. ولخّص الفقهاء هذه الروايات، وما إليها بقولهم: يكفي من مسح الرأس ما يسمى به مسحا، والمندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا، ويختص المسح بمقدم الرأس، ويجب أن يكون بنداوة الوضوء، لا بماء جديد، ولو جف ما على يديه، أخذ من لحيته وأشفار عينيه، فإن لم يبق أعاد، ويجوز المسح منكوسا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك