الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب أبو طالب ثالث من أسلم للسيد الحسني (ح 4)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب أبو طالب عليه السلام ثالث من أسلم للسيد نبيل قدوري الحسني: إسلام أبي ذر رضي الله عنه وحقيقة سرية الدعوة: وعليه: فإذا كان أبو ذر رابع من أسلم فان التعرض له بسبب إسلامه كان بعد قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتسفيه أحلامهم. باء ــ وجود المستهزئين يعني أن الدعوة لم تكن سرية فلو كانت كذلك فمن أين ظهر المستهزئون؟ وظهورهم متوقف على إجهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدعوته وتسفيهه أحلام قريش. جيم ــ تعارض مصداق سرية الدعوة مع قوله تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94). لقد استدل بعض كتاب السيرة النبوية بقوله تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94) على سرية الدعوة من حيث كونها واقعاً لحركة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خلال السنوات الأولى في حين أن الاستدلال بها هو استدلال واهٍ ومغاير لما نطقت به الآية الكريمة من تشريف وتصبير لسيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم لما يلاقي من الأذى ولاسيما أولئك الذين تصدوا له في كل محفل من محافل قريش بالاستهزاء والسخرية؛ فكان الأمر الإلهي يدعوه إلى المضي فيما كان يسير عليه ولا يفتر بسبب هؤلاء المستهزئين فقد كفاه الله شرهم ووجودهم فقد أهلكهم الله تعالى. ولذلك: فان الآية ترسم للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم منهاج التبليغ في مكة وكيفية التعامل مع المشركين من خلال نهجين: النهج الأول: هو الصدع، (والصدع في الزجاج وفي الحائط: أن تبين بعض الشيء عن بعض). وهو التفريق لقوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ" (الروم 43). أي: يتفرقون. ويراد به الانتقال بالدعوة إلى التوحيد من مكة إلى المدن الأخرى وتفريق هذا الأمر وإظهاره خارج مكة، بمعنى توسيع دائرة التبليغ على مساحة جغرافية واسعة وهو ما أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله لأبي ذر رضي الله عنه (حتى يأتيك أمرنا)، فهذا مراد الصدع، أما حاله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة فلم يكن مستتراً بدليل صلاته في الحرم مع علي وخديجة عليهما السلام في اليوم الثاني من مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أولاً. ثانياً: تسفيهه صلى الله عليه وآله وسلم أحلام قريش. ثالثاً: لوجود المستهزئين، وهذه الأدلة قد بيّنّاها مفصلاً. أما النهج الثاني الذي جاء به الوحي فهو الإعراض عن المشركين، أي: ترك تسفيه أحلامهم وتعييب عقولهم. وقريب من هذا المعنى قال بعض المفسرين في بيانهم لمراد الآية: 1 ــ (لا تخاصمهم إلى أن تؤمر بقتالهم). 2 ــ (معناه لا تلتفت إليهم، ولا تخف منهم). 3 ــ (أعرض عن مجادلتهم إذا آذوك). فهذه الأقوال تشير بوضوح إلى المنهج الجديد الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع المشركين الذين تعرضوا له ولأتباعه، والى انتفاء ما يسمى بسرية الدعوة. دال ــ إنّ السبب الذي دفع أبا ذر في إرسال أخيه إلى مكة هو لتقصي صحة الخبر الذي وصل إلى أهل غفار بظهور نبي جديد في مكة وهذا يدل على انتشار أمر النبوة بمساحة جغرافية حدودها من لبنان إلى مكة. وعليه: فأي سرية كانت للدعوة وخبرها منتشر على هذه الرقعة الجغرافية؟

يقول السيد الحسني في كتابه أبو طالب عليه السلام ثالث من أسلم: وبناءً على ما تقدم فقد بدا لنا: أن السبب الذي دفع أبا طالب لإخفاء إسلامه هو التزامه بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما عرض عليه الدخول إلى الإسلام ومنحه خصائص ومناقب فيما لو عمل على نصرة هذا الدين وهو الأمر الذي نص عليه القرآن كقوله: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا" (النور 55). فضلاً عن أن الأحداث التي رافقت سير الدعوة خلال السنوات المكية ولاسيما بعد وفاة أبي طالب عليه السلام قد دلت بوضوح تام على نجاح حكمة أبي طالب في إخفائه إسلامه، إذ ان الحال العسير الذي أصبح عليه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحيل عمه لخير دليل على بيان نتائج هذه الحكمة البالغة التي لولاها لما تمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تحقيق تقدم يذكر، بل لوئدت الرسالة في مهدها لشدة ما يحيط بها من أخطار عظيمة ممثلة برهبان اليهود، وكهنة المشركين والسحرة وطغاة السلطة وفراعنة المال، وسماسرة العبيد، وتجار النساء، ومتعطشي الدماء، ومنتهكي الحرم، وصعاليك الأعراب، والمتسلطين بأنسابهم وأمجاد آبائهم، وغيرها لكثير جداً فيما لو أخذنا بعين الاعتبار أن النهج الذي ينتهجه الأنبياء عليهم السلام في تبليغ الأحكام قائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس على القوة، وان كانوا مؤيدين ومسددين من السماء، إذ (أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها). فكان من أسباب قيام هذا الدين وجود أبي طالب رضوان الله تعالى عليه. إذن: حقيقة إسلام أبي طالب عليه السلام قد عرفها المحب لعلي بن أبي طالب عليه السلام والمبغض، والفرق بينهما: أنّ المحب قال: إنّ أبا طالب كان مؤمناً لكنه لم يظهر ذلك لساناً بنطق الشهادتين. وإنما أظهره بفعله الذي لم يأتِ بمثله أحد من العالمين فيما إذا أخذنا بعين الحسبان ما يمتاز به الزمان والمكان والأشخاص الذين بعث فيهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. وبمعنى آخر: إنّ أبا طالب لم يُظهر إسلامه بنطق الشهادتين أمام الملأ من قريش ولكنه أظهر إيمانه بيده ولسانه وقلبه بل أنّ كل ذرة في كيان أبي طالب عليه السلام تنطق إيماناً وجهاداً. وأما المبغض فيقول: (أنه مات على دين قومه، ولم يسلم، وأنه في ضحضاح من النار).

ويستطرد السيد نبيل قدوري الحسني قائلا: وأعجب ما قيل في هذا الصدد، هو قول ابن كثير الأموي، الذي ذهب: إلى أنّ الله تعالى قد حكم وقضى على أبي طالب بأنْ يكون على دين قومه ويموت كافراً ويدخل النار ويعذب بنعلين يغلي منها دماغه. وهذا نص قوله: (وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه ولاجترؤوا عليه، ولمدّوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد قسم خلقه أجناساً وأنواعاً). ثم يضيف قائلاً: (فهذان العمّان كافران! أبو طالب وأبو لهب، ولكنّ هذا يكون في القيامة في ضحضاح من نار، وذلك في الدرك الأسفل من النار). وهذا من أعجب ما قيل بل "وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا" (المجادلة 2). إذ كيف تقتضي حكمة الله تعالى أن يكون أبو طالب كافراً والعياذ بالله ثم يقوم بإدخاله النار فيعذبه؟. استغفر الله من كل قبيح ينسب إلى الله عز وجل. إلى هذا الحد يمكن للبغض ان يعمي القلوب فيجترأ بذلك على الله تعالى؟. كيف يمكن أنْ يكون الله عز وجل حكيماً، وهو الذي لا يصنع العبث، ثم بعد ذلك يرمي بعبده الذي كتب عليه الكفر فيدخله النار فيجعله مع عدوه أبي لهب. ألا يحتج أبو طالب يوم القيامة على خالقه فيقول: ما ذنبي وقد قضيت علي يا رب بالكفر ثم تعذبني بنارك. كيف يا ربي وأنت المحسن الذي يجازي الإحسان بالإحسان، أن تعذبني بنارك وقد أفنيت عمري وأنا أحسن إلى حبيبك ورسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم. "فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الانبياء 22). أليس القول بأن أبا طالب عليه السلام أسلم ولكن لم يظهر إسلامه وتظاهر لقريش بأنه مازال على دينهم من أجل أن يقوم بحماية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدفع عنه الأذى، هو أصدق للعقل، واسلم للقلب، وأرضى للرب، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان يؤذيه التقليل من شأن عمه أبي طالب عليه السلام فكيف بمن يصفه بالكفر والعياذ بالله.

ويقول السيد الحسني في كتابه أبو طالب عليه السلام ثالث من أسلم عن ابن كثير وأمثاله: ألم يقرأ ابن كثير وغيره ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتألم ويتأذى حينما يُذْكَر أبو طالب بسوء، حتى وان كان القائل هو عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب وهو جريح بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم. ألم يقرأ ابن كثير وغيره ممن يصفون أبا طالب بالكفر، قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا" (الاحزاب 57). فانظر أخي القارئ بعين الإيمان والإنصاف إلى حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكيف تألم حينما أراد عبيدة بن الحارث ــ عن دون قصد التقليل من شأن أبي طالب عليه السلام في هذه الحادثة وهي كالآتي: روي أنه (لما أصيب عبيدة بن الحارث يوم بدر حمله عمه حمزة وعلي بن أبي طالب عليهما السلام وأتيا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إليه رسول الله واستعبر، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي أنت وأمي ألست شهيداً. فقال: (بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي). قال: أما لو كان عمك حيا لعلم أني أولى بما قال منه. قال صلى الله عليه وآله وسلم: وأي أعمامي تعني؟. فقال: أبو طالب حيث يقول عليه السلام: كذبتم وبيت الله نبزى محمداً * ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة. فقال: يا رسول الله أسخطت عليّ في هذه الحالة؟. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك). فكيف كان حاله صلى الله عليه وآله وسلم وانقباضه حينما يصف ابن كثير وغيره أبا طالب بالكفر والعياذ بالله. لاسيما وأنّ الكثيرين على هذا الاعتقاد، بل يسعون في إضلال المسلمين به ونشره بينهم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك